“نموتُ كي يحيا الوطن”.

كتبت قمر رشيد لقلم سياسي:
حب الوطن ليس مجرد شعور أو عاطفة عابرة، بل هو حالة من الالتزام العميق والانتماء الذي يتجاوز الفرد ويصل إلى روح الجماعة. الوطن هو الهوية، وهو المكان الذي نحمل منه ذكرياتنا وآمالنا وتطلعاتنا. التضحية من أجل الوطن هي أعلى درجات الإخلاص، لأن من يضحي بحياته من أجل أرضه هو من يؤمن بأن هذه الأرض ليست مجرد قطعة جغرافية، بل هي حياة وروح ومستقبل أجيال كاملة.
في لبنان، لطالما كان حب الوطن مقرونًا بالتضحية. عبر العقود، شهدت هذه الأرض الصغيرة في مساحتها الكبيرة في تاريخها سلسلة من الصراعات التي وضعت أبنائها أمام خيار صعب: إما الاستسلام للظلم أو الوقوف بشجاعة للدفاع عن الحرية والسيادة. وعلى مر السنين، كان الخيار دائمًا هو التضحية، وقدم اللبنانيون شهداء في كل حقبة، مستعدّين للذود عن كرامة الوطن.
إن الشهداء الذين قُتلوا دفاعًا عن لبنان، كانوا يدركون جيدًا أن حب الوطن ليس شعارًا يُرفع في المناسبات، بل هو عهدٌ يتحقق بالأفعال. هؤلاء الأبطال لم يسقطوا في ساحات المعارك فقط، بل كانوا يسقطون دفاعًا عن الحق والعدالة ضد الخونة والإرهابيين والمستبدين. لقد دفعوا الثمن الأعلى لأنهم رفضوا الخنوع والخضوع لمشاريع الهيمنة التي كانت تهدد كيان لبنان ومستقبله.
كم من شهيد قدم حياته من أجل أن يبقى لبنان حرًا ومستقلًا؟ كم من ضابط وجندي وصحفي وناشط ضحوا بحياتهم لمواجهة الظلم والفساد؟ إن هؤلاء الشهداء هم منارات تضيء طريق الوطن، وتذكّرنا دائمًا بأن الحرية ليست مجانية، وأن الأوطان العظيمة لا تقوم إلا على سواعد أبنائها وتضحياتهم.
لكن الأعداء، سواء كانوا من الداخل أو الخارج، حاولوا دائمًا إخماد صوت هؤلاء الأبطال. قُتلوا لأنهم قالوا “لا” للظلم و”نعم” للحرية. قُتلوا لأنهم كشفوا مؤامرات ومخططات تستهدف الوطن. قُتلوا لأنهم كانوا يرون في لبنان شيئًا أعظم من أن يُباع في أسواق المصالح الدولية والإقليمية. ورغم ذلك، لم تكن تلك الرصاصات ولا التفجيرات قادرة على قتل الفكرة التي عاشوا من أجلها.
إن دماء الشهداء هي التي ترسم حدود الوطن وتحمي سيادته. من رفيق الحريري ورفاقه إلى الجنود المجهولين، جميعهم وقفوا في وجه الخطر، وواجهوا الموت بشجاعة وإقدام لأنهم آمنوا أن لبنان يستحق التضحية.
لبنان العظيم، الذي يحمل في ذاكرته أرواح هؤلاء الشهداء، لا يمكن أن يُهزم. فبقدر ما حاول الأعداء تمزيقه، ظل صامدًا بفضل أبناءه الذين استشهدوا من أجله. إنهم الأبطال الحقيقيون الذين يذكّروننا بأن الحرية ليست سلعة تُشترى أو تُمنح، بل هي حقٌ يُنتزع بالتضحية والإرادة الصلبة.
في نهاية المطاف، حب الوطن ليس مجرد كلمات تُقال في المناسبات الوطنية، بل هو فعل وتضحية. الوطن هو البيت الكبير الذي يجمعنا جميعًا، وحين يتهدده الخطر، فإن الواجب يقتضي منا أن نكون على أتم الاستعداد للتضحية بأغلى ما نملك، حتى بأرواحنا، في سبيل بقائه وكرامته. وكما قال الشاعر، “نموتُ كي يحيا الوطن”، وهكذا سطر الشهداء أعظم درس في حب الوطن. فلتظل ذكراهم خالدة، ولتبقى دماؤهم الطاهرة ضوءًا يرشدنا نحو مستقبل لبنان الذي يليق بتضحياتهم.

