مقالات

باخرة النفط الإيرانية بروباغندا لا تحلّ أزمة الطوابير

كتب سعد الياس في “القدس العربي”: 

فتح الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله باباً كبيراً ليس فقط للجدل حول استقدام النفط الإيراني إلى لبنان بل لانقسام سياسي حاد مع قوى سياسية لبنانية في طليعتها «تيار المستقبل» وحزب القوات اللبنانية وعدد من الأحزاب والشخصيات، في ظل صمت رسمي بدءاً برئيس الجمهورية ميشال عون الذي لم يستشعر التعرّض لموقع الرئاسة ولسيادة البلد مروراً برئيس مجلس النواب نبيه بري وصولاً إلى رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب. وليست المرة الأولى يلتزم فيها كل من عون ودياب الصمت حيال سلوك حزب الله وآخر مآثر الصمت عدم صدور أي موقف بعد إطلاق الصواريخ في اتجاه مزارع شبعا وما تلاها من حادثة في منطقة شويّا الدرزية بحيث أن السلطة الرسمية تتصرّف مع الحزب على طريقة «شاهد ما شفش حاجة».

ولكن على الرغم من عدم صدور موقف رسمي إلا أن كلاً من عون ودياب لا يتحمّلان تغطية استقدام النفط الإيراني إلى لبنان نظراً لما للخطوة من تداعيات سلبية على الدولة اللبنانية لناحية العقوبات ومن توريط للبلد في وحول المحاور الإقليمية والصراعات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية من جهة وكل من الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل من جهة أخرى. وجاء تلويح نصرالله باعتبار السفينة الإيرانية أرضاً لبنانية ليؤكد على واقع أن لبنان أشبه بتلك السفينة وهو مخطوف وليقول إن أي استهداف للسفينة سيواجَه برد من قبل حزب الله، ما يعني الدخول في مغامرة عسكرية بدأ اللبنانيون يلمسون طلائعها من خلال استخدام الأجواء اللبنانية لعبور الصواريخ الإسرائيلية لتقصف أهدافاً داخل الأراضي السورية بعضها تابع لحزب الله، وكأن هذه الصواريخ تحمل رسالة إضافية بأن لبنان ليس بمنأى عن خطر هذه الصواريخ. وكان بيان الرئيس سعد الحريري الأكثر وضوحاً في رفض اعتبار السفن الإيرانية أراض لبنانية، معتبراً أنه «يشكّل قمة التفريط بسيادتنا الوطنية، ودعوة مرفوضة للتصرّف مع لبنان كما لو انه محافظة إيرانية».
لذلك، لم يكن إعلان أمين عام حزب الله بدء استيراد النفط من إيران خبراً ساراً للبنانيين بإنفراج أزمة المحروقات، ولاسيما أن لبنان لا يعاني حصاراً بمعنى الحصار الذي تحدّث عنه نصرالله، بل يعاني من أزمة ارتفاع سعر الدولار قياساً لليرة اللبنانية، وإذا تمّ تأمين اعتمادات بالدولار أو إذا تمّ رفع الدعم فإن البواخر الراسية في المياه الإقليمية اللبنانية تدخل فوراً إلى السوق المحلي وتتوافر المادة.

ويتوقف خصوم حزب الله عند حاجة الحزب إلى بروباغندا لضخّ معنويات في بيئته الحاضنة بعد الوعود المتكررة لأمينه العام التي بقيت مجرد أقوال من دون أفعال. كما توقّف الخصوم عند توقيت إعلان قدوم الباخرة الإيرانية، قبل أيام من بدء وصول الفيول العراقي، ليتم ربط أي إنفراج محدود بالمحروقات بوصول الباخرة الإيرانية التي لا يمكن لها أن تسدّ حاجة السوق لأكثر من يومين أو ثلاثة وفي مناطق محددة لأن من الصعوبة بمكان تفريغ الباخرة الإيرانية في مستودعات الدورة أو في مصفاة طرابلس، ما يعني أنه سيتم تفريغها إما في مصفاة الزهراني مع ما تحمل الخطوة من مخاطر من جانب العدو الإسرائيلي أو في بانياس في سوريا على أن يتم استقدامها إلى لبنان بالبرّ.

ويذهب بعض الخصوم في قراءتهم لمخاطر الباخرة الإيرانية إلى حد تشبيهها بباخرة نيترات الأمونيوم التي وصلت عام 2014 وكانت نتيجتها التفجير والخراب والقتل، فيما باخرة العز والكرامة عام 2021 ستكون نتيجتها عقوبات وحصاراً أكبر.
في المقابل، يرى جمهور حزب الله أن مواقف نصرالله أثمرت على الفور بدليل مسارعة السفيرة الأميركية دوروثي شيا للاتصال برئيس الجمهورية وإبلاغه قرار إدارتها بالسماح باستجرار الطاقة الكهربائية إلى لبنان من الأردن عبر سوريا وتسهيل وصول الغاز المصري علماً أن اتصال السفيرة شيا تمّ قبل خطاب نصرالله وأن هذا الأمر كان يتم الإعداد له منذ أشهر. ورأى مناصرو الحزب في خطوة السفيرة الأميركية تراجعاً تكتيكياً بهدف إجهاض استيراد النفط الإيراني. لكنهم يضيفون «ربّ ضارة نافعة، وهذا إن دلّ على شيء فعلى أن الفعل الصادق في تنفيذ التهديد يستجلب ردة فعل والتراجع دون المواجهة المباشرة التي لا يرغب بها الأميركي في ظل انسحابه العسكري من المنطقة وتراجع مشروعه في إنهاء محور المقاومة وأفغانستان تؤكد على فشل إمكانية الأميركي على إنهاء قوة الشعوب».

وبحسب جمهور الحزب فإن القرار الأميركي بالسماح باستجرار الكهرباء ووصول الغاز المصري هو أول الغيث، وسألوا» إذا لم تصل الباخرة الإيرانية وبدأ يهطل خير المحروقات من خلال إعلان شركة «توتال»عن تفريغ شحنة البنزين والمازوت فكيف إذا وصلت الباخرة؟!».

يبقى أن باخرة النفط التي أعطيت أكثر من حجمها وصُوّرت كأنها الحل لأزمة طوابير الذل أمام المحطات ليست هي الحل ولن تكون لأن لبنان يحتاج إلى ما يزيد عن باخرتين أو ثلاثة في الأسبوع لحل أزمته. وكل ما ستفعله الباخرة أو البواخر الإيرانية هو توريط لبنان مرة جديدة والتسبّب بتأزم سياسي وبشرخ كبير، وإذا صحّت وعود نصرالله ووصلت البواخر الإيرانية بشكل استعراضي إلى بيروت أو الى كل من الزهراني وطرابلس، فهذا يعني عقوبات على الجهات الرسمية وعلى كل شركة تتعاون مع طهران، كما يعني تعريض المصارف المراسلة ومؤسسات مالية وتجارية إلى وقف التعامل معها من جهات دولية.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى