مقالات خاصة

عون يطرق أبواب بكركي: ألتمس الرحمة لجبران

أحمد الأيوبي

يلاحظ المتابعون لأوضاع قصر بعبدا أنّ الآونة الأخيرة شهدت تضخّماً في محاولات الرئيس عون تحريك صخرة العقوبات عن صدر باسيل، فهو لا يترك مناسبة من دون أن يحوِّلها إلى مدخل لطرح هذا الملف مع أيّ جهة يمكن التواصل معها، حتى لو كانت على الطرف النقيض في السياسة والرؤية والمواقف.
يذكر الجميع صدمة وزير الخارجية المصري سامح شكري بعد لقائه بالرئيس عون عندما فوجئ بأنّ الأخير فاتحه بضرورة التواصل مع جبران.
من هذه المحطات النافرة، تلك المحاولات المستميتة للتأثير في موقف مساعد وزير الخارجية الأميركي دايفيد هيل والسعي لإقاعة أي نوع من أنواع الاتصال بينه وبين باسيل، وفي هذا الإطار، يمكن وضع الاجتماع الذي طلبه النائبان الياس بوصعب وألان عون والمستشار الرئاسي سليم جريصاتي، مع هيل، قبل يوم واحد من اجتماع الرئيس عون بالمسؤول الأميركي بتاريخ 15 نيسان 2021.
حسب المعلومات المتوافرة، فإنّ الثلاثي البرتقالي استمات في إظهار الاستعداد للاستجابة لكلّ ما تطلبه الإدارة الأميركية، وخاصة في ما يتعلّق بقضية ترسيم الحدود البحرية، وشدّد أعضاء الوفد لهيل أنه ليس صحيحاً ما جرى الحديث عنه في الإعلام عن توقيع رئيس الجمهورية لمرسوم الحدود البحرية مع فلسطين المحتلة، وأنّ هذا التوجه سيجده هيل في الاجتماع مع الرئيس عون.
التذاكي البرتقالي لم يقف عند هذا الحدّ، بل إنّ أحد “الفرسان الثلاثة” طلب خلال الاجتماع، أن يجيب هيل على اتصال هاتفي من جبران باسيل، في إطار التواصل والمجاملة، لكنّ هذا التذاكي لم يمرّ على هيل، الخبير بهذا الصنف من اللبنانيين، وهو أدرك سريعاً أنّ الهدفَ هو التسريبُ لاحقاً أنّ المسؤول الأميركي لم يلتق باسيل، لكنه أجرى معه اتصالاً هاتفياً.
وعندما فشلت محاولة الوفد في استدراج هيل إلى الاتصال الهاتفي مع باسيل، عمد الإعلان البرتقالي إلى تسريب الخبر عن الاجتماع إلى بعض وسائل الإعلام، للحصول على الحدّ الأدنى من مظهر التواصل مع الجانب الأميركي.
أثار التلاعب الذي قام به التيار الوطني الحرّ غضب هيل الذي نقل عنه بعض من قابلوه إنّه لم يشاهد من قبل هذا المستوى من الجهل في آليات عمل الإدارة والمؤسسات الأميركية، وأنّ هذا التذاكي لم يزد الأمر إلاّ سوءاً. وما يسترعي الانتباه في هذا المجال، أنّ فريق رئيس الجمهورية يقدّم “التنازلات السخية” من جيب الدولة اللبنانية، لصالح صهر القصر، فهو يرهن ثروة البلد من النفط والغاز، بما يمكن أن يحصل عليه من نقاط لصالح جبران.

مسارٌ آخر يعمل الفريق الرئاسي على إحداث “اختراق” فيه هو ترتيب موعد لصهر القصر مع البابا فرنسيس، لكسر عزلته، وإظهار أنّ زعامته المسيحية لا تزال سارية المفعول، لكنّ هذه المحاولة باءت بالفشل، ولم يلق التجاوب المنتظر. عندها تدخّل القصر، فبعث برسالة تهنئة إلى البابا فرنسيس بمناسبة السنة الثامنة لاعتلائه الكرسي البابوي، وليوجه دعوة “رسمية” للبابا لزيارة لبنان. ومن الطبيعي في هذه الحال أن يقوم الجهاز الدبلوماسي للفاتيكان بالردّ البروتوكولي على الرسالة، ليحوّل الإعلام البرتقالي هذا الردّ إلى محطة احتفالية، رغم أنّها حملت موقفاً لا يتوافق في العمق مع المسار الذي يسلكه الرئيس عون.
أكّد البابا فرنسيس أنّ “لبنان لا يمكنه أن يفقد هويته ولا تجربة العيش الأخويّ معاً التي جعلت منه رسالة الى العالم بأسره”، ومن المعلوم أنّ الصراع اليوم هو على هوية البلد، بين هوية عربية تعدّدية حضارية، وهوية إيرانية، أعلن البطريرك الراعي أنّها تحتل بلد الأرز من خلال “حزب الله”.
تحوّلت زيارة البطريرك الراعي إلى قصر بعبدا في 26 نيسان 2021 إلى محطّة جديدة من محاولات التماس الرحمة لجبران، بدءاً من سيد بكركي، وأملاً في الوصول إلى دوائر القرار في الفاتيكان، فطلب عون من البطريرك ثلاث مسائل:
ــ الأولى: التدخل لدى الفاتكيان لترتيب موعد قريب لجبران باسيل مع البابا فرنسيس، بعد أن قوبل طلبه بـ”التأجيل”، والطلب إلى المسؤولين في الحاضرة الفاتيكانية التوسط لرفع العقوبات عن باسيل.
ــ المسألة الثانية: الطلب إلى البطريرك الراعي التوسط مع المسؤولين الأميركيين لرفع العقوبات عن باسيل.
ــ المسألة الثالثة: الطلب إلى الراعي التدخل لدى المملكة العربية السعودية للتراجع عن قرار منع استيراد المنتجات الزراعية من لبنان لأنّ كلمته مسموعة عند المسؤولين في المملكة.
من عجائب عون الرئاسية أنّه من أجل جبران يتجاهل أنّ فريقه فتح حرباً شاملة على البطريرك الراعي، بدءاً من شكوى جبران ضدّه أمام الفاتيكان، وليس انتهاءاً بالانتقاد العلني للبطريرك في مؤتمره الصحافي الذي عقده في 25 نيسان 2021، فضلاً عن الرفض الذي يعبر عنه لمواقف الراعي حول سلاح “حزب الله” والمؤتمر الدولي حول لبنان، ومع ذلك، فإن عون لا يجد غضاضة في الطلب والسؤال “كرمال عيون الصهر”، فهو يحيا ليعيش جبران!

أحمد الأيوبي

إعلامي لبناني وكاتب سياسي في عدة مواقع مختص بشؤون الحركات الإسلامية وقضايا الإرهاب

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى