مقالات

العرائض النيابيّة: وسيلة ضغط… أو “صفّ حكي”؟

منذ أيام قليلة، وقّع 30 نائباً من نواب المعارضة عريضة تُطالب بعقد مؤتمر دولي لـ»إنقاذ لبنان». ومنذ أيام أيضاً، أعلن النائب جميل السيد أنه أودع لدى الأمانة العامة لمجلس النواب عريضة نيابية تطالب بعقد جلسة عاجلة للمجلس لمناقشة موقف البرلمان الأوروبي حول إبقاء النازحين في لبنان، وإستصدار تشريع أو قرار يُلزِم الحكومة بتنظيم عودتهم إلى سوريا وفقاً للإتفاقية الموقعة بين لبنان ومفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، مشيراً إلى أنّه تواصل مع كل الكتل النيابية للمبادرة إلى توقيع تلك العريضة لدى الأمانة العامة للمجلس.

وبمعزل عن الإنسجام أو التعارض ما بين العريضتين، فإنّ التزامن في توقيت تقديمهما فتح الباب أمام سؤال مهمّ ألا وهو: ما هي العريضة بالمطلق؟ وما هي العريضة النيابية؟ وما أهميتها؟ وما هو مدى تأثيرها على إتخاذ القرارات من قبل المسؤولين؟

بداية، ننطلق في محاولة للإجابة من النظام الداخلي لمجلس النواب، حيث يُفرد الفصل الثامن بكامله تحت عنوان: العرائض والشكاوى ويتضمّن المواد من 45 حتى 48.

وتنصّ المادة 45 على التالي: «تحال العرائض والشكاوى إلى هيئة مكتب المجلس ويُهمل كل ما ورد منها من دون توقيع أو تتضمن عبارات نابية». أمّا المادة 46 فتقول: «تدرس هيئة المكتب العريضة أو الشكوى ويقرّر إمّا حفظها أو إحالتها إلى اللجنة الدائمة المختصة أو إحالتها إلى الوزير المختص ولها أن تعرضها على المجلس بهيئته العامة».

وتنص المادة 47 على التالي: «إذا أحيلت العريضة أو الشكوى على اللجنة المختصة تقوم هذه الأخيرة بدرسها وتقرّر إما حفظها أو إحالتها إلى الوزيرالمختص أو عرضها على المجلس». من جهتها، المادة 48 تقول: «إذا لم يجب الوزير على العريضة أو الشكوى خلال شهر، على هيئة مكتب المجلس أو اللجنة المختصة أن تقرّر عرضها على المجلس مع تقرير بالوقائع والمقترحات عند الإقتضاء».

ما تقدّم يوضح بأنّ المسارالنظامي لأي عريضة نيابية يحتاج إلى قرار من هيئة مكتب مجلس النواب أولاً، ومن ثم إمّا حفظها أو إحالتها إلى الوزيرالمختص أو اللجنة المختصة، وفي حالة العريضتين لا أعتقد أن هناك دوراً لوزير مختصّ أو لجنة مختصّة.

لقد كرّس النظام الداخلي الذي تبنّاه مجلس النواب سنة 1953 المبادئ التي أرساها نظام 1930 مع بعض التعديلات بشأن تلاوة نص العرائض، واستمرّت وتيرة تقديم العرائض في الستينيات، ثمّ تراجعت في مطلع السبعينيات ومع إندلاع الحرب لدرجة أنها إختفت عملياً. وهذا ما علّق عليه الخبير والمرجع القانوني والدستوري إدمون رباط سنة 1982 بقوله: «إنّ هذا الحق الدستوري سقط في غياهب النسيان ولم يعد يشكّل وسيلة تواصل بين المجتمع والسلطة».

ويرى خبراء ومختصّون بأنّ العرائض لا تعدو كونها بيانات صحافية ووسيلة من وسائل الضغط والحث التي يمارسها النواب، من أجل دفع المجلس إلى وضع يده على ملفّ معين وإتّخاذ موقف مناسب منه. ويخلص هؤلاء إلى القول بأنّ العرائض والشكاوى النيابية قد تغيّر مفهومها عن السابق، فهي كانت تأتي من الأفراد والجمعيات والمؤسسات والنقابات والأحزاب مباشرة إلى المجلس ورئيسه، وكان النظام الداخلي يفرض تلاوتها، أمّا الآن فقد بقيت صيغة التقديم قائمة من قبل الجميع، ولكن ليس هناك ما يفرض التلاوة وقد أصبحت محصورة بالأوراق الواردة التي يتحدّث من خلالها النواب في مستهل الجلسات التشريعية كوسيلة تعكس مطالب الناس وهمومها.

الخبير القانوني والدستوري والوزيرالسابق زياد بارود يرى بأنّ «العرائض النيابية لم تُعطَ حقّها وهي واحدة من الوسائل التي تحدث عنها النظام الداخلي لمجلس النواب، كالأسئلة والإستجوابات والتحقيق البرلماني، وهو نظّم كل هذه العناوين والآليات لكنّه لم يُعطِ العريضة حقّها لأنها ستُحال إلى هيئة مكتب المجلس أو إلى لجنة مختصة أو الوزير المختصّ أو الهيئة العامة أو تذهب للحفظ».

ويلفت بارود في حديث خاص لـ»نداء الوطن» إلى أنّ «العريضة هي لحثّ المجلس من أجل وضع يده على ملفّ معين وإتخاذ موقف مناسب منه، وهي ربّما تصلح في ملفات وأمور لا يُمكن معالجتها عبر السؤال أو الإستجواب أوالتحقيق البرلماني أو من خلال إقتراح قانون، لأنّه قد يكون من نتائج العريضة الذهاب نحو واحدة من هذه الآليات التي قد تكون أفعل، فالمجلس النيابي كما نعلم يستطيع أن يُصدر توصيات ويتّخذ قرارات كما يحصل بالنسبة لرسائل رئيس الجمهورية، وبالتالي فإنّ العريضة التي يُمكن أن يقدّمها نائب أو أكثر قد تكون من أجل خلق مناخ عام ورأي عام تجاه قضية ما، والنظام الداخلي للمجلس حدّد آليات ودور النائب في ممارسة الرقابة والتشريع».

في الخلاصة، على النواب الذين يتقدمّون أو يوقّعون عرائض أن يعتمدوا صيغة إقتراح القانون في الملف المطروح كي تكون أفعل وأنجح حتى لو أخذت وقتاً، إلا إذا كان الموضوع من باب تسجيل الموقف وحثّ المجلس النيابي لإتخاذ موقف بشأن قضية ما، مع الإشارة إلى أن مطلب عقد جلسة نيابية عامة من قبل أي نائب هو حقّ وله آليات وفق النظام الداخلي ولا يحتاج إلى عريضة.

المصدر
أكرم حمدان_نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى