محليمقالات خاصة

العمال في لبنان بين تخاذل اتحادهم ومحاولاتهم للنهوض.. هل يشكل تيك توك أداة لمسار نضاليٍّ جديد ..؟

كتبت الصحافية تيمة حطيط لقلم سياسي،

ضجّت منصة “تيك توك” منذ آونة وجيزة، بمقاطع فيديو تعود لعاملات إثيوبيات خرجن إلى العلن كي يتبادلن المعرفة حول حقوقهن، بعد سنوات من تعجرف “نظام الكفالة” وعنصريّة القانون والمجتمع، وخذلان الاتحاد العمالي العام، مقابل تحديات بنيوية تقف عقبة أمام أي تجمّع “نضالي” جديد. فهل تتحوّل منصّة “تيك توك” إلى “آداة” تصطحبهن نحو مسار نضالي فاعل؟

تاريخ العمالة الأجنبية في لبنان
ثمانون عامًا مرّوا على وجود العمالة الأجنبية في لبنان، التي شكّلت عمدانًا للاقتصاد اللبناني لكونها لا تتطلّب دخلًا يساوي ما تطلبه اليد العاملة اللبنانية، إذ أن الأخيرة لا يمكنها تأمين كلفة معيشتها من دخل متدنٍ، بينما تجد الجنسيات الأخرى التي توافدت نحو لبنان في السبعينيات الراتب ذاته، كافيًا للعيش بمفردها ولإرسال ما تبقى منه إلى عائلاتها في بلادهم.
قبيل الحرب الأهلية اللبنانية، كانت الفتيات اللبنانيات الصغيرات – بعمر 10 سنوات وما فوق – المنتميات إلى أسر فقيرة، يعملن في منازل أسر لبنانية غنيّة، ويمنحن رواتبهن إلى آبائهن! ومع بداية الحرب غادرت الكثيرات منهن بسبب تدهور الوضع الأمني، فسدّت تلك الفجوة المهاجرات من سريلنكا والفلبين وبنغلادش في بداية التسعينيات.
تلك المهاجرات عانين ومنذ البداية من مشاكل تتعلّق بالاندماج في المجتمع، إذ أنهن تعرّضن للعنصرية وللاضطهاد وللحرمان من الحقوق، بسبب غموض نظام الكفالة الذي عرّضهن لانتهاكات عدّة، في ظل التعتيم الإعلامي من جهة وخوف العاملة من فقدان وظيفتها أو تعرّضها للمزيد من الظلم من جهة أخرى، إذ مارست العائلات اللبنانية الضرب والتعذيب والتحرّش والاغتصاب والعنفين النفسي والجسدي من دون أي رادع، فليس ثمة خططًا إنقاذيّة ولا متابعات قانونيّة، بيد أن تلك القصص بدأت تطوف على السطح، إثر فضائح كشفت عنها بعض العاملات بعد أن لم يعد لديهن ما يخسرنه!
العنصريّة والنظرة الدونيّة، لم تقتصر على الشقّ الاجتماعي فقط، بل إنّ القانون شيّد أرضيّة خصبة لناحية تعامله مع العمّال والعاملات الأجانب، وبين أبرز انتهاكاته نعود لذكر “نظام الكفالة” الذي يمكن وصفه بالاستعباد المعاصر، فهو ليس قانونًا مكتوبًا ولا يستند على أي مرجعية قانونية، بل يقتصر على إجراءات إدارية يفرضها الأمن العام. وهو نظام يجعل العاملة خاضعة لسلطته من حيث الإقامة والتنقّل الوظيفي والسفر، فيتم تسليعها من خلال حرمانها من حقوقها المعنوية والمادية، ويفتح المجال لاستغلالها وتقييد حرياتها.
وعلى الدرب نفسه تسير وزارة العمل، فقد انعقد العام 2015 مؤتمرًا تأسيسيًّا لنقابة متخصّصة بالعمّال المنزليين، إلا أنها رفضت حينها منح النقابة الجديدة ترخيصًا تحت ذريعة “مخالفتها القانون”. من جهة أخرى يستثني “قانون العمل” العاملات من تشكيل النقابات، وبالتالي يحرمهن من فرصة الحصول على دعم المانحين الذين يشترطون التسجيل الرسمي، وبالتالي تمنعن من طرح معاناتهن في ما يتعلق بساعات العمل والضمانات الاجتماعية والصحية والإجازات والأجر وغيرها، فتحرمن من المطالبة بحقوقهن بأنفسهن، من دون الحاجة إلى جمعيات تديرها سيدات لبنانيات، قد تعجزن عن تحديد أوليات العاملة، وقد يختلف خطاب الأخيرة عن خطابهن، وهن اللواتي يفقهن ما يحتجنه – بطبيعة الحال – لكونهنّ المعنيّات!
وفي سياق الحديث عن “القانون” تصطحبنا القضية نحو مركز توقيف العمّال غير اللبنانيين في منطقة المتحف (أسفل جسر الياس الهراوي)، الذي يعتبر من أسوء مراكز التوقيف في لبنان لناحية الظروف التي يعيش فيها الموقوفون وعدم تعرّضهم للشمس والهواء بشكل كافٍ، إضافة إلى الازدحام البشري داخل هذه السجون التي قد تسكنها العاملة لسنوات، بسب عدم تمكّنها من تأمين كلفة ترحيلها أو لعدم قدرتها على توكيل محام. وبحسب تقرير لجنة الوقاية من التعذيب المنبثقة عن الهيئة الوطنية لحقوق الانسان الصادر في العام 2022 فإنه يجب اغلاق هذه النظارة!
إن الاكتظاظ الذي تعاني منه السجون والنظارات اللبنانية، وصل بحسب المفكرة القانونية إلى ما نسبته 160% أواخر العام 2019، وهو ما جعل إمكانية التباعد الاجتماعي خلال جائحة كورونا أمرًا مستحيلًا، مما دفع بالسلطات اللبنانية إلى اتخاذ بعض التدابير للتخفيف من خطورة انتشار الفيروس بين السجناء، عبر تسهيل طلبات إخلال السبيل، ولكن السؤال الاستنكاري الذي يطرح نفسه: هل كانت للفئات المهمّشة الأضعف، وبينها العاملات المنزليات فرص النجاة نفسها؟!
العاملات تحت بطش جائحة كورونا وانهيار العملة !
ومن القضبان الحديدية إلى القبضان المقنّعة في المنازل، طوّقت جائحة كورونا رقاب العاملات المنزليات، بالمزيد من الممارسات اللاإنسانيّة كالعنف والاستغلال والحرمان من الخروج من المنزل، ومن ثم جاء انهيار العملة اللبنانية ليقضي على ما تبقى من حقوقهن، إذ لجأت بعض العائلات اللبنانيات إلى التذرّع بهذا الانهيار كي تدفع أجر العاملة بالليرة اللبنانية أو بمبلغ أقل بالدولار، فانخفضت رواتب العاملات من نحو 250 دولارًا إلى 875 ألف ليرة لبنانية – بحسب سعر الصرف حينها – إلى جانب نظام كفالة يحمي أصحاب العمل دونهنّ. أما خيار العودة إلى بلادهن فبات شديد الصعوبة، لأن إحدى الاشكاليات مثلًا كانت ارتفاع أسعار تذاكر الطيران، وعدم تجاوب بلدانهن كما يجب.
أمّا العائلات اللبنانيات التي لم تعد قادرة على دفع رواتب العاملات نهائيًّا فعمد بعضها إلى اتهامهنّ بالسرقة وبالهروب، الأمر الذي أجبرهن على التواري عن الأنظار، والعيش بصورة غير شرعيّة حرمتهن من أي مظلّة قانونية، وعرّضتهن للاتجار بأجسادهن، أو للعمل بأجور لا تكفي مقومات الحياة، وباتت طموحاتهن تعيدهن إلى زمن الإنسان الأوّل، حيث كان أقصى طموحاته هو تأمين مأكله ومشربه ومنامته!
وفي اتجاه آخر أصدرت منظمة “كفى عنفا واستغلالا” دراسة أوضحت فيها تضاعف وفيّات العاملات الأجنبيات اللواتي لجأن إلى الانتحار بسبب تأزم أوضاعهن النفسية، بعد تعرّضهن للانتهاكات وللعنصرية وللاستغلال. وأكّدت الدراسة أن بعض أصحاب العمل عمدوا بالفعل بعد انهيار العملة، إلى وضع العاملات في الشارع والادعاء عليهن بالهروب والسرقة. بينما فضّل آخرون “بيعها” – بحسب تعبير البرجوازية اللبنانية الصغيرة – وأخريات عدن إلى بلادهن عبر تخليهن عن حقوقهن المادية.
سنوات عاينت خلالها العاملات الأجنبيات العنصريّة اللبنانيّة، التي نظرت إليهن كبشر/ فئة ثانية! بفعل نظام لا يحميهن من الظلم والاستغلال، ومنظّمات حقوقيّة لم تطرح أي آلية حقيقية لنجاتهن، بل رفعت شعارات آنيّة ذات طابع مرحلي غير جذري! بل إنها مارست “النضال” بدلًا عن أصحاب القضيّة، وتعاملت مع الأخيرة كمشكلة “عاطفية” تحت مسمّى “حقوق الإنسان”، حيث استثنتها عن الحركات العمّالية وعن أبعادها السياسيّة.
تكمن المعضلة حين نتكلم عن الحركات العماليّة، في شكل الاقتصاد اللبناني الأبوي الرأسمالي، بما يحتويه من سياسات اقتصادية وأنظمة عمل وديناميات اجتماعيّة وتصنيفات لـ”أنواع” مختلفة من العمّال، وهو ما يتسبّب بتفكك القوى العاملة ويؤثّر على إمكانيّة “تنظيمها”، من خلال إقامة روابط استراتيجيّة بين مختلف القضايا المتعلّقة بالعمّال، ضد نظام الاستغلال الممنهج.. فعلى سبيل المثال نرى أن تنظيم العمل اليوم مجزأ وضعيفًا، يمنح الأولويّة للعمّال اللبنانيين – الذين يفتقرون بدورهم لأبسط حقوقهم – ثم يضعهم “النظام” في مواجهة العمّال الأجانب ويعزّز المنافسة بينهم على الوظائف، الأمر الذي ينعكس بالسلب على الطرفين من خلال حرمان اللبناني من فرص العمل، مقابل استغلال الأجنبي من خلال أجور متدنية جدًا.
الحديث عن المشكلة وأسبابها تدعو إلى التساؤل عن الدور الذي لم يلعبه “الاتحاد العمالي العام” في إيجاد روابط متينة بين القوى العاملة، ومساندتها للحصول على حقوقها من خلال تنظيم صفوفها، وكذلك عن استثناء العاملات الأجنبيات من أي حوار أو مشاريع قانونية تذكر.
خيانة الاتحاد العمالي العام !
سطع نجم الاتحاد بعد الحرب الأهلية اللبنانية، بسبب تراجع القوة السياسية لمعظم أقطاب الطبقة الحاكمة آنذاك، فحقّق حينها استقلالًا سياسيًّا ساهم في تعزيز أجندته. إلا أن القوى السياسية سرعان ما تنبّهت لخطورة ما يحدث، وكما جرت العادة حين يهرع أصحاب رأسمال أو السلطة إلى التماسك والتضامن، في مواجهة نضال العاملات والعمال. لقد عمل “أنطوان بشارة” من داخل الاتحاد على خلق كتلة معادية لرئيسه آنذاك “الياس أبو رزق”، إلى جانب قرار وزير العمل “أسعد حردان”، الذي قدّم ترخيصًا إلى خمس اتحادات جديدة تابعة لـ حركة أمل، ثم ضمّها إلى الاتحاد العمّالي العام! وربما كان هذا المُستجد بمثابة شرارة لسيطرة أحزاب السلطة على اتحاد يُفترض أنه خاص بالعمّال، أي أنه مستقل عن أصحاب القرار، وقادر على مواجهة أي اعتداء من قبل السلطة، على حقوق عمّاله وعاملاته.
شرارةٌ أضاءت الطريق أمام الأحزاب الطائفية، وتجلّى ذلك بتقسيم الإتحاد بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، على نحو متطابق لاصطفافاتها السياسيّة، فحولت “مشاكل العمّال” من أزمات اجتماعية واقتصادية إلى أزمات طائفية! ثم فاجئ هذا الاتحاد الجميع، بغيابه عن انتفاضة العام 2019 بعد أعوام من سباته. ولكن وكي لا نستفيض في حديث يطول الكلام فيه، بات العمّال اليوم بلا اتحاد فعّال يجمعهم لنيل حقوقهم، خصوصًا حين نتطرّق لأطراف أجنبية تعمل في مهن متدنية الحقوق على جميع الأصعدة، ونخصّ منهم العاملات الأجنبيات.
قد تكون الحيلة الذكية التي استخدمها النظام هي أنه لم يلغِ “الاتحاد العمّالي العام” بشكل نهائي، بل خرقه من الداخل ومسك بزمام أموره، حتى بات يعبّر عن خطاب القوى الحاكمة وسياستها، وبات الممثل الشرعي الوحيد أمام الدولة! وهو ما سيشكّل عائقًا أمام أي محاولة خارجيّة لتأسيس حركة منظّمة، ويجعل أمر إيجاد سبيل لها مرتبط بالقدرة على تفكيك المشكلة، وبعدم إسقاط تجارب مجتمعات أخرى بشكل حرفي على تجربتها، بداعي اختلاف المعطيات والوقائع.
مبادرات عمالية من خارج الاتحاد
محاولات متعددة قامت بها حركات نضاليّة عماليّة خارج “الاتحاد” من خلال التنظيم وطرح الاشكاليات والعمل على تحقيق الانتصارات الصغيرة، التي تتبعها بالتراكم حركات أكثر تأثيرًا وقدرة على التغيير.. فانطلقت أولى خطوات تحركات المشهد العمّالي، التي استحوذت على الساحة اللبنانية ما بين العامين 2011 – 2014 ، حيث أعادت بعض التحركات المستقلة هذه القضيّة إلى الواجهة.
كان “الإتحاد الوطني لنقابات العمّال والمستخدمين في لبنان” قد انفصل عن “الإتحاد العمّالي العام”، بسبب نزاع دار بين شربل نحاس والمنظومة السياسية، ورغم عدم نجاحه في تحقيق قوة جماهيريّة، إلا أنه استمرّ في المشاركة بالتحركات الاجتماعيّة المناهضة للنظام، وفي دعم النضالات العمّاليّة خارج نطاق الاتحاد، وفي النضال من أجل حصول عاملات المنازل الأجنبيات على حقوقهنّ. الأمر الذي ساهم في ربط النقابة الجديدة بمنظمات نسويّة ومناهضة للعنصريّة، ممّا أوضح الصورة الحقيقية لوضع العاملات وحقوقهن أمام المجتمع اللبناني.
العاملات الأجنبيات تطوّعن تيك توك للمطالبة بحقوقهن !
صمت العاملات الأجنبيات دام لسنوات طويلة، لكن منصّات التواصل التي أشعلت الثورات العربية ابتداء من العام 2011 من خلال “فيسبوك”، كانت سببًا في خروج عاملات إثيوبيات إلى العلن على منصة “تيك توك”، للإعراب عن استيائهنّ من التذمّر وعن حاجتهن الملحّة لإيجاد حلول جذريّة.
جاءت هذه الحملة – إن صحّ وصفها بذلك – بعد أن أدّعت إحدى السيدات اللبنانيات أن العاملة لديها قد سرقتها ثم هربت، متوعّدة إيّاه في حال عثرت عليها. ثم توجّهت إلى الشعب الإثيوبي بالإهانة، من خلال وصفه بالغباء والوقاحة واتهامه بامتهان السرقة. الأمر الذي استفزّ العاملة الإثيوبية Sara Tedel، ودفعها للخروج عبر حسابها في “تيك توك” للرد على تلك السيدة، ثم شاركت زميلاتها العاملات الإثيوبيات أبرز الحقوق المسلوبة أو غير المعروفة، فاستنكرت على سبيل المثال إجبار إحداهن على العمل في منازل أقارب أو أصدقاء أصحاب المنازل التي يعملن بداخلها، مؤكدة أنهنّ يمتلكن أوقات فراغهن وأن عقود العمل تمنحهن هذا الحق.
لم يتوقّف الردّ عند هذا الحد، بل تبعت “سارة” عاملات أخريات خرجن عبر تلك المنصّة ليتبادلن حلقات التوعية حول حقوقهن، ولمحاولة تشكيل مساحة آمنة قد تمنع أي اعتداء عليهنّ من خلال “فضح المعتدي/ـة”. ثم تمدّدت الموجة نحو إثيوبيا ليصدّر الشعب الإثيوبي – عبر مقاطع فيديو على تيك توك – ردوده/نّ على العنصريّة التي تمارس بحق بنات وطنهم/نّ . أمّا سيدات المنازل فردّت على اتهامها بالعنصرية، من خلال الظهور عبر حساباتهن على المنصّة نفسها، إلى جانب عاملاتهن على نحو أبوي أو استغلالي! فقد عمدت بعض السيدات مثلًا إلى التوجّه لعاملاتهنّ بالنبرة التي يتوجهون بها إلى الأطفال، وأخريات طلبن منهن الطبخ أو الرقص عبر بث مباشر لكسب المال عبرهن!
ورغم أهمية وجمالية الموجة التي أطلقتها العاملة “سارة” إلا أن الأخيرة نوّهت إلى معضلة في غاية الأهمية، فلفتت إلى أنها تمتلك امتيازًا يسمح لها بالمواجهة، إذ ان أصحاب المنزل الذي تعمل فيه متفهمون ومناصرون. مقابل النسبة الأكبر من التي قد تمارس العنف أو الطرد التعسفي على العاملات التي تعملن لديهن، إن حاولت إحداهن الإجهار بمشاكلها. لذا فالنسبة الأكبر تلزم الصمت وإن كانت على دراية بحقوقها أو أنها تأثرت بتلك المبادرة، خصوصًا أن القانون لا يصبّ في صالحها.
هل يشكّل تيك توك آداة نضالية جديدة؟
تسوقنا هذه السرديّات إلى طرح إشكاليّة تقارن بين تأثير السوشل ميديا على الثورات العربية سابقًا، وبين قدرتها حاليًّا على الاستمرار والتكتّل والتنظيم والنضال على أرض الميدان، وقدرتها على طرح مشاريع وحلول وفرضها على النظام القائم. إلا أنّ هذه الثورات سرعان ما أخمدت واكتفى روّادها بالنضال الالكتروني، وكأن السحر انقلب على الساحر حين باتت هذه الوسائل سبيلًا للتلاعب في أفكار وآراء الشعوب وتوجيهه من جهة، وملاذًا يفرّغ فيه الثائرون غضبهم من جهة أخرى.
تلك السلبيات لا تعني تحييد المناضلين عن هذا الدرب، بل ربما أن يستخدموا السلاح نفسه في خدمة مطالبهم، وقد تكون “الموجة/الحملة” الإثيوبية التي أسلفنا الذكر عنها، معبرًا يحتاج لمعابر أخرى تتضافر وتتشابك وتتنظّم، وهو ما ينطبق على نضال العمّال في لبنان. كما أننا لا يمكننا نكران حاجة أي معركة نضاليّة إلى الشبكات الاجتماعية الالكترونية، القادرة على التعبئة والتواصل والتنسيق في فترة قياسيّة نسبيًّا، والقادرة على تبادل وجهات النظر وتعميم الأحداث وغيرها من المزايا، أي الاستثمار بها بدلًا عن اعتبارها ساحة نضاليّة بذاتها.
لبنان الذي أنهى حقبة الاستعمار الصريح، سرعان ما تبنّى استعمارًا مقنّعًا تحت عنوان “التحوّل الديمقراطي”، إذ توهّم الشعب بأنه يشارك في الحكم من خلال الانتخابات، التي استحوذ على نتائجها الاحتيال السياسي من قبل قوة رأس المال، وباتت الطبقة العاملة في حاجة ماسّة لأدوات تساعدها على اقتلاع حقوقها البديهية. لكن المشكلة تكمن في تبعيّة نسبة كبيرة منها للأحزاب الطائفيّة، الأمر الذي يجعل إمكانية الحشد والتنظيم صعبًا، إضافة إلى عدم اكتمال أدوات النضال، والتضييق على المناضلين/ات من خلال وظائفهم/ن ومن خلال القمع والترهيب والاحتجاز ومصادرة الرأي.
وفي مراجعة سريعة للحراكات الشعبيّة في لبنان، منذ حراك 2011 مرورًا بحراك 2015 وصولًا إلى انتفاضة 17 تشرين، نبحث كعاملات وكعمّال عن سبل للخلاص من خلال مراكمة التجربة والنقد والتحليل وإعادة الاستنتاج، وخلق تجمّعات عمّالية وحلقات تثقيفية حول الحقوق والامتيازات.. أما الأهم فهو إيجاد أدوات النضال التي لم تكتمل بعد، ومعرفة كيفية تطويعها في خدمة الفئات المهمّشة!


iPublish Development - Top Development Company in Lebanon

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى