الصحف

لودريان أمام خيارين

خمسة أيّام متبقية من المهلة التي حدّد الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان سقفها نهاية آب الجاري، لتقدّم الأطراف السياسيّة والنيابيّة الـ 38، أجوبتها حول مواصفات رئيس الجمهورية ورؤية كلّ طرف لأولويات العهد الرئاسي الجديد.

لودريان عكس في رسالته انّه يعوّل على أجوبة الاطراف اللبنانية، لتشكّل اساساً لإطلاقه حواراً للتنقيب عن توافق على رئيس للجمهورية. ولكن في موازاة هذه الحماسة التي أبداها الموفد الفرنسي لصياغة توافق رئاسي، تسود لغة أخرى في الداخل اللبناني متبادلة بين ضفّةّ قابلة للمشاركة في حوار ايلول، وضفة ضدّ هذا الحوار، وتؤكّد بما لا يقبل أدنى شك أنّ ورود تلك الأجوبة او عدمه، لا يغيّران في واقع الرئاسة المسدود شيئاً، كما لا يدفعان إلى المجازفة في افتراض ايجابيات او حصول اختراقات غير متوقعة، لا في ايلول ولا حتى ما بعد مدى زمني طويل.

إبرة تحفر جبلاً: وعلى ما يقول مواكبون للمسعى الفرنسي لـ«الجمهورية»، فإنّ «مهمّة الموفد الفرنسي من أساسها اشبه ما تكون بإبرة يحفر فيها لودريان جبل التعقيدات وصخور التناقضات، وخصوصاً انّ هذه المهمّة تعتريها نقاط ضعف جوهرية:

اولاً، لأنّها لم تنطلق من الأساس على أرضية صلبة، يفترض ان توفّرها لها اللجنة الخماسية.

ثانياً، لأنّها ليست محصّنة بمبادرة خارجية جدّية لحل رئاسي، لا من اللجنة السداسية ولا من اي طرف دولي آخر.

ثالثاً، لأنّها من لحظة انطلاقتها مصطدمة بحاجز صدّ لبناني صلب مانع لنجاحها، وتفتقد إلى الحدّ الأدنى من القدرة على تغيير واقع لبناني منقسم على ذاته سياسيّاً ورئاسيّاً، ولم ينفع معه ترغيب او ترهيب، والتنقيب على توافق رئاسي بين مكوناته، امر مستحيل.

خياران: هذه الصورة التشاؤميّة تطبع المشهد الداخلي حالياً، والأوساط السياسية على اختلافها تجمع على انّها لا تؤسس لا إلى حوار جدّي ومجدٍ، ولا الى انفراج في ايلول، بل ربما تفتح على مجالات اكثر سواداً، وعينها على لودريان، ترقباً للخطوة التالية التي سيُقدم عليها في ايلول. وفي هذا الإطار قالت مصادر سياسية واسعة الاطلاع لـ«الجمهورية»، انّ «شهر ايلول المقبل يشكّل خط النهاية للمسعى الخارجي، ولا يبدو في الأفق ما يؤشر الى أي اختراقات. وحتى ولو وضعت سلبيات الواقع اللبناني لودريان امام خيار من اثنين؛ إمّا أن يعلن لودريان استسلامه وينعى مهّمته، او ان يقرّر أن يردّ الكرة الى ملعب المعطّلين ويتجاوز اعتراضاتهم ويكمّل في اتجاه اطلاق حوار بمن حضر، وليتحمّل المعترضون مسؤولياتهم. فكلا الخيارين يؤديان إلى النتيجة ذاتها اي إلى الفشل، فشل المهمّة من أساسها، وفشل الحوار بمن حضر في تحقيق اي خرق. والنتيجة الأهم لهذا الفشل انّ لودريان سيترك اللبنانيين يتخبّطون في فشلهم، ويغادر هو في إجازة قبل الالتحاق بموقعه الوظيفي الجديد كرئيس لوكالة التنمية الفرنسية في العلا (أفالولا)، المسؤولة عن التعاون مع السلطات السعودية لتطوير السياحة والثقافة في منطقة العُلا».

فرصة إضافية! وفي سياق متصل، اكّدت مصادر ديبلوماسية فرنسية لـ«الجمهورية»، انّ لودريان سيكون في بيروت في بدايات شهر أيلول، وعلى الأرجح خلال الاسبوع الثاني منه، ولم يطرأ اي تعديل في شأن برنامج الزيارة حتى الآن. الاّ انّ المصادر عينها، لم تجزم بانعقاد الحوار الرئاسي الذي يسعى اليه الموفد الفرنسي، بل انّها اكتفت بالقول: «في برنامج السيد لودريان جولة مشاورات يجريها مع الأطراف اللبنانيين، وبناءً على الخلاصات التي يصل اليها خلالها، وكذلك على الخلاصات التي سيكوّنها من الاجوبة عن رسالته، سيقرّر ما إذا كان سيمضي في الحوار، او لمنح فرصة اضافية للبنانيين.

تحرّك نوعي: إلى ذلك، وبحسب معلومات «الجمهورية»، فإنّ الاطراف التي تسمّي نفسها معارضة سيادية وتغييريّة واستقلالية، تحضّر نفسها لما سمّته مصادرها «تحركاً نوعياً في ايلول، للتصدّي لأي محاولة سواء بالحوار او غير الحوار، تمكّن «حزب الله» من خطف البلد».

وأدرجت المصادر عدم المشاركة في الحوار الذي يحضّر له لودريان في سياق تموضعها على الخط النقيض لـ«حزب الله»، وكذلك على خط المواجهة لأي تسوية رئاسية تفضي الى انتخاب رئيس للجمهورية يحكّم الممانعة بلبنان، وكشفت عن اتصالات تجري على اكثر من صعيد لجذب سائر التوجّهات السياسية والنيابية، لقطع الطريق على اي تسوية او اي صفقة، كمثل التي يُعمل عليها في ما يسمّى الحوار الجاري بين «حزب الله» و«التيار الوطني الحر».

الحزب والتيار: على أنّ معلومات موثوقة لـ«الجمهورية» تخالف كل الفرضيات التي تحدثت عن تقدّم نوعي في المحادثات الجارية بين الحزب والتيار، وبحسب مطلعين من كثب على أجواء الطرفين، «فإنّ النقاش يدور في أجواء موضوعية وصريحة، ولكن لا شيء نوعياً حتى الآن، لا نقول انّ أفق التفاهم مسدود، بل انّ المسار طويل».

مثلث الحل: في هذه الأجواء تبرز قراءة مرجع مسؤول، حيث اكّد لـ«الجمهورية»، انّ «الحوار الداخلي على أهميته وضرورته، سواء أكان ثنائياً بين اطراف معينين او شاملاً بين كل الاطراف، يبقى بلا اي معنى وبلا اي نتيجة، إن لم يكن مرفودا، ليس بدعم كلامي كالذي سمعناه من اللجنة الخماسية، بل بدعم جدّي جداً من «مثلث الحل» الاميركي – السعودي – الايراني، فحتى الآن أضلع هذا المثلث لم تلتق او تتقاطع على حل لبناني. وفي انتظار ان تلتقي تلك الاضلع سنبقى نراوح مكاننا، علماً انّ في الأفق بعض المؤشرات المشجعة، التي تبدّت اخيراً بين الايرانيين والاميركيين في الإفراج عن الأرصدة والاسرى، وايضاً بين الايرانيين والسعوديين والخطوات التقاربية اللافتة. وضمن هذا السياق، ينبغي التعمّق ملياً في البيان الصادر قبل يومين عن مجلس الوزراء السعودي، وما فيه من ايجابيات تعني الطرفين وكل ما يتعلق بهما».

الاّ انّ قراءة المرجع عينه لم تخل من قلق وخوف من عاملين، «الاول العامل الاسرائيلي، وسط الحديث المتزايد في المستويات السياسية والأمنية الاسرائيلية عن قرب المواجهة العسكرية مع «حزب الله»، والثاني هو العامل الفلسطيني وخصوصاً في مخيم عين الحلوة، حيث انّ ذيول المعارك الاخيرة التي شهدها المخيم لم تنتهِ بعد، بما ينذر باشتعال فتيل المخيم من جديد في اي لحظة، الاّ اذا نجحت الاتصالات الجارية في الاتفاق على تسليم المطلوبين المسؤولين عن اغتيال القيادي في حركة «فتح» ابو اشرف العرموشي».

المصدر
الجمهورية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى