مقالات خاصة

اللبنانيون يقضون محكوميتهم في لبنان

كتب المحامي ناصر الصالح لقلم سياسي

يقف لبنان خلال سنواته الأخيرة أمام مفترق طرق مصيري، ستحدد وجهته التالية الفرق بين الدولة والا دولة، ولم يزل الطقم السياسي الذي يسيطر على السلطتين التشريعية والتنفيذية عاجز عن الإختيار نظراً لحسنات وسيئات كل خيار بينهما، سواء على صعيد طموحاتهم الشخصية او على صعيد مصالح المناصرين والحواشي.

إذا نظرنا إلى الماضي القريب، نلاحظ أن لبنان لا يقف أمام هذا المفترق لأول مرة، إنما رافقه على مدار تاريخه الحديث مراراً وتكراراً، ولم يكن خيار الدولة هو الخيار البديهي الدائم، بل كان الخيار الثاني هو الأقرب لهوى الأحزاب لسهولة شد العصب فيه، وترسيخ مكانتها بين مناصريها، من ذوي المصالح او ذوي المبادئ.

وهنا يتبادر للذهن التساؤل عن دور السلطة الثالثة “القضائية” في إجراء رقابتها على السلطتين التشريعية والتنفيذية، ولعب دورها الأساسي بتطبيق القانون، وتتبادر معه الأحكام المسبقة والانطباعات بأن هذه السلطة صنيعة النائب والذي هو في ذات الوقت الوزير – لعدم الفصل التام بين السلطات – فكيف ستقوم برقابتها عليه؟ هل يطعن المرؤ كتفه؟

ولكن، لا يحتاج الشخص الذي هو على تماس مع قضاء إلى وقت طويل حتى يكتشف أن هذه الإنطباعات والأحكام هي فرط مبالغة، اذ أن لبنان يضم لفيفاً من أكفأ القضاة بشهادة الخارج والداخل، فالقضاء مجتمع كأي مجتمع فيه من كل الأصناف، وفيه رجالات لازالوا حتى الساعة على رأس عملهم يصدرون الأحكام التي تتوافق مع قناعاتهم.

هنا يتساءل المواطن عن حالة الفوضى التي تعصف بالبلاد، والتي تسمح للمجرمين والمرتكبين من استباحة الوطن والتنقل بكل حرية وأريحية شمالاً وجنوباً، شرقاً وغرباً، جبلاً وساحلاً دونما أي رادع على الرغم من البلاغات ومذكرات التوقيف التي تحولت الى حبر على ورق، وكأنها أوسمة توضع على صدورهم يتباهون فيها في محيطهم.

إن المشكلة الحقيقية لا تكمن في مرفق القضاء، ولا في كفاءة أفراده أو ضمائرهم، إنما تكمن في الإرادة الحرة الصريحة لدى أفراد السلطتين التشريعية والتنفيذية في الحد من سلطة القضاء من خلال الحؤول دون تنفيذ القرارات القضائية والبلاغات والمذكرات لحجج واهية كعدم وجود آليات أو أفراد أو إمكانيات وإلى ما هنالك من ذرائع، إنها إرادة حرة بإحلال الفوضى، بإحلال اللا دولة.

لقد تحولت هذه المساحة الجغرافية التي نعيش عليها إلى سجن كبير يقضي فيها المواطن الصالح محكوميته إلى أحد الأجلين، الموت أو الفرار، ولا يبدو أن هناك أي أمل للخروج من هذا القفص حتى يتغير الطقم الذي يدير لبنان ويسن قوانينه ويطبقها، والخوف كل الخوف أن نرى نيرون يعزف من جديد.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى