إقتصاد

400 ألف دولار كلفة انتظارها.. فيّاض مرتبك بين ردّ الباخرة أو إبقائها و”المركزي”: ليست مسؤوليتنا

تنتظر باخرة فيول محملة بـ33 ألف طن منذ 19 يوماً في البحر قبالة الشاطئ اللبناني، فض الإشكال “الدولاري” بين وزارة الطاقة من جهة ومصرف لبنان من جهة أخرى، لإفراغ حمولتها في خزانات كهرباء لبنان. الخبر ليس بجديد. فـ”ياما” تكرّر المشهد، وتكررت معه قصة “إبريق الكهرباء” الممجوجة. الخبر الذي سمع عنه اللبنانيون بالإعلام ونسوه ربما، لا يمكن أن يمر أو يكون عادياً في حالة البلد الراهنة. وتبسيط مردوده السلبي على العلاقة مع الشركات العالمية الموردة قصر نظر، كما أن إغفال حجم الخسارة المالية التي ستتكبدها الخزينة اللبنانية جزائياً، نتيجة تأخر الإفراغ، إمعان ومشاركة في هدر بقايا الدولارات في مصرف لبنان.

كلفة الغرامة الجزائية لبقاء باخرة الفيول بحالة الانتظار، هي نحو 18 ألف دولار يومياً، أي ما يعادل 342 ألف دولار حتى اليوم و”الحبل عا الجرار”. من المسؤول؟ من سيدفع الغرامات؟ لماذا يتكرر هذا المشهد من وقت الى آخر؟

هل يعلم أهل الدولة أن كلفة الغرامة حتى اليوم، تعادل راتب شهر لعديد لواء كامل في الجيش اللبناني، فإلى متى سيستمر غياب التنسيق والمرجعية بهدر الأموال العامة؟
الوزير #فياض، والحاكم بالإنابة #منصوري، يعملان بما وجداه يخدم المصلحة العامة، ويساعد في تحسين الوضع.

الأول وضع خطة مرحلية لرفع التغذية إلى عشر ساعات يومياً بكلفة 300 مليون دولار، وافقت الحكومة على الخطة وتبنتها، واتفقت مع مصرف لبنان إبان ولاية رياض سلامة على ذلك، وتبنّت شروطه للتمويل. في المقابل يعمل حاكم مصرف لبنان بالإنابة الذي وضعته الظروف في “بوز” المدفع، لتسيير عمل البنك المركزي وما أمكن من تمويل دولاري للرواتب والأجور، والأدوية المستعصية، وغيرها من حاجات الدولة الأساسية.

أما بعد، فما مصير الباخرة الراسية في البحر التي تنتظر قراراً من اثنين: تحريرها للعودة من حيث أتت، أو إفراغ حمولتها فينعم اللبنانيون بساعات تغذية إضافية.

الباخرة الراسية قبالة الشاطئ اللبناني هي واحدة من سلسلة بواخر تنقل الفيول أويل والغاز أويل، بموجب مناقصات أجريت منذ بداية العام الجاري. وبعدما أدخلت شركة كورال إينيرج شحنة بلغت قيمتها نحو 49 مليون دولار، يفترض أن تأتي بباخرتين مجمل حمولتهما 66 ألف طن متري (33 ألف طن متري لكل منهما) تمت الموافقة على تأمين اعتماداتهما من ضمن السلفة التي أمّن مصرف لبنان منها نحو 200 مليون دولار من أصل 300 مليون دولار. فما مصيرها؟

الوزير فياض الذي أقر بـ”خطأ استقدامها” من دون موافقة المراجع المعنية، التبس عليه أن سلفة الـ300 مليون دولار المخصصة لسلفة الكهرباء قد “تمسّ أموال المودعين”. ولكنه يؤكد لـ”النهار” أن الباخرة هي تفصيل أمام ما تعانيه مؤسسة الكهرباء من أزمات قديمة وطارئة بما قد ينعكس على استمراريتها مستقبلاً. فكهرباء لبنان تملك نحو 43 مليون دولار (بالليرة اللبنانية) في مصرف لبنان، ولا يمكن أن تعالج أزمات المؤسسة إلا عبر تحويل المبلغ من الليرة اللبنانية إلى الدولار الأميركي أو على الأقل تحويل الجزء الأكبر منه لأن معظم احتياجات المؤسسة بالدولار.

أما بالنسبة لمصير الباخرة، فيوضح فياض أنه “لا يمكننا تحريرها إلا مع تأمين الـ100 مليون دولار الباقية من أصل الـ300 مليون دولار التي تمت الموافقة على تأمين الاعتمادات لها من خلال تحويل الأموال من الليرة اللبنانية إلى الدولار. وإن لم يتأمن المبلغ بذريعة تأثير سعر الصرف، لا يمكن إدخال الباخرة مع أرجحية فسخ العقد معها، مع ما يترتب عن ذلك من تبعات سلبية على الدولة اللبنانية، إذ ستلزمنا الشركة دفع كلفة النقل، وغرامة التأخير الناتجة عن انتظار الباخرة في البحر لمدة عشرين يوماً أي نحو 400 ألف دولار (18 ألف دولار يومياً)، إضافة إلى رسوم كلفة النقل. ولكن فياض يشير الى إيجابية تتعلق بسعر الغاز أويل الذي ارتفع من 890 دولاراً للطن في التاريخ الذي وقعنا فيه العقد الى 920 دولاراً للطن حالياً، أي بزيادة 30 دولاراً (نحو مليون دولار). بيد أن المشكلة التي يضيء عليها فياض تتعلق بمواصفات الغاز أويل الذي نستخدمه في المعامل (حددته شركة “سيمنز”) غير مطابقة لما يستخدم في الدول المجاورة، وتالياً يجب معالجة هذه المواصفات قبل بيعه لعميل آخر، بما يزيد من الكلفة، مؤكداً أنه “إذا وافقت الشركة التي وقعنا معها العقد على استرجاع الباخرة، فإن الأكلاف التي دفعتها يجب أن تستردها”. ولكن ثمة مليون دولار فارق السعر، وهذا المبلغ لمصلحة الجانب اللبناني، وتالياً يمكن حسمه من التكاليف؟ لا ينكر فياض هذا الجانب، ولكنه يسأل هل التكاليف التي تكبّدتها الشركة توازي مليون دولار؟ لافتاً الى أن الباخرة تكلف المورّد نحو 35 ألف دولار يومياً أي نحو 600 ألف دولار خلال 20 يوماً تضاف إليها كلفة النقل والرسوم وعملية المزج وغيرها من التكاليف التي قد تصل الى مليوني دولار.

خياران لا ثالث لهما في موضوع الباخرة الجاثمة قبالة الشواطئ اللبنانية، الأول استخدام رصيد كهرباء لبنان الموجود في مصرف لبنان عبر استبداله بالدولار، أو فسخ العقد مع الشركة الموردة وإرجاع الباخرة من حيث أتت. أما الحل الفصل فهو برأيه بيد مصرف لبنان ووزير المال. وإذ أكد فياض أهمية الوقت، قال “نعرف الضغوط والمسؤوليات التي تقع على كاهل مصرف لبنان وحاكمه، ولكن فليحاول على الأقل تحديد المدة الزمنية التي يمكن خلالها تحويل مبالغ معينة في السوق، وليصرح كم القيمة التي يستطيع تحويلها وضمن أي مدة”.

أما إذا تخطينا مشكلة الباخرة، فكيف نؤمن الاستمرارية لمؤسسة الكهرباء؟ يسأل فياض، هل سنواصل وضع أموال التحصيل بالليرة اللبنانية في مصرف لبنان، وفي المقابل لا يمكننا المس بها؟ معرباً عن اعتقاده بأن مصرف لبنان هو المستفيد من تكديس مبالغ كهرباء لبنان في حساباته لكونها تخفف الضغط عن الدولار وتحسن قوة الليرة. أما مؤسسة الكهرباء فلا يمكنها الحصول على دولار واحد من “المركزي” الذي لا يضع حتى آلية جديدة للحصول على العملة الأجنبية… وهذا أمر غير مقبول، يقول فياض “أنا لا ألوم الحاكم بالإنابة، ولكنه لا يفعل أي خطوة في سياق معالجة أزمة الكهرباء، ولا يطرح البديل!”.

ولكن الرد من الحاكمية على الوزير فياض جاء سريعاً، إذ أكدت مصادر الحاكم بالإنابة لـ”النهار” أن مصرف لبنان غير معنيّ بمعالجة أزمة الباخرة لا من قريب ولا من بعيد. وتوضح المصادر أن “المركزي” يقوم بتحويل الليرات التي تملكها الحكومة الى دولارات، إن كان متوافراً لدى مصرف لبنان. وأشارت المصادر الى أن رئيس الحكومة حدد أولوياته باستقرار سعر الصرف، وحالياً الدولار غير متوافر لدعم أمور أخرى وخصوصاً باخرة الفيول التي أصلاً لم يفاتح أيّ من المعنيين الحاكم بالموضوع، لأن الجميع مدرك أنه لن يوافق على تمويلها على خلفية عدم توافر الدولار لمثل هذه الأمور، ولأنه لن يمسّ بالاحتياطي، عدا عن أن هذا الموضوع هو شأن حكومي”.

هذا استدعى عقد جلسة لمجلس الوزراء، لم يحدد موعدها بعد، مع مطالبة وزراء أعضاء في اللجنة بحضور حاكم مصرف لبنان بالإنابة وسيم منصوري لبحث كيفية التغطية المالية لإنهاء تبعات الباخرة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى