إقتصاد

اللبنانيون ينعشون المطاعم والملاهي والسيّاح يخذلون القطاع الفندقي

اعتاد اللبنانيون أن تتحول مواسم الأعياد في بلادهم، مواسم سياحية ونشاط اقتصادي ونموّ يعزز صمودهم في وجه الأزمة الخانقة التي تحاصرهم منذ أعوام. تأتي الأعياد هذه السنة ويأتي معها آلاف المغتربين ممّن يلتزمون العودة سنوياً الى ربوع الأهل وقضاء عطلاتهم في أحضان الميلاد. فبعدما حرك المغتربون موسم الصيف بقوة كانت مفاجئة لأهل القطاع، يبدو أنهم سيصنعون المفاجأة الثانية خلال فترة الميلاد ورأس السنة. فأرقام حجوزات السفر الى لبنان التي تُرجمت بـ”تفويل” جميع طائرات “الميدل إيست” القادمة من الخليج وأوروبا، تعطي صورة متفائلة جداً عن ريع وعائدات الموسم، وتؤكد القوة الكامنة للاقتصاد التي تتكئ على المغتربين الذين يرفدون المالية العامة بالعملات الأجنبية.

صحيح أن نسب الحجوزات في الفنادق ليست بالرقم التفاؤلي، لكن العارف بهوية القادمين الى البلاد يعرف أنهم بغالبيتهم الساحقة من اللبنانيين المغتربين الذين لا يحتاجون إلى حجز فنادق أو شقق مفروشة لأن ملكياتهم الخاصة أو ملكيات الأهل جاهزة لاستقبالهم دوماً. فيما تعكس الحجوزات الكبيرة في المطاعم وأماكن السهر والملاهي إقبال اللبنانيين ومعهم المغتربون صورة إيجابية ومتفائلة لمسار الموسم ولتأكيد التزام اللبنانيين الفطري بثقافة صناعة الحياة بأي ثمن في مواجهة السقوط والانهيار والتيئيس.

إذن، على الرغم من الأحداث الأمنية والسياسية الأخيرة التي دفعت بعض السيّاح العرب إلى تفادي السفر الى مناطق التوتر، تشي المعطيات بأن تكون فترة الأعياد المقبلة نافذة مضيئة وبارقة أمل للبنان المتخم بأزماته الاقتصادية والمالية والسياسية، وهو ما أكده نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي في لبنان طوني الرامي الذي أشار الى أن معظم الوافدين الى لبنان في فترة العيد هم من المغتربين اللبنانيين الذين يصرون عاماً بعد عام على قضاء فترة الأعياد مع عائلاتهم، في ظل غياب شبه تام للسائح الأوروبي والعربي، مقدراً عدد هؤلاء بين 175 ألفاً و200 ألف مغترب وافد الى لبنان.

وخفف الرامي من وطأة الاعتداءات جنوباً على نسبة الحجوزات، وقال “يمكن القول إن الأمور عادت الى مجاريها تدريجاً منذ اليوم الأول لهدنة 25 تشرين الثاني التي استمرت ثلاثة أيام، خصوصاً في أيام عطلة نهاية الأسبوع”.

صحيح أن فترة العشرة أيام “ما حتشيل الزير من البير”، وفق ما قال الرامي، لكنها برأيه “ستشكل إثباتاً لوجود القطاع السياحي اللبناني”، معوّلاً على صيف 2024، بعدما كان “صيف 2023 متألقاً، وأثبت حضور القطاع السياحي على الرغم من كل العوائق المتمثلة بحجز أموال المستثمرين في القطاع في المصارف وغياب القروض الاستثمارية”. وإذ وصف أصحاب المطاعم والملاهي بالمقاومين للظروف الصعبة، ومصرين على إنعاش السياحة اللبنانية، اعتبر أن فترة ما بين عيدي الميلاد ورأس السنة هي الذروة السياحية للحجوزات في المطاعم والملاهي.

وما يعزز معلومات الرامي هو تلك الأرقام التي جمعتها وزارة السياحة والأمن العام اللبناني عن عدد المغتربين الوافدين الى لبنان في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 الذين شكلوا 61% من مجموع الوافدين الى لبنان، إذ بلغ عدد السائحين الوافدين إلى لبنان 3,909,566 سائحاً في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، بينهم 2,402,108 مغترب لبناني و1,507,458 سائحاً عربياً وأجنبياً، علماً بأن عدد السائحين الوافدين إلى لبنان بلغ 3,214,379 في الأشهر العشرة الأولى من عام 2022، بينهم 1,970,050 مغترباً لبنانياً و1,244,329 سائحاً عربياً وأجنبياً. ووفق الأرقام التي وردت في التقرير الاقتصادي الأسبوعي لمجموعة بنك بيبلوس Lebanon This Week، فقد ارتفع عدد المغتربين اللبنانيين بنسبة 22%، أما عدد السياح العرب والأجانب فارتفع بنسبة 21% في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023 من الفترة عينها من عام 2022. وشكّل المغتربون اللبنانيون نسبة 61.4% من إجمالي عدد الزائرين الوافدين في الأشهر العشرة الأولى من عام 2023، فيما شكّل الزوار العرب والأجانب نسبة 38.6% الباقية في العام الماضي.

توازياً، استأنفت العديد من شركات الطيران الأجنبية رحلاتها إلى لبنان، بعد توقفها عن تسيير رحلات في الآونة الأخيرة عقب انطلاق عملية طوفان الأقصى وانعكاسها على جبهة الجنوب في لبنان. فبعد شركة لوفتهانزا Lufthansa التي استأنفت رحلاتها خلال الأيام القليلة الماضية ما بين فرانكفورت وبيروت، عاودت شركة Swiss Air تسيير رحلاتها ما بين زوريخ وبيروت، وكذلك الأمر بالنسبة إلى شركة Eurowings التي استأنفت رحلاتها بين بيروت وهامبورغ وبرلين ودوسلدورف، علماً بأن هذه الشركة تابعة لمجموعة Lufthansa الألمانية. وكذلك بالنسبة لعدد من الشركات الأخرى التي سبق أن علقت رحلاتها إلى بيروت، فعادت واستأنفتها أخيراً باستثناء الطيران السعودي، الذي يستمر بتعليق رحلاته بين بيروت والرياض وجدة (إلا أن الرحلات مستمرة بين لبنان والسعودية، عبر شركة طيران الشرق الأوسط التي ضاعفت عدد رحلاتها من السعودية وإليها).

كذلك قرّرت الشركة الإيطالية للنقل الجوّي ITA Airways تسيير رحلات جوّية على خط روما بيروت، بمعدل 11 رحلة أسبوعياً، اعتباراً من مطلع شهر نيسان المقبل.
بالنسبة لطيران الشرق الأوسط “الميدل إيست” فقد ناهزت حجوزات القادمين من أوروبا (لندن، باريس، بلجيكا، ألمانيا، الدنمارك، إيطاليا، إسبانيا، اليونان) في أسبوع الأعياد (من 15 كانون الأول حتى 24 منه) ما نسبته 95%، فيما ناهزت بين 25 كانون الأول و31 منه 75%، وفق ما أكد رئيس دائرة المبيعات والتسويق في شركة طيران الشرق الأوسط مروان الهبر لـ”النهار”، موضحاً أن لندن وباريس تُعدّان البوابتين الأساسيتين في أوروبا للقادمين من أميركا وكندا، لذا فإن القادمين من هاتين العاصمتين هما خليط بين اللبناني المقيم في فرنسا، واللبناني القادم من الولايات المتحدة الأميركية وكندا.

أما حركة الحجوزات من دول الخليج حيث النسبة الأكبر من اللبنانيين، فكانت لافتة أيضاً، إذ بلغت نسبة الحجوزات في أسبوع الأعياد حتى 23 الجاري بين 98% و100%. النسبة الأكبر جاءت من السعودية (جدة والرياض) حيث كانت الطائرات “مفولة” 100% وفق تعبير الهبر، تليها الإمارات العربية المتحدة (أكثر من 95%). وكذلك، كانت لافتة أيضاً الحجوزات من أرمينيا ومصر وتركيا التي ناهزت 81%.

ويؤكد الهبر أن “الميدل إيست” تشغل حالياً 14 طائرة، فيما أضافت نحو 180 رحلة الى جدولها لتواكب ارتفاع الطلب على الحجوزات في فترة العيد وخصوصاً من لندن وباريس، علماً بأن الجدول الأساسي للرحلات انخفض خلال العدوان على غزة 50%، ليعود ويرتفع الى نحو 80%. بالنسبة لأوقات المغادرة، لاحظ الهبر أن الحجوزات تكثفت بين 1 كانون الثاني 2024 و13 منه.
ومقارنة مع قطاع المطاعم والملاهي، يبدو أن القطاع الفندقي جامد نسبياً وذلك على خلفية عدم قدوم السياح العرب الذين اعتاد لبنان استقبالهم سنوياً. ويؤكد نقيب أصحاب الفنادق في لبنان بيار الأشقر أنه ما عدا السياح العراقيين، غاب السائح المصري عن المشهد لأسباب عدة منها أن بلادهم متاخمة لمناطق الاقتتال في غزة، إضافة الى ما يعانونه من أزمة اقتصادية معطوفة على إجراءات مالية اتخذتها مصر كالـ”كابيتال كونترول”. وكذلك لفت الأشقر الى عامل آخر يتعلق بالعدد الضئيل نسبياً للحفلات الذي لم يتعدَّ سبع حفلات هذه السنة بعدما كانت تصل سابقاً الى 100 حفلة.

ويعوّل الأشقر على إمكانية حدوث حركة في بعض الفنادق في المناطق الجبلية كالأرز والزعرور وكفرذبيان وفقرا إذا ما تساقطت الثلوج.

وكما القطاع الفندقي، كذلك قطاع الشقق المفروشة الذي لا تزال نسبة الحجوزات فيه خجولة، لأسباب أعادها نقيب أصحاب الشقق المفروشة زياد اللبان الى الأوضاع السياسية والاعتداءات الإسرائيلية على جنوب لبنان إضافة الى العدوان على غزة التي أثرت على القطاع السياحي عموماً. فالجوزات في بيروت لم تتجاوز 25% من المغتربين اللبنانيين والعراقيين، أما خارج بيروت فهي شبه معدومة.

من جهته، لاحظ الأمين العام لاتحاد النقابات السياحية في لبنان جان بيروتي الجمود الحاصل في القطاع الفندقي حيث لم تتخطّ نسبة الإشغال الـ30% معوّلاً على حصول انتعاش للقطاع بعد 24 الجاري مع اقتراب رأس السنة وتوافد بعض السياح العراقيين والأردنيين لقضاء حفلة ليلة رأس السنة في بيروت.

وفي السياق، برز أمس تقرير البنك الدولي الذي تحدث عن تأثير الصراع الجاري في المنطقة على الاقتصاد اللبناني، لافتاً الى أن السياحة شكّلت نحو 26% من عائدات المعاملات الجارية في عام 2022. وأشار الى أنه بالرغم من أن “السياحة أسهمت إيجابيا في النموّ الاقتصادي خلال الفترة الماضية، بيد أنه لا يمكن لقطاع السياحة وحده أن يكون بديلاً من محركات النموّ الأكثر شمولاً واستدامةً وتنوّعاً، التي يمكنها أن تساعد البلاد على تحمّل الصدمات بشكل أفضل والمساعدة في إعادة اقتصادها إلى مسار التعافي القوي”.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى