محليمقالات خاصة

الصحافة اللبنانية وقواعد الاشتباك

كتب الصحافي مصطفى عبيد لقلم سياسي،

أن تكون صحفياً في (بلد الحريات) لبنان هو أمر يحمل من المخاطر الكثير على مختلف الصعد، ففي لبنان حرية الرأي لها ثمن قد يكون أحياناً حياتك، وربما قول الحقيقة وإتمام مهمتك كسلطة يجعلك هدفاً للجهات الفاسدة وخصوصاً السياسية منها.

ولكي تكون صحفياً في لبنان لديك ثلاثة خيارات مختلفة، فإما أن تختار الالتزام بالعديد من القواعد التي تتشابه كثيراً مع قواعد الاشتباك الخيالية التي يلتزم بها حزب الله في مسرحية حربه مع العدو الإسرائيلي، فبدل أن تصوب على السياسي أو الزعيم الفاسد، يكفي أن تصوب على عامود الكهرباء أو عامود الإرسال الموجود بجانب بيت الزعيم، وبذلك تكون قد نلت الشهرة والصدى بين الناس، ولكن دون أن يغضب عليك الزعيم بل ربما قد يسرع ليضمك تحت جناحه كأحد مقتنياته الأليفة التي يستخدمها ساعة يشاء وكيفما يشاء لتبييض صفحته الفاسدة.

ويمكنك أيضاً ممارسة الصحافة في لبنان كصحفي يهاجم السياسيين والفاسدين ولكن تحت سقف معين، فقبل الهجوم على السياسي تقوم بإعلامه بالموضوع والحد الذي ستصل إليه، وبذلك تكون قد حذرته ليتخذ احتياطاته، ثم تهاجمه على أساس أنك جبهة إسناد للمواطنين في وجه الفساد السياسي، لكنك في الأغلب تكون في نفس الوقت قد قبضت ثمن جرأتك ربما عبر وظيفة أعلى أو مبلغ مادي محترم لقاء جرأتك وشجاعتك التي لفتت انتباه السياسي الفاسد فقرر مكافأتك على أن تكون سلاحاً له لا ضده.

والخيار الثالث هو أن تكون فعلاً سلطة رابعة تفضح الفساد، وتهاجم الفاسدين، وتسمي الأشياء بمسمياتها ولكن في هذه الحالة أنت عبارة عن عميل صهيوني كافر، يسعى لبث التفرقة في زمنٍ صعب يستدعي التضامن، وبالتالي إما أن يهدر دمك، أو يتم استدعاؤك مراراً وتكراراً إلى المراكز الأمنية بتهمٍ ملفقة، وملفات خالية من الذكاء البشري أو الاصطناعي، أو يتم استخدام تقنية “السحسوح” التي أثبتت فعاليتها على الصعيد اللبناني. 

هذا هو مفهوم الصحافة في لبنان بخيارات ثلاثة لا رابع لهم، فإما أن تكون صريحاً واضحاً تسعى لكشف الفساد وفضح السياسيين وزعماء الأحزاب الفاسدين فتكون بذلك عميلاً مندساً يجب تصفيته، أو أن تختبأ تحت عنوان “قواعد الاشتباك” الكاذبة فتلقى الدعم من الضحية وتقبض الثمن من الجلاد الوقت نفسه، أو أن تمثل دور جبهة إسنادٍ كاذبة تتراقص على جثث الضحايا فلا هي تسند ولا تنقذ وإنما تتفاوض من أجل مكاسب خفية على حساب الضحايا.

ولكن حذار كصحافي أن تهاجم أو تشكك في دور جبهة الإسناد الكاذبة التي تدَّعي النُصرة، فعقاب هذه الجريمة من نوعٍ أفظع لك أنت حرية تخيله، فلعنة الأجداد الفارسيين قد تخرج إليك عبر هدهد أو بركان خاص بالصحافيين العملاء.


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مصطفى عبيد

كاتب ومحلل سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى