اغتيال العاروري وتفجير كرمان في ذكرى سليماني عنوان المرحلة الثالثة
قدّم الأميركي والإسرائيلي نموذجاً للمرحلة الثالثة التي كانا يبشران بها، فجاء اغتيال القيادي في قوات القسام نائب رئيس المكتب السياسي في حركة حماس والركن في محور المقاومة الشيخ صالح العاروري في الضاحية الجنوبية لبيروت، وتفجيرات استهدفت مواكب الحشود المشاركة في إحياء ذكرى القائد المؤسس لمحور المقاومة الشهيد قاسم سليماني، في مسقط رأسه كرمان. والعمليات تستبق كلمة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في المناسبة، وكأنها تقدّم عرضاً لمحور المقاومة تنتظر سماع الجواب عليه من كلمة السيد نصرالله، والعرض هو أن الاغتيالات تنتظر قادة محور المقاومة، وحركة حماس، وأن معادلات الردع التي تحمي لبنان والضاحية الجنوبية وبيروت سوف تكون عرضة للانتهاك، وأن تفجير السيارات المفخّخة بين المدنيين سلاح من أسلحة هذه المرحلة من الحرب. وإذا كان قادة محور المقاومة يريدون تجنب ذلك فعليهم القبول بحل للوضع في غزة وعلى الحدود مع لبنان يتيح لكيان الاحتلال وجيشه الخروج بصورة تحفظ ماء وجهه في الداخل، وتتيح للأميركي استعادة صفة الوسيط في قضايا المنطقة ونزاعاتها، بعد فضيحة انضمامه العلنيّ لعدوان كيان الاحتلال وجرائمه بحق الإنسانيّة في غزة.
ردّ السيد حسن نصرالله على العرض الأميركي الإسرائيلي بتأكيد التمسك بمعادلات الردع، ولو اقتضى الأمر حرباً تجنبتها المقاومة حرصاً على المصلحة الوطنية اللبنانية، لكن هذه المصلحة باتت الآن تستدعي من موقع حماية لبنان وأمنه وردع الاحتلال عن المزيد من الجرائم، الرد القويّ على الاغتيال، وإفهام الأميركي والإسرائيلي أن المقاومة لم تكن يوماً مردوعة، وأن أداءها على جبهة الحدود رغم التهديدات الأميركية والإسرائيلية خير دليل على شجاعتها وعدم التأثر بالتهديدات، وعلى مَن قرأ تجنبها للحرب بصورة خاطئة أن يعيد حساباته، ويفهم أن ردها يتضمن جاهزيتها للذهاب الى الحرب إذا كانت ضرورة لحماية معادلات الردع التي تحمي لبنان.
ردّ السيد نصرالله بتشريح مشهد الشهور الثلاثة من عمر الحرب، ومعاني ما أثبته طوفان الأقصى، فكيان الاحتلال في أسوأ أيامه، ولن تمنحه المقاومة خشبة خلاص، بل حبل مشنقة، والأميركي شريك الجرائم، وقد سقطا معاً أمام الرأي العام العالمي، ولن تتيح لهما المقاومة تبييض صورتيهما كل أمام شارعه، فيخرج الإسرائيلي بصورة القويّ، ويخرج الاميركي بصورة الحياد.
السيد نصرالله ختم بجملة معبّرة، تسبق كلمته المقرّرة بعد غد، وقال، بيننا الميدان والأيام والليالي، وفي داخل كيان الاحتلال ارتباك وقلق وذعر، من طبيعة الرد وأسئلة متى وأين وكيف تشغل بال القادة والجيش والاستخبارات والرأي العام.
وتوجّه السيد نصر الله إلى العدو الصهيونيّ قائلًا: «نحن حتى الآن نقاتل في الجبهة بحسابات لذلك هناك تضحيات، لكن إذا فكر العدو أن يشن حربًا على لبنان حينها سيكون قتالنا بلا حدود وضوابط وسقوف، ومن يفكر بالحرب معنا سيندم وستكون مكلفة وإذا كنا نداري حتى الآن المصالح اللبنانية، فاذا شُنّت الحرب على لبنان، فإن مقتضى المصالح اللبنانية الوطنية أن نذهب بالحرب إلى الأخير من دون ضوابط».
ولفت السيد نصر الله إلى أن «الإسرائيلي استنفر بكل أسلحته وعتاده وهذه من بركات مسارعة المقاومة في لبنان إلى فتح الجبهة»، وتابع: «اعتبر الإسرائيلي أن ما جرى في غزة قد يُرعب اللبنانيين وكانوا يفكرون جديًا بالقضاء على حزب الله باعتبارها فرصة، لكن هذه الحرب على لبنان منعها أمران: الأمر الأول مسارعة المقاومة الى فتح الجبهة مما أفقد الإسرائيلي عنصر المفاجأة، والأمر الثاني قوة وشجاعة وجرأة المقاومة»، و»أهم رسالة للمقاومة في لبنان في 8 و9 تشرين أنها مقاومة شجاعة وقوية وليست مردوعة أو لها أي حسابات في الدفاع عن بلدها».
وأوضح السيد نصر الله أنّ «المقاومة في لبنان عندما فتحت هذه الجبهة لم تكن مردوعة وهي اليوم أكثر جرأة واستعدادًا للإقدام، وخلال ثلاثة أشهر في غزة لا يوجد أحد في الكيان الصهيوني يدّعي أنه أمامه صورة نصر حتى الآن»، ولفت إلى أنّه «من نتائج طوفان الأقصى وما يجري في كل محاور القتال انعدام ثقة شعب الكيان بالجيش والأجهزة الأمنية والقيادات السياسية».
وأكد السيد نصر الله أنّ «إسرائيل» كيان مصطنع وصلة شعبها بهذه الأرض قائمة على الأمن وعندما يفتقد الصهاينة الأمن ينتهي الأمر ويجمعون حقائبهم ويرحلون. وهذا هو المشهد الآتي»، وقال: «طوفان الأقصى وما يجري على كل الجبهات أسقط مفهوم الملجأ الآمن للصهاينة الذي على أساسه تقوم هجرة ملايين اليهود الى «اسرائيل» وقد بدأت الهجرة المعاكسة». وأضاف: «من نتائج طوفان الأقصى وما يجري على كل الجبهات كسر صورة دولة «اسرائيل» المقتدرة، وأرض فلسطين من البحر إلى النهر هي فقط للشعب الفلسطيني، وكيان العدو يعاني من مئات الآلاف من النازحين والهجرة العكسيّة والأوضاع النفسية للصهاينة والاقتصاد المتدهور».
وشدّد السيد نصر الله على أنّ «من نتائج الحرب الفشل في تحقيق أي من الأهداف. فالأميركي عندما يقول للإسرائيلي أن ينسحب من المدن، لأنه يخاف عليه، فيما من الممكن أن تكون رغبة المقاومة بقاء الصهاينة للنيل منهم»، وأنّ «طوفان الأقصى من أهم نتائجه أنه دمر الصورة الأميركية التي تم الترويج لها وقدمها بأبشع حقائقها لأن اليوم الذي يقتل في غزة هو الأميركي ويمنع وقف الحرب على غزة، وما حصل في غزة أثبت أن النظام الدولي والمؤسسات الدولية والمجتمع الدولي ليس قادرًا على حماية أي شعب. وهذا عبرة لنا جميعًا»، ولفت السيد نصر الله إلى تجربة غزة»، وقال: «هذه التجربة تقول إن كنت ضعيفًا لا يعترف بك العالم ولا يدافع عنك ولا يبكي عليك. الذي يحميك هو قوتك وشجاعتك وقبضاتك وسلاحك وصواريخك وحضورك في الميدان. فإن كنت قويًا تفرض احترامك على العالم، وهناك مشهد قوة في غزة رغم المظلومية الهائلة، وما جرى وضع «إسرائيل» على طريق الزوال الذي سنشهده جميعاً إن شاء الله ولن يستطيع أن يحميها أحد، وطوفان الأقصى وضع «إسرائيل» على طريق الزوال، أما العروش العربية فلتحفظ نفسها».
وأشار خبراء في الشؤون العسكرية والاستراتيجية لـ«البناء» إلى أن السيد نصرالله أجرى قراءة شاملة للحرب في غزة، من 7 تشرين الأول الماضي إلى جولتي الحرب والتداعيات الكارثية على الكيان الصهيوني والتي رسمت بداية طريق نهاية إسرائيل»، كما ركز السيد نصرالله على «الجبهة الداخلية الإسرائيلية من خلال شنّ حرب نفسية ومعنوية على حكومة العدو وضرب ثقة المستوطنين بالحكومة الإسرائيلية». وحسم السيد نصرالله أن حزب الله سيرد على اغتيال العاروري لكنه استخدم أسلوب الغموض البناء ولم يحدّد شكل وتوقيت الردّ وترك الاحتلال بحيرة من أمره وبحالة الاستنفار في جميع الجبهات الشمالية والجنوبية والوسط، ما يضع كيان الاحتلال على إجر ونصف، ويتكبّد كلفة باهظة أمنية واقتصادية وسياسية ومعنوية، تُضاف الى الكلفة التي يتكبدها الكيان جراء الحرب المستمرة في غزة.
ورجح الخبراء أن حزب الله قد يرد بعملية أمنية بمسيّرات على مركز للاستخبارات العسكرية الإسرائيلية في شمال فلسطين المحتلة أو في تل أبيب أو عبر إطلاق صواريخ بعيدة المدى على مراكز أو ثكنات عسكرية شمال فلسطين المحتلة أو اقتحام مجموعات للمقاومة في البر أو في البحر، وربما يكون الردّ بقصف صواريخ ذكيّة على مراكز أمنية وعسكرية قيادية إسرائيلية. وبمعزل عن شكل الردّ ومكانه شدد الخبراء على أن نصرالله وجّه رسالة لإسرائيل بأن حزب الله جاهز للحرب المفتوحة إذا شنّ العدو عدواناً على لبنان وحينها تسقط كافة الاعتبارات والحسابات الوطنية التي كانت تأخذها المقاومة بعين الاعتبار، وتصبح المصلحة الوطنية في ردع العدوان على لبنان». وأكد الخبراء بأن ردّ المقاومة سيكون قاسياً ومؤلماً يعادل المسّ بأمن الضاحية.
ولا تزال جريمة اغتيال القيادي في حركة حماس صالح العاروري قيد المتابعة والتحقيق، وسط تأكيدات بأن الاستهداف بصواريخ ذكية من طائرات حربية أو مسيرات تجسسيّة وحربية مزودة بنظام معلومات ولاحقت الشهيد العاروري عبر البصمة الصوتيّة. وأوضح مصدر أمني لبناني بارز لوكالة «فرانس برس» أن «القصف الذي أدى الى مقتل القيادي في حركة «حماس» صالح العاروري وستة آخرين في الضاحية الجنوبية لبيروت جرى عبر «صواريخ موجّهة» أطلقتها طائرة حربية إسرائيلية». وأوضح المصدر الأمني المطلع على التحقيقات الأولية أن «اغتيال العاروري حصل بواسطة صواريخ موجهة أطلقتها طائرة حربية وليس عبر طائرة مسيّرة». واستند المصدر الى عاملين، الأول «دقة الإصابة لأنه لا يمكن لمسيّرة أن تصيب بهذه الدقة، والثاني زنة الصواريخ والمقدّرة بنحو مئة كيلوغرام لكل منها». وبحسب المصدر الأمني اللبناني، أطلقت الطائرة الحربية ستة صواريخ، اثنان منها لم ينفجرا. وقال إن صاروخين اخترقا سقفي طابقين قبل أن يصيبا مكان اجتماع قادة حماس «إصابة مباشرة».
وأكد المصدر أن الصواريخ التي استخدمت في القصف الثلاثاء تستخدمها الطائرات الحربيّة الإسرائيلية، وسبق للأجهزة العسكرية اللبنانية أن عاينت صواريخ مشابهة أطلقتها طائرات إسرائيلية في جنوب لبنان، بعد بدء التصعيد عبر الحدود مع إسرائيل على وقع الحرب في غزة.
وتفقد الأمين العام للهيئة العليا للإغاثة اللواء الركن محمد خير المكان الذي استهدفته الغارة الإسرائيلية في الضاحية الجنوبية. بعد الجولة، قال اللواء خير: «يجب ان يكون هناك تحقيقات من قبل جميع الأطراف لنعرف كل الامور التي اوصلتنا الى هنا. وبالنسبة للكشوفات التي تهم المواطن، وكما تعلمون هناك لجنة من الجيش تعمل معنا على مسح الأضرار، وهي تقريباً محدودة. في المبنى المستهدف بالصواريخ الحديثة هناك أضرار جسيمة في الطوابق الأربعة. اما المباني المجاورة فالأضرار خفيفة كالزجاج، اضافةً الى السيارات. سنقدم تقريراً مفصلاً عن كل هذه الامور ونرفعه الى مجلس الوزراء وقيادة الجيش. أما الامور الأخرى فتقوم بها السلطة العسكرية، وما زالت الأدلة الجنائية تتابع اعمالها، ونتمنى ان يكون هناك تقرير واضح لقيادة الجيش ولمجلس الوزراء ليكشف امام كل العالم».
غلى الصعيد الرسمي استقبل رئيس مجلس النواب نبيه بري في عين التينة، قائد الجيش العماد جوزف عون حيث تمّ عرض للأوضاع العامة والمستجدات الميدانية والأمنية على ضوء مواصلة «إسرائيل» لحربها العدوانية على قطاع غزة ولبنان وأوضاع المؤسسة العسكرية… كما اجتمع رئيس الحكومة نجيب ميقاتي في السراي مع قائد الجيش وعرض معه الوضع الأمني وشؤون المؤسسة العسكرية. ثم اجتمع ميقاتي مع المدير العام لقوى الأمن الداخلي اللواء عماد عثمان مع وفد من مجلس القيادة. كما اجتمع مع المدير العام للأمن العام بالإنابة اللواء الياس البيسري.
على الصعيد الدبلوماسي، أجرى مندوب لبنان لدى الأمم المتحدة في نيويورك هادي هاشم والقائم في أعمال سفارة لبنان في واشنطن وائل هاشم والقائم في أعمال سفارة لبنان في باريس، بناء على توجيهات وزير الخارجية والمغتربين في حكومة تصريف الأعمال عبد الله بو حبيب، «اتصالات دبلوماسية في دول اعتمادهم للتعبير عن احتجاج لبنان الشديد على العدوان الإسرائيلي على حي سكنيّ في الضاحية الجنوبية من العاصمة بيروت، ولحث الأطراف المعنية على ممارسة الضغوط اللازمة على «إسرائيل» لوقف اعتداءاتها وخروقها المستمرة والمتصاعدة على السيادة اللبنانية والقرار ١٧٠١». كما تمّ التشديد على «الجهود اللبنانية الرامية إلى تجنب اتساع الحرب في المنطقة، خصوصاً أن لبنان يعول على دور أصدقاء لبنان، ومنهم الدول المذكورة أعلاه، من أجل مساندة لبنان في مسعاه لاستصدار قرار عن مجلس الأمن بإدانة الجرائم الإسرائيلية».
إلى ذلك، واصلت المقاومة عملياتها العسكرية ضد مواقع العدو، وأعلن حزب الله «أننا استهدفنا ثكنة زرعيت بالأسلحة المناسبة، وحققنا فيها إصابات مباشرة». كما «استهدفنا موقع جل العلام بالأسلحة المناسبة، وحققنا فيه إصابات مباشرة». ونعى الحزب «الشهيدين محمد هادي مالك عبيد من مدينة بعلبك في البقاع وعباس حسن جمول من بلدة دير الزهراني في جنوب لبنان».
في المقابل أعلن جيش الاحتلال تعزيز منظومة القبّة الحديديّة على طول الحدود مع لبنان والجليل، ورفع حالة التأهّب على طول الحدود. وذلك بعد اجتماع لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع الإسرائيلي يؤآف غالنت والوزير في مجلس الحرب بيني غانتس.
وأغار الطيران على مركبا مستهدفاً منزلاً في الأطراف الشرقية للبلدة، وتوجهت فرق الدفاع المدني للكشف عما إذا كانت هناك إصابات. واستهدفت ثلاث غارات بواسطة مسيرة على حي الرجم في عيتا الشعب، كما سجل عدد من الغارات على تلة الراهب واستهداف الأحراج الواقعة ما بين رميش وعيتا الشعب. وشنت مسيرة إسرائيلية عدواناً جوياً حيث استهدفت بغارة أحد المنازل في بلدة عيتا الشّعب وأطلقت باتجاهه 3 صواريخ ولم يفد عن وقوع إصابات.
ودعا المطارنة الموارنة بعد اجتماعهم الشهري النواب إلى الوفاء بالاستحقاق الدستوري الملزم القاضي بانتخاب رئيس للجمهورية توفيراً على البلاد مزيداً من الانهيار، وأعربوا عن قلقهم من واقع النازحين السوريين في لبنان لناحية ما تبيّن من وجود أسلحة وهو يشكل قنبلة موقوتة للأمن والسلم في لبنان وطالبوا بالعمل بشكل صارم من أجل إيجاد حلّ لهذا الأمر وإراحة لبنان من هذا العبء. وبعد اجتماعهم الشهري في بكركي، أعرب الآباء «عن تخوفهم من مآل التصعيد الميداني في جنوب لبنان، الذي خلّف ضحايا وجرحى بين الأهالي ودمارًا كبيرًا في عددٍ من القرى والبلدات، فضلاً عن إحراقِ أحراجٍ وبساتين بالقنابل الفوسفورية، وقد بلغ هذا التصعيد بالأمس الضاحية الجنوبيّة لبيروت».
وذكّر الآباء بأن «زيارة البطريرك الراعي مع البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان وعدد من الأساقفة باسم مجلس البطاركة والأساقفة الكاثوليك في لبنان الى مدينة صور، مدخل المنطقة الحدودية، إنما كانت للتضامن مع أهالي الجنوب في هذه المحنة، وللتأكيد على حيوية العيش المُشترَك وضرورته الوطنية، ولمُناشَدة المعنيين المحليين وأصدقاء لبنان في العالم الإسهام بفعاليةٍ في تنفيذ القرار 1701 الكفيل بردع «إسرائيل» عن اعتداءاتها، والضامن لإطارٍ واضح وسليم وفاعل للسلام في الجنوب العزيز».