مسرحية نصرالله الأخيرة!
كتب بديع يونس في “العربية”:
أطلّ أمين عام حزب الله حسن نصرالله في خطابه الأخير ليؤكد المؤكد: الدولة تعمل لحساب الدويلة. ظن نصرالله أن إعلانه عن “مجانيّة” النفط الإيراني سيمر كما سابقاته من الإعلانات الشعبوية والتعبويّة، لكنه لم يلحظ متغيرين اثنين: في الداخل اللبناني والداخل الإيراني.ففي لبنان، يعلم الشعب اليوم دور حزب الله الأساسي في أزمة الوقود الحالية.
لا تهريب بدون إذنٍ وغطاء من الحزب، حتى ذلك في شمال لبنان (عكار). فكلّما تمدد التهريب ليصبح عابراً للطوائف والمناطق، كلمّا غطى حزب الله نفسه وحقق هدفه من تفريغ السوق اللبناني من الوقود، ومروجا بأن التهريب ليس حكرا على طائفة أو منطقة.
إلا أنه في المنطق الاقتصادي، فالنموذج الأنجح هو بخلق حاجة بهدف سدها: “شحّ في الوقود وإيران هي المخلّص”. لكنّ الشعب اللبناني يسأل نصرالله: لماذا الذهاب باتجاه العقوبات إذا كانت البواخر العالمية تنتظر التفريغ، وإذا كان النفط العراقي ينتظر من يستلمه؟!وفي الداخل الإيراني، كسر الشعب حاجز الصمت وهتافاته في طهران: لا غزة ولا لبنان (حزب الله) وصلت إلى مسامع ضاحية بيروت الجنوبية.
فمجاهرة نصرالله بالدعم الإيراني تخلق أزمات متتابعة لنظام طهران في السنتين الأخيرتين. هو ما استدعى خروج الإعلام الرسمي (قناة العالم) لتنفي “الهبة” وتؤكد أن “رجال أعمال شيعة اشتروا النفط”، بل ذهبت قناة العالم أبعد من ذلك لتهاجم رئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع ورئيس الوزراء السابق سعد الحريري واتهامهما بالتأثير على الشعب الإيراني.
وكأن تصريحات ساسة لبنانيين باتت تصدح في طهران في سابقة من نوعها وبإقرار من الإعلام الرسمي الإيراني مما يدل على أزمة بين القيادة والقاعدة الشعبية هناك.على وقع هذين المتغيّرين تساؤلات كثيرة حول “مسرحيّة نصرالله” التي يدحضها المنطق السياسي كما الإمكانيات اللوجيستية المترافقة مع واقع الحال.أولا، إنها المرة الأولى التي تتم المجاهرة بهذا الشكل المفضوح بخروج ناقلة نفط إيرانية معروفة المسار والوجهة فيما تلك التي تتم في السرّ وتحمل أعلاما غير إيرانية مثل باناما، تُكتشف ويتم قطع طريقها تنفيذا للعقوبات.
بالتالي، يبدو أنّ نصرالله يحاول تصوير نفسه “المنقذ” للبنانيين فيما الغرب “الظالم” يحاصر لبنان ويمنع وصول الوقود إليه. غير أن الواقع يدحض مزاعمه. فلا نجد قطعة من أسطول أميركي تمنع دخول وخروج السفن من وإلى المرافئ اللبنانية.
ولم نسمع بأن مصرفا من مصارف لبنان يملك المؤونة أوقفت له أميركا حوالة من لبنان. ولم يعلم أي لبناني أو أجنبي أراد تحويل مبلغ من الدولارات بأن الولايات المتحدة أمرت نظام “السويفت” بحظر ذلك. فهل هذا حصار اقتصادي أميركي أم حملة إعلامية شعبوية؟!ثانيا، ولنفرض أنّ ناقلة النفط قد وصلت سالمة إلى بانياس السورية لنقلها إلى لبنان براً.
هنا يجمع خبراء في لوجيستيات النفط أن المهمة شبه مستحيلة، حيث إنّ التكلفة الباهظة للتكرير ولنقل هذه الكميات تحتاج آلاف الصهاريج لنقلها وإيصالها وتصبح التكلفة فائقة. لا يمكن لإيران المأزومة تحمّلها وبالتالي من سيدفع التكاليف؟!
يبقى ثالثا الحل الأقرب إلى تحقيقه وهي معلومات كشفتها سابقا “الحدث” حول توجّه لاستعادة وقود مدعوم تم تهريبه إلى سوريا وتخزينه هناك، على أن يتم استرجاعه بتكلفة أقل من سعر الصفيحة اليوم في لبنان، بعد تحقيق أرباح فرق السعر بين فترة التهريب وفترة الإدخال. بالتالي فإنّ جيوب المواطن ستكون قد دفعت مرتين ثمناً لهذا النفط.
ففي أي حال سيبيعها من المستهلكين ويضارب على العملة اللبنانية بشراء الدولار من مردودها، لإعادة إرساله إلى الحرس الثوري.