الصحف

“لا أحد يريد استقبالهم”… مهاجرون “عالقون” بين قبرص ولبنان

غادر قارب شواطئ لبنان، الأحد الماضي، حاملاً على متنه 116 مهاجراً، غالبيتهم من اللاجئين السوريين الذين هربوا من ويلات الحرب واللجوء والفقر نحو الحلم الأوروبي، وبعد رحلة شاقة واجه خلالها الركاب الموت في عرض البحر، أوقفوا من قبل خفر السواحل القبرصي، لتدور بعدها مفاوضات إعادتهم إلى لبنان.

بدأت مأساة المهاجرين غير الشرعيين قبل الوصول إلى السواحل القبرصية، حيث واجه القارب، كما يقول مدير مركز «سيدار» المحامي محمد صبلوح، عطلاً تقنياً كاد أن يغرقه في عرض البحر، فتم توجيه نداء استغاثة ومعالجة الأمر، ليصل بعدها إلى الشواطئ القبرصية، لكن سرعان ما أوقفه خفر السواحل.

رفضت قبرص إدخال المهاجرين إلى أراضيها، وتواصلت مع لبنان حيث دارت مفاوضات بين الطرفين لتحديد مصيرهم.

كان هناك ثلاثة احتمالات لا رابع لها، بحسب ما يقول صبلوح لموقع «الحرة»، «الأول أن تستقبل قبرص المهاجرين تحت ضغط منظمات إنسانية، أو أن تتم إعادتهم إلى لبنان الذي أصرّت سلطاته على رفض ذلك، وإما ترحيلهم إلى وطنهم، أي إلى نهايتهم الحتمية، سواء بقيت الروح في جسدهم أم غادرتها في معتقلات نظام بشار الأسد».

«أعادت قبرص المهاجرين إلى الشاطئ اللبناني في اليوم التالي، حيث رافقتهم سفن تابعة لخفر السواحل»، بحسب صبلوح «لكن السلطات اللبنانية تنصلت من مسؤوليتها ومنعتهم من الدخول، ليبقوا ما يقارب من 48 ساعة يتأرجحون على حبل المفاوضات بين البلدين وحياتهم معلقة في المياه، ولولا تدخل منظمات دولية إنسانية، ومن بينها منصة هاتف إنذار، وتشكيلها ضغطاً على قبرص لإعادة المهاجرين إليها، لما كانوا الآن في مخيم موقت فيها».

يذكر أن عدد المهاجرين الوافدين إلى قبرص انخفض بشكل عام، إلا أن عدد الوافدين على متن قوارب من سورية ولبنان زاد بحسب «فرانس برس» بنسبة كبيرة، حيث وصل إلى 4259 في عام 2023 مقارنة بـ 937 في عام 2022.

ليست المرة الأولى التي تحاول فيها قبرص ترحيل لاجئين سوريين وصلوا أراضيها من لبنان. ففي أغسطس الماضي، عبّرت وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عن قلقها في شأن عودة أكثر من 100 سوري من قبرص إلى لبنان من دون أن يتم فحصهم لتحديد ما إذا كانوا بحاجة إلى حماية قانونية ومن قد يتم ترحيلهم إلى وطنهم الذي مزقته الحرب، بحسب «وكالة أسوشيتد برس للأنباء».

وذكر مكتب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في قبرص ان عمليات الترحيل والنقل بين الدول «من دون ضمانات قانونية وإجرائية للأشخاص الذين قد يحتاجون إلى حماية دولية» تتعارض مع القانون الدولي والأوروبي.

وصرحت لـ «أسوشيتد برس» بأن عمليات النقل هذه قد تؤدي إلى إعادة الأشخاص إلى بلد «قد يواجهون فيه خطر الاضطهاد والتعذيب أو المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهينة وغير ذلك من الأذى الذي لا يمكن إصلاحه».

وأعلنت الحكومة القبرصية حينها أن عمليات الإعادة تتم بشكل قانوني تماشيا مع الاتفاقية الثنائية التي وقعتها مع لبنان، عام 2004؟ وبحسب المسؤول في وزارة الداخلية لويزوس هادجيفاسيلو، يلزم الاتفاق لبنان بمنع ووقف العبور الحدودي غير الشرعي والهجرة غير الشرعية للأفراد الذين يغادرون أراضيه.

لكن مصدر ديبلوماسي لبناني يؤكد لموقع «الحرة» أن «مسؤولية لبنان تقتصر على من يحمل الجنسية اللبنانية فقط، حيث تتبع الأجهزة الأمنية، لا سيما الأمن العام، آلية للتحقق من هوية الشخص وجنسيته لمنع انتحال الشخصية، ويتم التعامل مع الحالات بناء على المعلومات المتاحة ونتائج التحقق، أما باقي الجنسيات فتقع مسؤوليتهم على عاتق دولهم».

ويشير إلى أن «وزارة الخارجية تتابع موضوع المهاجرين وهي على تواصل مع الجهات القبرصية بخصوص اللبنانيين، وقد تلقت لائحة بأسماء من كانوا على متن القارب الذي أوقفته السلطات القبرصية، و99 في المئة منهم هم سوريون».

ماذا يقول القانون؟

تظهر إحصاءات حصلت عليها «الحرة» من مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان، أنه خلال 2023، تمكنت المفوضية من التحقق من مغادرة 59 قارباً من لبنان، تحمل على متنها ما يقارب 3528 راكباً، منهم 3,298 سورياً، و76 لبنانياً، و5 فلسطينيين، و149 شخصا لم يتم التأكد من جنسيتهم.

وتشير المفوضية إلى أن 29 قاربا (تحمل 1558 شخصا) تمكّنت من الوصول إلى قبرص، أُعيد ثلاثة منها لاحقاً إلى لبنان (109 ركاب). وبالإضافة إلى عمليات المغادرة التي تم التحقق منها، هناك 45 قاربا لم يجر التأكد من مكان مغادرتها، ما إذا كان من سورية أو لبنان.

وانطلاقاً من هذه الأرقام، أكدت المفوضية ارتفاع عدد القوارب المهاجرة بنسبة 7.3 في المئة وذلك مقارنة مع عام 2022، مع تسجيل انخفاض في عدد الركاب بنسبة 23.8 في المئة.

وتنتهك قبرص بإعادتها المهاجرين إلى لبنان «مبدأ عدم الإعادة القسرية، المنصوص عليه في اتفاقية جنيف لعام 1951 وقانون الاتحاد الأوروبي للجوء، من خلال منع وصول المهاجرين إلى أراضيها وطلبهم للجوء، وكذلك الاتفاقية الدولية لحماية جميع الأشخاص من الاختفاء القسري، والاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان في شأن حظر الطرد الجماعي واتفاقية الأمم المتحدة في شأن التعذيب والمعاملة أو العقوبة اللاإنسانية والمهينة»، بحسب صبلوح.

أما المحامية، ديالا شحادة، فتقول «من حق لبنان رفض استقبال أشخاص لا يحملون جنسيته، لكن لو كان لديهم إقامات فيه لكان ملزما على ذلك، أما قبرص فمن واجبها عدم ترحيلهم لا إلى دولتهم السورية ولا إلى دولة غير ملزمة قانونا باستقبالهم».

وتشرح لموقع «الحرة» أن «المسؤولية الأولى تقع في استقبال المهاجرين على قبرص، أولا: لجهة عدم ترحيلهم إلى سورية كونهم لاجئين. ثانياً: منحهم حق طلب اللجوء السياسي لأنها موقعة على الاتفاقية الدولية الخاصة بوضع اللاجئ التي لم يوقع عليها لبنان والتي تلزم الدول على احتضان اللاجئين ومنحهم إقامات وتدريجيا توطينهم إذا لم تتحسن الظروف في وطنهم».

وحتى في حال لم تكن قبرص موقعة على هذه الاتفاقية، إلا أنها بحسب شحادة «دولة من دول العالم التي صادقت والتزمت بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي منه انطلق موجب عدم ترحيل اللاجئ إلى موطنه. فواجب عدم الترحيل واحتضان اللاجئ واجب عالمي، وفي ما يتعلق باللاجئين السوريين، فإن العبء الأكبر في استقبالهم يقع على لبنان كون حدوده متاخمة للحدود السورية، وهو ملزم باستقبال اللاجئين الذين يصلون إليه خلسة، لكنّه غير ملزم قانونا باستقبال لاجئين مرحلين من دولة أخرى».

وأصبحت «قوارب الموت» الأمل الوحيد للنجاة في ظل ظروف اجتماعية واقتصادية مأسوية يمر بها لبنان وسورية، على حد سواء، فأمور عدة تجمع المهاجرين على متن «قوارب الموت»، على رأسها المعاناة وإغلاق كل الأبواب أمامهم، ليبقى البحر هو الوسيلة الأخيرة أمامهم للوصول إلى الحلم المنشود في أوروبا وتغيير ظروف حياتهم.

ولم يعد لدى أغلب السوريين (والنسبة الأكبر منهم من فئة الشباب) الذين يحاولون مغادرة وطنهم رغبة في البقاء في لبنان، كما يقول المصدر الديبلوماسي «فهم يفضّلون الوصول إلى أوروبا، وتُعدّ قبرص وجهة مفضّلة لقربها من الشواطئ اللبنانية».

لكن حلم المهاجرين بإكمال ما تبقى لهم من عمر في أوروبا مهدد، وفق صبلوح، «بعد الذي أعلنه الرئيس القبرصي نيكوس خريستودوليدس، من أنه يجري محادثات مع دول في الاتحاد الأوروبي لبدء مناقشة تخصيص مناطق آمنة في سورية، بهدف تخفيف الضغط عن دول البحر الأبيض المتوسط التي تستقبل عددا من اللاجئين والمهاجرين».

ما أعلنه الرئيس القبرصي له دلالاته، بحسب مدير مركز «سيدار»، «فهو مجبر على استقبال السوريين واعتبارهم لاجئين، ما دامت سورية منطقة حرب، لذلك يعمل للتخلّص من مسؤوليته من خلال التوصل إلى إعلان مناطق آمنة داخلها، ما يشكّل خطراً على المعارضين للنظام السوري».

وكان وزير الداخلية القبرصي كونستانتينوس يوانو، أعلن في وقت سابق من هذا الشهر، أن الغالبية العظمى من الذين يصلون إلى قبرص عن طريق البحر هم من السوريين الذين وقعوا «فريسة» لعصابات تهريب البشر في سورية ولبنان.

وقال يوانو إن طلبات اللجوء في قبرص انخفضت بنسبة 46 في المئة عام 2023، بينما زادت عمليات الإعادة إلى الوطن والمغادرة الطوعية بنسبة 66 في المئة. وبشكل عام، سجلت قبرص نحو 10991 مهاجراً وافداً في العام الماضي، أي أقل بنحو 6447 عن 2022.

يؤكد المحامي صبلوح، أن «التحرّك من قبل منظمات دولية ضروري لإنقاذ أرواح المهاجرين غير الشرعيين، ولولا تدخلها في هذه القضية، لكان مصير الركاب مشابها لمصير من كانوا على متن القارب الذي أبحر من شاطئ طرابلس في ديسمبر الماضي وعلى متنه 85 شخصاً بينهم 35 طفلاً، حيث لم يبق من أثرهم سوى مقطع فيديو التقطوه خلال إبحارهم، ما يطرح السؤال في ما إن كانوا قد وصلوا إلى الشواطئ القبرصية ورفضت السلطات إدخالهم إلى أراضيها، ليدخلوا في أتون مصير مجهول».

المصدر
الراي الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى