محلي

“الميدل إيست” تغضب سلام وتثير استياء شركات تأمين لبنانية

أثار نقل طائرات “الميدل إيست” من مطار رفيق الحريري الدولي إلى مطارات مجاورة، لإبعادها عن مرمى أي اعتداء إسرائيلي محتمل، خصوصاً مع خفض شركات التأمين 80% من قيمة التأمين على مخاطر الحرب، حفيظة وزير الاقتصاد أمين سلام ومعه شركات التأمين واعادة التأمين اللبنانية التي وجدتها فرصة مناسبة للتعبير عن استيائها من عدم إشراكها في كعكة التأمين على هذه الطائرات.

الخطوة الاستباقية التي أقدمت عليها “الميدل إيست”، نالت رضى وموافقة مسبقة من المالك أولاً وهو مصرف لبنان، وثانياً “رأس” الدولة حالياً بالوكالة الرئيس نجيب ميقاتي، اللذين باركا وشجّعا وأثنيا على الخطوة، وكذلك فعل رئيس الحزب التقدّمي الاشتراكي السابق وليد جنبلاط الذي نصح محمد الحوت باتخاذ الإجراءات المناسبة لأن الطائرات اليوم ليست مغطاة بالتأمين، وإذا ما بقيت هذه الطائرات على الأرض في لبنان فإننا سنخسر كل شيء”. فلإسرائيل سجلّ إجرامي مع مطار بيروت، وسبق أن دمّرت عام 1968 على أرضه 13 طائرة ركاب معظمها تملكها لشركة طيران الشرق الأوسط، والبعض الآخر لشركات دولية.

اعتراض الوزير جاء أيضاً على خلفية عدم استشارته أو استشارة شركات التأمين المحلية، إذ عندما “اتخذت شركات التأمين في الخارج قراراً كهذا كان يمكننا أن نتدخل قبل الوصول الى هذه المرحلة لتحقيق شروط أفضل لكونها القطاع التأميني المعني بالموضوع، إضافة الى تغطيتها لقطاعات حيوية أخرى بحيث يمكنها أن تكون شريكة في تغطية عمليات الميدل إيست”.

غيرة الوزير على قطاع التأمين اللبناني منطقية ومقدّرة، ومطلبه شراء بوالص التأمين لأسطول “الميدل إيست” من الشركات اللبنانية مفهوم، لكن أسئلة عدة تُطرح حول ذلك:

أولاً: هل تستطيع ملاءة شركات التأمين وإعادة التأمين اللبنانية تحمّل هذه المسؤولية؟ وهل بإمكانها ضمان بوالص قد تتخطى المليار دولار بالحد الأدنى؟

ثانياً: إذا ما وقع العدوان، فما هي المدّة التي ستنتظرها “الميدل إيست” للتعويض عليها، إلى حين انتهاء التحقيقات ودراسة التقارير، واتخاذ القرار بالدفع؟ وماذا لو امتدّت الحرب لوقت طويل وتمنّع معيدو التأمين عن الكشف التقني بحجة الحرب وانتظار توقفها؟

ثالثاً: هل يعي الوزير سلام أن لا معرض للطائرات في أي مكان على وجه المعمورة، يمكن التوجّه إليه وشراء ما نحتاج إليه لإعادة تكوين أسطول الميدل إيست؟ وأن شراء الطائرات يتم عبر عقود مع شركات التصنيع الكبرى، مع تأكيد ضرورة حجز الدور للحصول على الطلبية، التي يمكن أن تمتد لسنوات، علماً بأن هذا الأمر ينطبق أيضاً على استئجار الطائرات.

رابعاً: هل بات الوزير سلام يثق “هالقد” بشركات التأمين اللبنانية، وهو الذي اتهم بعضها في تصريح سابق بـ”الاحتيال، والإثراء غير المشروع” على خلفية لجوء بعضها الى “إجراء مساومات مع المؤمّنين، لدفعهم إلى القبول بأخذ 10% من قيمة التأمين بالدولار أو اللولار، والتنازل عن الباقي، مقابل حصول الشركة على براءة ذمة، وكشف للرأي العام أن “التعويضات لم تُدفع بالفريش دولار للمؤمنين في انفجار المرفأ”.

في السياق، إن ما سبق لا يعني مطلقاً عدم وجود ثقة ومهنية لدى شركات التأمين وإعادة التأمين، فالقطاع يعاني ويصبر ويصمد كما معظم قطاعات البلاد الاقتصادية والمالية.

لكن استغراب وزير الاقتصاد، واجهه استغراب خبراء في قطاع الطيران والتأمين أيضاً، في استسهال طرح فكرة إبقاء أسطول “طويل عريض” تتخطى قيمته المليار دولار، على مرمى من صواريخ الطيران الإسرائيلي، والقبول بمبدأ أن التأمين سيغطي الأضرار، دون الالتفات أو مراعاة الخسائر الجمّة التي ستصيب الشركة، والشركات التابعة لها، وكذلك المطار، وآلاف العمال والموظفين المهدّدين بالصرف. كل ذلك في انتظار سيناريو نعرف كيف يبدأ ولا يعرف أحد كيف سينتهي. فما بين التدمير، ثم الكشف وإصدار التقارير، يليه التقييم المالي والتفاوض على ذلك، ثم التعهد بدفع التعويضات، إلى توقيع عقود مع شركات تصنيع الطائرات ودراسة المواصفات، وانتظار الدور ومدد التسليم، ما هي أقصر مدة، أو عدد السنين التي يقدّرها وزير الاقتصاد لعودة العمل الى أسطول “أجنحة الأرز”؟

الخروج الآمن وانتظار “الفرج” هو أقصر الطرق لحماية ما بقي، وما بُني لعقود، وإبقاء طائرات “الميدل إيست” في مطار بيروت، أو في مطاري رياق والقليعات، دون حماية، وتحت تهديد العدوان الإسرائيلي، نحر وانتحار ذاتي للشركة الوطنية وخسارة في غير وقتها للاقتصاد وقطاعي السياحة والنقل ومداخيلهما من “الفريش” دولار الضرورية للخزينة.

أسعار التأمين؟


ما حصل أول من أمس لطائرة فرنسية في مطار بيروت، يؤكد صوابية قرار الإجلاء الذي اتخذته الشركة، إذ إن عطلاً طرأ على طائرة تابعة لـ”إيرفرانس” حدا بالشركة الى نقلها فوراً الى مطار القاهرة لتصليحها هناك، لأن التأمين لا يغطي أي حادث “حرب” قد يحصل لها في لبنان.

أجلت “الميدل إيست” 13 طائرة من أصل 22 طائرة من مطار بيروت الى قبرص والأردن، فيما تذهب مصادر متابعة بعيداً بافتراضها لو أن شركات التأمين لم تلغ التأمين، وأبقت “الميدل إيست” طائراتها في المطار، فإن السؤال: ما الذي سينهض بالشركة مجدداً إذا ترجمت إسرائيل تهديدها المتواصل للبنان بقصف الطائرات؟

تتعامل “الميدل إيست” مع شركة “مارش” التأمينية وهي من بين 3 شركات وساطة تأمين عالمية (ويليس، مارش، أيون)، علماً بأنه منذ تأسيس الشركة في عام 1945 تتعامل مع شركات التامين في الخارج. وتقدر قيمة بوليصة التأمين (الشاملة لكل المخاطر) لطائرات الشركة (24 طائرة بما فيها الطائرات الخاصة)، بمليار و250 مليون دولار، بينها 750 مليون دولار لمخاطر الحرب، علماً بأن بوليصة الحرب كانت سابقاً 350 ألف دولار على سقف 750 مليون دولار.

ولكن ألم يكن في الإمكان إجلاء الطائرات الى مطار رينيه معوض؟ تردّ المصادر بالقول: الطائرات الجديدة لا يمكنها أن تحط في مطار آخر في لبنان، فمدرج القليعات صغير والأجهزة معطلة فيه منذ فترة الحرب. وعندما استخدمته “الميدل إيست” في فترة الحرب كانت طائراتها تعمل يدوياً أما حالياً فهي تعمل آلياً، وتالياً فإنه مع تعطل الأجهزة في مطار القليعات لن تتمكن الطائرة من الهبوط.

وأكدت أن ثمة التباساً واضحاً لدى وزير الاقتصاد أمين سلام، إذ إن رئيس مجلس إدارة “الميدل إيست” محمد الحوت قال إن شركات التأمين ألغت 80% من قيمة التغطية على الطائرات، ولم يقل إنه خفض عدد رحلات “الميدل إيست” بنسبة تصل إلى 80%. فالشركة اعتمدت التوازن بين استمرار عمليات التوازن في لبنان من خلال جدول مختصر لعملياتها استطاعت من خلاله تأمين نقل 70% من الركاب الذين كانت تنقلهم قبل قرار شركات التأمين خفض التغطية، لافتة الى أن الضغط الذي شهده المطار الأسبوع الماضي سيزول كلياً بدءاً من الأسبوع المقبل والرحلات ستكون فارغة الى كل الوجهات تقريباً.

ما لمّح إليه وزير الاقتصاد أمين سلام من أن “الميدل إيست” لم تعرف كيف تفاوض، وأنه كان في الإمكان التدخل قبل أن تتخذ شركات التأمين في الخارج قراراً كهذا كان يمكننا أن نتدخل قبل الوصول الى هذه المرحلة لتحقيق شروط أفضل، دعا مصادر تابعت ملف التأمين مع “الميدل ايست” الى السؤال عما إن كان لدى الوزير الخبرة اللازمة في هذه الموضوعات، ومن أخبره عن تفاصيل المفاوضات ومسارها؟ ليخلص الى سؤال آخر عما إن استطاع هو التفاوض مع شركات التأمين اللبنانية لتسدّد للناس حقوقهم جراء انفجار المرفأ؟ وهل شركات التأمين أنصفت زبائنها؟

ولكن أليس من الواجب استشارته قبل اتخاذ أي قرار؟ تؤكد المصادر أن لا سلطه له على الشركة، وما اتخذته من قرارات كان بالتنسيق مع رئيس الحكومة، علماً بأن الشركة هي شركة تجارية وإن كان لها صفة وطنية.

شركات التأمين: على الأقل استشيرونا

أصدر رئيس جمعية شركات التأمين في لبنان أسعد ميرزا بياناً أعلن فيه أن “شركة طيران الشرق الأوسط – الخطوط الجوية اللبنانية لم تؤمن أبداً مع شركات التأمين اللبنانية، على رغم المراجعات المتكررة مع رئيس مجلس إدارة الشركة”.

وأكد ميرزا أن “شركات التأمين لم تتوان يوماً عن القيام بواجباتها، بل تسخر كل جهودها في ما يخص لبنان ومصلحته”. هذا البيان لميرزا جاء مطابقاً لما قاله لـ”النهار” وأضاف عليه أن كل “ما يقال عن عدم وجود ثقة بشركات التأمين اللبنانية، وأنها تتأخر في الدفع، يفتقر الى الدقة، بدليل أننا دفعنا لـ95% من الزبائن من جراء تفجير المرفأ، على الرغم من أن بعض شركات إعادة التأمين العربية والأجنبية لم تدفع لنا بعد”.

لم ينكر ميرزا أن الشركات دفعت لزبائنها لولار، “فالشركات اللبنانية تحمّلت وحدها الأعباء، فيما شركات التأمين الخارجية لم تدفع لنا حتى اليوم، فيما دفع بعضها 50 و60% من مستحقاتنا”.

ولكن ألا يمكن أن ينسحب هذا الأمر على موضوع التأمين على الطائرات، وهل في إمكانكم تغطية المبالغ؟ يجيب ميرزا “لن تكون تغطية تأمين الطائرات كلها على عاتقنا، بل أيضاً على عاتق شركات إعادة التأمين. والقول إننا نتأخر في الدفع، هو كلام غير دقيق، إذ كما تدفع شركة إعادة التأمين لـ”الميدل ايست”، فإن معيدي التأمين سيدفعون لنا، وعندما نقبض نحول للشركة الأموال. على كل، إن لم ترد “الميدل إيست” التعاقد مع الشركات اللبنانية، يمكننا أن نكون على الأقل استشاريين ونساعدها من خلال خبرتنا، في الحصول على شروط أفضل”.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى