فيروز… التسعين ما هزّت صوت الحلم.
كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي:
بهالعيد، فيروز ما بس عم تحتفل بعمر، هي عم تحتفل بزمن كامل حملته بصوتها. تسعين سنة؟ شو يعني تسعين قدام صوت عمرو ما انكسر، ما تعب، ما صار جزء من الماضي؟ فيروز هي اللحظة اللي بتوقف فيها الدنيا كلها لتسمع. هي الأمان اللي ما قدر عليه لا زمن ولا حرب ولا وجع
صوتها… أكتر من صوت
لما نسمع فيروز، ما عم نسمع مغنية، عم نسمع وطن. وطن مش مبني من حجارة، وطن مبني من حب، من حلم، من إحساس. صوتها مش أغنية بتسمعها، صوتها حياة بتعيشها. غنت للحب وخلّتنا نعيشه بنقاوة، غنت للغربة وخلّتنا نحس إنو الرجوع ممكن، غنت للسلام وخلّتنا نؤمن إنو رغم كل شي بعده حلمنا الأكبر.
بيروت فيروز
بيروت اللي تعبت، بيروت اللي احترقت وانطفت وانكسرت، بيروت كانت بصوتها عم تقوم كل يوم من تحت الركام. فيروز هي بيروت اللي ما بتموت. صوتها غطّى على صوت الدمار، صار هو النشيد الوطني بوقت فقدنا فيه الأمل. “لبيروت” ما كانت أغنية، كانت صرخة، كانت عزاء، كانت وطن صغير عايش بقلوبنا كلنا.
فنها؟ أسطورة بتتخطى الواقع
ما كان عادي صوتها، ولا كانت عادية أغانيها. الرحابنة كتبوا ألحان وكلمات، بس فيروز هي اللي نفخت فيهن الروح. شو كانت “زهرة المدائن” بدون الإحساس اللي خلّانا نبكي القدس؟ شو كانت “سألوني الناس” لولا الصدق اللي حسّينا فيه بغياب الرحباني؟ صوتها كان الحقيقة اللي ما حدا قدر يخبيها، كان الجسر بين الماضي والحاضر، بين الحلم والواقع.
التسعين؟ عمر الفن الحقيقي ما بينقاس
التسعين سنة ما هنّي رقم. التسعين هنّي قصص حب عشناها، صباحات مليانة حياة، لحظات ألم بكينا فيها عالوطن، وساعات حلمنا بمستقبل أفضل. فيروز ما شاخت، صوتها ما هرم، لأن الفن الحقيقي ما بيكبر، بيضل متجدد، بيضل حيّ.
إرثها؟ مش أغاني بس
فيروز تركت إرث أكبر من الموسيقى. هي علمتنا نحلم، نحس، نحترم الفن. علمتنا إنو الفنان الحقيقي مش اللي بيغني، بل اللي بيحكي لغة كل قلب. كل حدا منا عنده “فيروزه” الخاصة، أغنيته اللي بتخبيله ذكرى، اللي بتواسيه، اللي بتعيدله أمل كان فاقده.
ذكرياتنا مع صوتها… صفحات محفورة بالقلب
مين منا ما بيربط صوتهن بشي ذكرى؟ صوت فيروز كان المرافق الوفي لأبسط لحظاتنا وأعمقها. الصبحية قبل المدرسة، ونحن حاملين الشنط وعيونّا نص مفتحة، كان صوتها يقول: “أنا عندي حنين… ما بعرف لمين” وكأنها عم تحكي عن حنين ما عم نقدر نسميه. كبرنا، بس هالغنية ظلت ترافقنا، صارت حنين لطفولتنا نحنا.
وبس يسمع الواحد “أسامينا… شو تعبوا أهالينا”، كنا نتخيل كيف تعبوا بالفعل ليبنوا لنا حاضر أفضل. كانت فيروز الصوت يلي يرجعنا لأصلنا، لقصصنا الصغيرة، للأوقات يلي حسينا فيها إنو كل شي بسيط هو فعلاً عظيم.
ولما تقول “بشمالك بجنوبك بسهلك بحبك”، كانت توحّد كل المناطق بقلوبنا، بتخلينا نشوف لبنان كلو كبيت واحد، بيت حلمنا يكون مليان أمان وفرح. هالغنية كانت أكتر من أغنية، كانت درس بالحب للوطن يلي، رغم كل شي، بعدنا متمسكين فيه.
فيروز كانت، وبتضل، الرفيقة يلي ما بتخذلنا. صوتها محفور بذكرياتنا، وحياتنا مليانة محطات عم تختصرها أغانيها. يا سيدة الصوت والنور، إنتِ مش بس مغنية، إنتِ الزمن الحلو يلي ما بيتنسى.
يا فيروز، صوتك هو ضميرنا، هو الشي الوحيد اللي بعده صافي ببحر مليان ضجيج. بعيدك التسعين، نحن اللي عم نحتفل، نحن اللي عم نشكر الحياة إنو بصوتك عشنا حياة أكتر دفا وأكتر معنى.
كل سنة وإنتِ أكبر من الزمن، أعمق من الذاكرة، وأقرب للخلود.