محليمقالات خاصة

بلغة البيجر.. الرجاء عدم فتح هذه الرسالة

كتب الصحافي مصطفى عبيد لقلم سياسي،

حتى أكثر الدجالين شعوذةً بين غرف الاستخبارات العالمية لم يكونوا ليتوقعوا ما حملته هذه السنة من تطورات، وصفقات غيرت وجه اللعبة السياسية في العالم، وتحديداً في الشرق الأوسط، هي انفجارات تخطت انفجارات البيجر قوةً، وتأثيراً، وخلفت وراءها ضحايا كثر أصبحوا رواداً لعيادات الطب النفسي في لبنان وسوريا بعد أن اضطروا لأن يتبنوا مصطلح “التكويع” الرائج حالياً في سوريا التي تتشارك أرض الحدث إلى جانب لبنان حيث انتهت عصور العصابات، والميليشيات، والأنظمة المجرمة وسطع نجم جديد علَّه يكون حقاً نجم الدولة، والانتماء للوطن.

هو عامٌ كان باهتاً، روتينياً، مملاً على الساحة اللبنانية حيث كان حزب الله لا يزال يتبادل في أيام هذا العام لعبة القذائف، والصواريخ النوعية ذات الأهداف الوهمية مع الاحتلال الإسرائيلي، فيما كان النظام الأسدي هناك في سوريا مستمراً في مجازره اليومية بين إعدامات ميدانية، وتجويع، وإفقار للشعب السوري وسط صمت مظلم يلف البلاد، والعباد، فيما لم تتوقف منصات التواصل في كل من لبنان، وسوريا عن الشجب، والإدانة، والاستنكار، والتحذير من مصير الشعب في البلدين، ولكن ما حصل في نهاية العام كان ثقيلاً، ومؤلماً، ولكن ليس للشعب، بل بالنسبة للقيادات، والتحالفات، والعصابات، ولمحور الممانعة تحديداً، فما حصل لم يكن ليتوقعه أحد.

ففي السابع والعشرون من أيلول وبعد حملة اغتيالات للصفوف الأولى في حزب الله، ومن ثم عملية البيجر التي كشفت الخرق الكبير الذي يعاني منه الحزب، وقع المستحيل في الساحة اللبنانية، تم اغتيال الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله.. هو خبرٌ لم يصدقه العالم، فجيمس بوند النسخة الإيرانية كان أحد الشخصيات التي لا يمكن اغتيالها، ولا يمكن تخيل التوازنات السياسية على الساحتين المحلية، والدولية دونها، ولكن المستحيل أصبح واقعاً، حزب الله بدون حسن نصرالله، ومن ثم تتالت الاغتيالات الموجعة للحزب التي أظهرت للبنانيين الوهن والوهم الذي يعيشه الحزب، وأن الواقع الميداني غير مضمون الخطابات الأسطورية فحيفا لا تزال محتلة، ولكن من تدمر هو لبنان مجدداً، فتدمرت ضاحية بيروت الجنوبية، وجنوب لبنان، والبقاع، وتم توقيع اتفاق العار، والبحث جارٍ عن متعهد ليعيد الإعمار مقابل السيطرة على القرار المسلوب في الأصل.

وفي مكانٍ قريب هناك في سوريا، مستحيلٌ من نوعٍ آخر فجَّر الأجواء العالمية برمتها، ففي الثامن من كانون الأول وتحديداً عند الساعة السادسة وثمانية عشر دقيقة صباحاً صدحت الشاشات في جميع أركان الكون “سوريا من دون بشار الأسد، قيادة الجيش تخبر الجنود بسقوط النظام..”، هذا الإعلان الذي كان بحد ذاته أمراً أكثر استحالة من ذاك المستحيل الذي حصل بلبنان، بشار الأسد يغادر سوريا هارباً لاجئاً تماماً كما جعل الشعب السوري يعيش لأكثر من 13 عاماً، السجون تحطمت أبوابها، المعتقلون حرروا، والكثير الكثير من المجازر، والجرائم ظهرت للعلن لتكشف قباحة، ودناءة، وحقارة محور متستر بالممانعة رأسه في إيران، وأذنابه توزعت بين اليمن، والعراق، وأرض المعجزات في سوريا، ولبنان.

نعم، هو عام المعجزات للبعض، والانكسارات التاريخية للبعض الآخر، ولكن مهما اختلفت التسميات، فما قبل العام 2024، ليس كما بعده، وها هو العام يودعنا نحن اللبنانيون، والسوريون ملقياً بين أذرعنا فرصاً ذهبية علَّها تكون حقيقية، وعلَّنا نحسن استثمارها من أجل لبنان الوطن، وسوريا الوطن، بلدين مستقلين في الحكم، شقيقين بالتجارب المؤلمة التي نتمنى أن لا تتكرر.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مصطفى عبيد

كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى