الصحف

رسم بدل الخدمات السريعة لإنجاز المعاملات الرسمية: هل يتحوّل الى إجراء لتسهيل الرشوة والفساد؟

في الوصف العلمي للدولة، هي مؤسسة تعمل لخدمة مواطنيها بالتساوي والعدل في الرعاية والحماية والخدمة من دون تمييز بينهم أو استثناء. أما في مفاهيم دولتنا “المفلسة” على كل الصعد، هي دولة تشرّع وتعمل لخدمة مَن يدفع أكثر. كيف؟ ربما لن ينقص الوزارات إذا ما أقر مجلس النواب ضريبة رسم بدل تسريع الخدمات، المطروح في مشروع موازنة 2024 إلا وقوف الموظفين عند مداخل الإدارات ينادون على معاملاتهم، “تفضل إستاذ، أهلاً بالمدام، ائمرونا!”.

استحدث مشروع قانون موازنة 2024 رسما جديدا تحت إسم رسم بدل خدمات سريعة وطارئة يسمح للمواطن بأن يدفع مبلغا إضافيا من المال لإتمام معاملته في وقت سريع وذلك أسوة بما يطبق في المديرية العامة للأمن العام في موضوع جوازات السفر السريعة.

وجاء في المادة الحادية والعشرين من الموازنة العامة أن “إيرادات هذا الرسم توزع بين أصحاب العلاقة: 50% لموظفي الإدارة المعنية، 5% لموظفي الهيئات الرقابية، 10% لموظفي الإدارات العامة التي لا تقدم خدمات، 15% لصندوق تعاضد موظفي الإدارات العامة، و20% للخزينة العامة”.

البعض جزم بأن اعتماد هذه الخدمات لن يوقف الرشوة خصوصا في غياب آلية الرقابة والتدقيق، فتخضع لاستنسابية بعض الموظفين الذي يمكن أن يستخدموها لمصلحتهم، بما يؤدي الى قوننة الرشوة والفساد وتشريعهما، فيما تخوف آخرون من ان تكون هذه الخدمة على حساب المعاملات العادية التي قد تنام في الادراج بغية إنجاز المعاملات السريعة. وتؤكد مصادر متابعة أن هذا الاجراء قد يدفع بعض موظفي الادارات العامة الى ابتزاز المواطن لاجباره على السير بالخدمة السريعة: “إما أن تدفع أو تبقى معاملتك في الادراج”. وقالت المصادر عينها: “صحيح أن هذا الاجراء معتمد في بعض دول العالم، ولكن أن يعتمد في لبنان في ظل الادارة المترهلة وتجذّر البيروقراطية، فإن ذلك يعني تشريع الفساد، خصوصا في غياب المعايير اللازمة، أو الاوقات المحددة للفترة التي يتطلبها الاجراء السريع وغير السريع، وليس هناك من اطار قانوني يجبر الموظف على انجاز المعاملات بشكل اسرع أو خلال فترة محددة”، علما ان استحداث رسم كهذا يفترض” المكننة المعلوماتية” للإدارة العامة، وجهازا اداريا و”لوجستيا” مدربا على العمل المجدي والسريع، لذا كانت المطالبة بأن يترافق بدء تطبيق هذه الخدمة مع حوكمة رشيدة في الإدارة العامة، حتى لا يدفع طالب الخدمة الرسم المستحدث ورسم الرشوة السائدة في بعض الإدارات، بما يفترض تفعيل التفتيش الإداري والمحاسبة، وتعميم المكننة في الإدارات واستحداث جهاز إداري مدرب وفاعل ليقوم بهذا العمل السريع، وهذا يتطلب ايضا تزويد الإدارات العامة بكل مستلزماتها المكتبية والكهربائية والخدماتية. وخلصت المصادر الى القول إنه “مع غياب كل هذه المكونات فإن هذه المادة غير قابلة للحياة أو التطبيق”.

لكن هذا الإجراء ليس جديدا، ويعتمد في عدد من دول العالم، إنما بشروط وحالات محددة، إذ يؤكد رئيس مؤسسة جوستيسيا الحقوقية وأستاذ القانون المصرفي المحامي الدكتور بول مرقص لـ”النهار” أن هذا النوع من الرسم معتمد في عدد من دول العالم منها الولايات المتحدة وفرنسا، والهدف منه تسريع المعاملات مقابل رسم قانوني، بدل لجوء المواطن الى دفع رشوة لتسريع معاملاته. وقد زاد من استخدام هذا التدبير جائحة كورونا عندما اصبح عمل المؤسسات في عدد من الدول “أون لاين” بدفع هذا الرسم الاضافي.

ولا يرى مرقص ضيرا في اعتماد هذه الخدمة في لبنان، إذ برأيه تحد من الرشوة من جهة، وتمكّن المواطن من جهة أخرى من تسريع معاملاته. وأكثر… يشدد مرقص على ضرورة تعميم هذه الخدمة لتشمل مرافق أخرى مثل المطار والموانئ والحدود البرية، بحيث يُفرض رسم اضافي للمرور السريع، يمكن أن يفيد المستثمرين الذين يرغبون في المستقبل بالقدوم الى لبنان لعقد اجتماعات سريعة، أو القيام بزيارات خاطفة من أجل انجاز معاملاتهم وتسهيل استثماراتهم، علما أن هذا النوع من الخدمات معتمد في دول خليجية عدة منها الامارات العربية المتحدة

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى