الصحف

حرب لإلغاء التعويضات أو رفع الأقساط؟

تزامن الإضراب المفتوح الذي أعلنته الامانة العامة للمدارس الكاثوليكية، احتجاجاً على القانون الذي أقره مجلس النواب أخيراً ويتضمن تعديلات لبعض أحكام قوانين تتعلق بتنظيم الهيئة التعليمية في المدارس الخاصة وتنظيم الموازنة المدرسية، مع بدء عطلة الميلاد ورأس السنة، فاختلط الأمر على المؤسسات التعليمية التي كانت تحضر في اليوم الاخير قبل العطلة لاحتفالاتها الميلادية، وهو ما دفع مدارس عدة الى فتح ابوابها، فيما قرار الإضراب المفتوح مستمر وفق ما أكد لـ”النهار” الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب يوسف نصر.

فاجأ قرار الإضراب مختلف العاملين في الحقل التربوي، نظراً للسرعة التي أعلن فيها، وربما يكون سببه الضغط لعدم نشره في الجريدة الرسمية، وإعادة البحث ببنوده، خصوصاً في ما يتعلق بالاقتطاعات لصندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية. تفردت المدارس الكاثوليكية بالإضراب، على الرغم من أن القانون يعني المؤسسات التربوية الخاصة، ولم يظهر أن هناك إجماعاً في اتحاد المؤسسات على قرار الإضراب، إذ تبين وفق معلومات “النهار” وجود خلافات وتباينات في وجهات النظر حول القانون وطريقة مواجهته أو الاعتراض عليه.

النقطة الاساسية التي دفعت اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكة إلى الإضراب، تتعلق بالاقتطاعات لصندوق التعويضات خصوصاً الاقتطاع بالدولار الأميركي الذي يُفرض حصراً على إدارات المدارس لتغذية الصندوق بنسبة 8% من المساعدات الاجتماعية بعدما كانت 6 في المئة، فيما يُقتطع من رواتب أفراد الهيئة التعليمية نسبة 8% بالليرة اللبنانية. كما يشترط القانون أن تحصل المدرسة على براءة ذمة تفيد أنها سددت المستحقات بعدما كانت تحصل عليها من وزارة التربية. والهدف من هذه الاقتطاعات هو لتغذية الصندوق لتحسين رواتب الأساتذة المتقاعدين والذين يحالون إلى التقاعد، علماً أن موعد تنفيذه يبدأ في شهر تشرين الأول 2024.

الحصول على براءة الذمة من الصندوق يشترط دفع المدارس لمستحقات الاساتذة، وهو يمنع التهرب من دفع الاقتطاعات، ويضع حداً للتجاوزات والتحايل، علماً أن مدارس كثيرة وقد تصل إلى 300 مدرسة تقتطع النسب من رواتب الاساتذة ولا تسددها لصندوق التعويضات. وهذه النقطة كانت خلافية عند مناقشة المشروع في لجنة التربية النيابية قبل أن يقر في الجلسة التشريعية الأخيرة.

اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة لم يعلن رسمياً رفضه للقانون، وإن كان التوجه العام هو الاعتراض، والطلب لإعادة النظر به، لكن المدارس الكاثوليكية مصممة على التصعيد، وخيارها بالإضراب قائم وفق ما يؤكد الاب يوسف نصر، “إلى حين إيجاد حل للمشكلة التي أدخلنا فيها القانون”. والاعتراض الأكبر هو على الفقرة الثالثة من القانون التي تحدد مساهمة المدرسة في تغذية صندوق التعويضات لأفراد الهيئة التعليمية بنسبة 8 في المئة من مجموع الرواتب والمساعدات وفق العملة التي تدفع بها، ومن بينهم أيضاً المتعاقدون بالساعة. ويعترض الاب يوسف نصر في حديثه لـ”النهار” على عدم التشاور مع المؤسسات التربوية، معتبراً أن للقانون عواقب كثيرة لأنه لا يرتكز على دراسات خصوصاً في ما يتعلق بالاقتطاعات، إذ كيف يتم اقتطاع نسبة من مساعدة 200 دولار لأستاذ ونسبة من آخر يقبض مساعدة 1000 دولار، وقد تصل ضريبة الدخل وفق الشطور إلى 25 في المئة. فهو قانون مجتزأ يضع المدارس كلها أمام أزمة كبرى.

ويشير الأب نصر إلى أن صندوق التعويضات هو مؤسسة خاصة ذات منفعة عامة لا تتعامل بالدولار الأميركي. لكن نقيب المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض يرفض هذه الحجة ويسال لماذا تستوفي المدارس الخاصة أقساطاً بالدولار من الأهالي، لذا عليها سداد ما تقتطعه بالعملة نفسها. ويحذر نصر في المقابل من أن القانون سيعمق أزمات المدارس، ويرتب أعباءَ جديدة وأكلاف على لجان الأهل، وهو أمر قد يدفع إلى زيادة الأقساط مع ما يرتبه ذلك من تداعيات على لجان الأهل. فلا يمكن التشريع من جهة وترك الفلتان على مصراعيه من جهة ثانية، إذ كان الأمر يستدعي وفق نصر دراسة أكثر عمقاً للواقع التربوي لتذليل العقبات التي يواجهها، وإيجاد حلول متكاملة لا تستثني القانون 515 ولا سلسلة الرواتب، وايضاً تشكيل مجلس إدارة اللصندوق.

الإضراب بالنسبة للأب يوسف نصر هو الخيار الوحيد المتاح حالياً، وهو كان أصدر بياناً شرح الأسباب الموجبة لرفض القانونن معتبراً إن القانون المقترح الذي تمّت مناقشته في جلسة اللجنة النيابية يختلف عما تمّ تمريره في اللحظة الأخيرة في القانون الصادر، إذ أضيفت أمور لم تتمّ مناقشتها مع اتحاد المؤسّسات التربويّة ومع الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية، خصوصاً ما ورد في الفقرة الثالثة التي أقرت في القانون.

وسال نصر، بناءً على أيّة دراسة تمّ رفع النسب من 6 الى 8 في المئة على المدرسة وعلى المعلمين الداخلين في الملاك وأضيفت نسبة 8% على المعلم المتعاقد؟ وعلى أي أساس حددت نسبة 8% على المساعدات بالعملات الأجنبية؟ ومن يراقب صرف الأموال في صندوق التعويضات ونحن أمام مجلس إدارة يصرّف الأعمال منذ العام 2019؟

وبينما رأى أن المعلّم المتعاقد لا يستفيد من صندوق التعويضات في تعويض نهاية الخدمة، فلماذا إلزامه بدفع نسبة 8%؟ هذه النقطة يرد عليها نقيب المعلمين في حديثه لـ”النهار”، بأنه في التسعينات من القرن الماضي كان يُقتطع من المتعاقد بالساعة نسبة من راتبه للصندوق، وما أقر في القانون الصادر هو إعادة الأمور إلى نصابها، حيث يستطيع سحب تعويضه بعد انتهاء خدمته.

وأوضح محفوض أن الانجاز الرئيسي للقانون هو دعم أكثر من 5 آلاف متقاعد في المدارس الخاصة لا تتخطى رواتبهم الثلاثة ملايين ليرة، وإلى حين بدء تغذية صندوق التعويضات من الاقتطاعات الجديدة، سيغطي مبلغ منحة الـ650 مليار ليرة الذي أقرته الدولة للصندوق زيادات لرواتب المتقاعدين.

وسأل محفوض، “هل الاعتراض على براءة الذمة التي تلزم المدارس بتسديد مستحقاتها إلى صندوق التعويضات؟ هل ترضى الأمانة العامة أن تقتطع مئات المدارس من رواتب المعلمين الحسومات ولا تسددها للصندوق؟ وكيف نغذي مداخيل صندوق التعويضات وصندوق التقاعد وكيف نرفع رواتب المعلمين المتقاعدين إن لم نرفع المستحقات على المدارس والمعلمين من 6 إلى 8%؟. واعتبر أن الأسباب والموجبات التي سمحت للمدارس بتقاضي جزء من القسط بالدولار ودفع الجزء الأكبر من رواتب المعلمين بالدولار أيضا هي نفسها التي توجب اليوم دفع المستحقات للصندوق بالدولار من أجل إنصاف المتقاعدين.

وختم محفوض أنه منفتح على النقاش، والحوار، سائلاً في المقابل عما إذا كانت هناك وسيلة أخرى لحفظ حقوق المعلمين بعد تقاعدهم واستمرار صندوق التعويضات.

وبينما يستمر قرار الإضراب في المدارس الكاثوليكية، لا تبدو المؤسسات الأخرى من المدارس الإنجيلية إلى الأرثوذكسية والمقاصد والمبرات في هذا التوجه، لكن عطلة الاعياد تفتح فرصة للنقاش بين المعنيين ومقاربة الأمر بطريقة عقلانية بعيداً من التصعيد.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى