مقالات خاصة

مشهد الدمار: بين عدو خارجي وداخلي

كتبت “قمر رشيد” لقلم سياسي:

إنه شعور مرير لا يمكن وصفه بالكلمات حين تنظر حولك لتجد بلدك، مدينتك، وبيتك قد تحولوا إلى رماد وأطلال. أن ترى كل ما عشت من أجله وتعبت لبنائه يتلاشى بسبب قوتين تفتكان به، عدو خارجي يشن حرباً بلا رحمة، وعدو داخلي ينخر كيان الوطن ببطء وخبث.

حين تهاجم الأعداء من الخارج، تجد صعوبة في تقبل أن شخصاً ما، بعيداً عنك وعن تفاصيل حياتك، قد أتى ليعبث بذكرياتك وأمانك. ترى الطائرات تحلق فوق سماء مدينتك، تحمل قنابلها لتدمر كل زاوية تعرفها، وكل شارع يحمل جزءاً من قصتك. ترى الغبار يرتفع ليغطي سماءك، لونه الرصاصي يمتزج برائحة الدخان، يحجب الرؤية ويُثقل صدرك بالألم والخوف. كل قنبلة، كل انفجار هو طعنة تقتلع أجزاء من روحك، حتى تصبح نفسك ثقيلة، مشبعة بالخيبة والفقد.

لكن من الأصعب أن ترى العدو الداخلي ينهش وطنك، يستغل لحظات ضعفه ويمتص كل ما تبقى من خير فيه. تشعر بالخيانة، لأنه يرتدي قناع الوطن؛ يدعي العمل لصالحه وهو في الحقيقة يسرق ما تبقى من الأمل. إنه الفساد الذي يزدهر في أحلك الظروف، يزيد من معاناة الناس، ويدوس على كرامتهم في سبيل تحقيق مكاسب شخصية.

ما بين أزيز القذائف وهزات الانفجارات، وبين الفساد والانقسام الداخلي، تجد نفسك محاصراً من كل جانب، عاجزاً عن حماية نفسك وأحلامك. الأسى يغمر قلبك، ويتساءل عقلك كيف لبلد جميل وآمن أن يصل إلى هذا الدمار. كيف لمنزل كان يوماً مكاناً للفرح والراحة أن يتحول إلى حطام، وأن تصبح أحلامك مجرد ذكريات باهتة وسط الركام.

في كل ركن محطم، في كل جدار منهدِم، ترى صورة من ماضيك، تسمع ضحكات عائلتك التي كانت تملأ البيت. تتذكر ليالي السهر، والأحاديث الطويلة حول الطموحات والأحلام، التي أصبحت اليوم أحلاماً ضائعة في بحر من الدمار. وتظل تسأل نفسك: كيف لبلدك، الذي كان رمزاً للحياة، أن يغدو ضحية لهذين العدوين، ويصبح مسرحاً للألم والصراعات التي لا تنتهي؟

يبقى الأمل هو السلاح الأخير، ذلك الأمل البسيط في أن يأتي يوم يعم فيه السلام، وتتمكن من إعادة بناء حياتك من جديد. لكن حتى يحدث ذلك، يبقى الألم مسيطراً، وتبقى ذكريات الدمار محفورة في قلبك، كتذكار دائم لما فقدته، ولكل ما لم يعد كما كان.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى