سياسةمحلي

بعد تقرير ديوان المحاسبة… حرب يرد

في إطار قضية استئجار شركة “ميك 2” مبنى قصابيان ومبنى الباشورة، أعلن وزير الاتصالات السابق بطرس حرب أنه تسلّم وزارة الاتصالات “وكان بإمكاني متابعة تنفيذ العق، والتغاضي عن الشبهة التي تحوم حوله، وتفادي الضجّة التي أثارها قرار فسخي له، إلاّ أنّني مارست واجبي، كوزير حارس لحقوق الدولة والخزينة، وفسخت العقد لاشتباهي بشروطه وظروفه وموضوعه، ولوقف صفقة مشبوهة أدّت إلى هدر المال العام، وستؤدّي إلى استمرار هذا الهدر. وبدلاً من أن يُسجّل لي هذا الموقف، أجد نفسي على مقعد المتّهمين بالإخلال بواجباتي الوظيفيّة، وهو ما لا أقبل به أو أسكت عليه لعدم صحّته وقانونيته، وأنتظر من هيئتكم الكريمة تصحيح هذا الخطأ لئلا أكفر بدوري بالمروءة…”.

ردّ الوزير حرب على تقرير ديوان المحاسبة تحت الرقم فـي القضية رقـم الأســاس: 15/2023 – مؤخرة – موظفين، رقـــــــــــــم القــــــــــــــــرار : 11/ رق/ غ2 موقت 4/5/2023 المتعلق بالصفقات:
1-إستئجار شركة ميك (2) المملوكة من الدولة لمبنى قصابيان (الشياح) دون إشغاله بتاتاً.
2-إستئجار شركة ميك (2) لمبنى الباشورة ( البلوكين B وC ) ومن ثم شراءه بتكاليف عالية دون ان تتملكه.

وجاء في ردّ حرب: “مضمـون القـــــــــــرار:

“​1- في عرض موجز للوقائع :

​أنّ الوزير صحناوي قد امتنع عن دفع بدل إيجار السنة التعاقديّة الثالثة دون أيّ مبرّر، كما لم يتّخذ موقفاً من طلب شركة ” ميك 2 ” ( تاتش ) صرف مبلغ يفوق أحد عشر مليون دولاراً أميركياً لتجهيز المبنى الجديد، ما أثار استغرابي وعزّز شكوكي حول الأمر.

استدعيت رئيس مجلس إدارة الشركة آنذاك لاستيضاحه حول هذا العقد، ففوجئت به يتنصّل منه، ويبلغني أنّه لم يوقّعه، بل وقّعه كلّ من وائل أيوب وشربل قرداحي، وأنّه سيتقدّم باستقالته من الشركة.

تبيّن لي أنّ وراء عمليّة إستئجار المبنى دوافع وأهدافاً تتناقض ومصلحة الدولة، وتسبّب بهدر المال العام، فقرّرت ممارسة حق الوزارة، المنصوص عنه في عقد الإيجار المعقود لعشر سنوات، بفسخ العقد في نهاية السنة الثالثة لاقتناعي بأنّ ” إستئجار المبنى خطأ فادح، وأنّ كلفة الانتقال إليه وهو بناء قديم العهد، سيكلّف الخزينة أموالاً طائلة، وأنّه غير صالح للإستعمال للغاية التي تمّ استئجاره من أجلها، وأنّه لم يعد بالضرورة الملحّة بعد استئجار شركة ” ميك 2 ” ( شركة زين ) لطابقين في مركز بيروت الرقمي” B.D.D “.

طلبت إلى فريق العمل الذي يعاونني متابعة التحقيق في الأمر لتحديد هويّة المسؤولين عن هذا الهدر، إلاّ أنّ فريق العمل لم يتمكّن من كشف الملابسات بالنظر لعدم تمتّعه بصلاحيات استجواب المشتبه بهم، ولاسيّما غير الموظّفين أي الوزير صحناوي ومعاونيه الذين تركوا الوزارة معه، ما دفعني اللجوء إلى القضاء المختصّ ( النيابة العامّة الماليّة) طالباً إليه إجراء تحقيق حول هدر في المال العام ، فوجّهت، بتاريخ 12/10/2015، كتاباً إلى النائب العام المالي، طلبت فيه إجراء تحقيق في معلومات تتعلّق بهدر المال العام ، وكشف أيّ طرف أو فئة أو شخص يمكن أن يكون قد تورّط أو اشترك أو ساهم فيه، وأودعته كامل الملفّ مع موجز عن محتواه ومراحله، وإثر كشف دار الهندسة على المبنى، تبيّن وجود عيوب في متانة المبنى، وأنّه غير صالح، في حالته الحاضرة، لإنتقال شركة ” ميك 2 ” ( Touch ) ومعدّاتها الثقيلة إليه، وأنّه بعد مفاوضات طويلة تمّ الإتّفاق بين الشركة ومالك المبنى على إعادة تأهيله وتقاسم كلفته، التي حُدّدت بمبلغ مليون ونصف مليون دولار أميركي. عادت الشركة وطلبت إلى الوزير صحناوي الموافقة على تخصيص مبلغ إضافي يتجاوز الأحد عشر مليون دولاراً أميركياً، من أجل متابعة الأشغال في البناء وتجهيزه، فتريّث الوزير صحناوي في الموافقة تاركاً أمر الموافقة أو الرفض للوزير الذي سيخلفه.

وأرفقت الطلب بصورة عن كلّ المستندات المتعلّقة بالقضيّة التي بحوزة وزارة الاتّصالات، وطلبت إجراء التحقيق الكامل والوافي للتوصّل إلى معرفة ما إذا كان قد حصل هدر للمال العامّ، وتحديد الشخص أو الجهّة التي أقدمت أو اشتركت أو تدخلت في هذا الهدر واستفادت منه، وختمت الطلب بالإعراب عن استعداد الوزارة لتقديم أيّ مستند آخر قد يراه النائب العامّ المالي ضرورياً لاستكمال النظرة الشاملة إلى الملف.

​إلاّ أنّ النائب العام المالي المفترض فيه، تولّي مهام الملاحقة في جرائم إختلاس الأموال العموميّة (مادة 18)، أصدر بتاريخ 30/12/2015 قراراً بحفظ الأوراق، دون أن يبلّغنا إيّاه أو بمضمون التحقيقات التي يفترض أن يكون قد قام بها. وتبيّن لي لاحقاً، وبعد تركي وزارة الإتّصالات، وبعد صدور قراركم المؤقّت موضوع هذه المذكّرة، أنّ حضرته قرّر دعوة الوزير السابق نقولا الصحناوي للإستماع إلى إفادته بتاريخ 26/10/2015، حسب ما ورد في المحضر التأسيسي للتحقيق، وأنّه، لسبب بقي مجهولاً !!!؟ صرف النظر عن الاستماع إليه، وتجاوز عدم إنعقاد الجلسة دون أيّ تبرير، وحتى دون ذكر عدم حصول الجلسة وعدم حضور الوزير صحناوي، واكتفى بالاستماع شكليّاً إلى إفادة صاحب المبنى وإلى إفادة شربل قرداحي، أحد موقّعي عقد الإيجار في 29/12/2015، وقرّر حفظ الأوراق.

​في ضوء ذلك لا بدّ من طرح التساؤلات والشكوك العديدة حول سلوكيّة النائب العام المالي، الذي قرّر بصورة مستغربة كلّياً، حفظ الأوراق دون التحقيق فيها، ولأسباب لا تمتّ بعلاقة إلى خطورة الجرم المطلوب التحقيق في حصوله.

​أمّا المضحك المبكي في هذه القضيّة، هو ما طرأ من أمور نقتصر على ذكرها بإيجاز. فجأة، وبتاريخ 9/3/2021، قرّر حضرة النائب العام المالي التوسّع بالتحقيق، دون ذكر الأسباب التي دفعته إلى ذلك، وطلب إليّ الحضور للإستماع إلى إفادتي في القضيّة بتاريخ 20/2/2021. استمعت المحامية العامّة الماليّة الرئيسة دوره الخازن إليّ، واستوضحتني حول قضية مبنى قصابيان، والظروف التي دفعتني لفسخ عقد الإيجار، وعمّا إذا كنت قمت باستئجار مبنى بديل لشركة ” ميك 2 “، فنفيت الأمر لأنني لم استأجر أيّ مبنى بديل، فسألتني حضرة المحامية العامّة الماليّة عمّا إذا كنت قمت باستئجار مبنى آخر في محلّة السوديكو تملكه زوجتي، أو تملك فيه أسهماً، وهو ما زعمه صاحب مبنى قصابيان ، فأكّدت لها أنّني لم أستأجر أيّ مبنى بديل للشركة من ناحية، وأنّ زوجتي لا تملك بناء في منطقة السوديكو أو تملك أيّ أسهم في بناء في تلك المنطقة. وأعربت عن رفضي للإنهيار الأخلاقي لصاحب المبنى ومحاولته التشكيك في دوافعي لفسخ العقد.

أحيل الملفّ إلى حضرة قاضي التحقيق الأوّل في بيروت في 17/11/2020 مع إدّعاء على موقّعي العقد، فاستدعاني للإستماع إلى إفادتي ، فأدليت بالمعلومات المتوفرة لديّ، وفوجئت أيضاً، بقراره الذي قضى، خلافاً لمطالعة النيابة العامّة الماليّة، بمنع المحاكمة عن وائل أيوب وشربل قرداحي وكلود باسيل، واعتبار المسؤوليّة الجزائيّة عن الأفعال المدعى بها تقع على عاتق شخص وزير الاتّصالات، دون تحديد أيّ وزير للإتّصالات !!!، وإعلان عدم صلاحيّة القضاء العدلي لملاحقة وزير الإتّصالات المسؤول ( دون تحديد هويته أيضاً !!!) سنداً للمادة /70/ من الدستور، وإحالة نسخة عن الملفّ إلى الأمانة العامّة لمجلس النوّاب لاتخاذ القرار المناسب بشأن ملاحقة الوزيرين نقولا صحناوي وبطرس حرب، أو عدم ملاحقتهما، أو ملاحقة أحدهما، بجرم هدر المال العام !!!

وكانت المفاجأة الأخيرة صدور قراركم المؤقّت بتاريخ 4/5/2023 موضوع هذه المذكّرة، والذي استند، بكلّ أسف، إلى معلومات ناقصة ومشوّهة، ما يستدعي إعادة النظر فيه والعودة عنه للأسباب القانونيّة الآتية :

2- فـــي القـــانــــون:​

​2- 1- مــلاحظــة أوليّــــة:

على الرغم من تحفّظي ورفضي لمضمون القرار، لا بدّ لي من تسجيل إيجابية إخراج إسمي من لائحة من تسبّبوا بهدر المال العام في قراركم، وذلك بتأكيد ، أنّني، بفسخ عقد الإيجار. وضعت حدّاً للهدر الحاصل نتيجة صفقة مبنى قصابيان.
​​
2- 2- في عدم مخالفتي للقانون :

​من العودة إلى قانون تنظيم ديوان المحاسبة الصادر بالمرسوم الإشتراعي رقم 82/83، يتبيّن أنّ المادة الأولى منه تولي ديوان المحاسبة صلاحيّة السهر على الأموال العموميّة ومحاكمة المسؤولين عن مخالفة القوانين والأنظمة المتعلّقة بها، وتنص المادة /60/ من القانون على الآتي :

​” يعاقب… كلّ موظف ارتكب أو ساهم في ارتكاب إحدى المخالفات الواردة في هذه المادة…..:
​… /8/ – ارتكب خطأً أو تقصيراً أو إهمالاً من شأنه إيقاع ضرر مادي بالأموال العموميّة أو بالأموال المودعة في الخزينة.
​… /10/ – خالف النصوص المتعلّقة بإدارة أو استعمال الأموال العموميّة أو الأموال المودعة في الخزينة.”

​ويتبيّن من البند الذي حمّلني المسؤوليّة في القرار رقم /11/ أنّه ينسب إليّ ” أنّني اكتفيت باتّخاذ قرار بفسخ عقد الإيجار على خلفيّة معلومات وصلتني عن وجود صفقة مشبوهة .

​”ورغم علمي الواضح بحصول هدر للمال العام، فأنّني لم أتّخذ أيّ إجراء لاسترداد المال المهدور، علماً أنّ واجبي الدستوري ( المادة 66 من الدستور اللبناني) يرتّب عليه ليس فقط وضع حدّ للهدر الحاصل بنتيجة الصفقة إنما أيضاً متابعة محاسبة الجهّات والأشخاص أمام القضاء المختصّ الذين تسبّبوا بهذا الهدر
من دون أن أتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامّة الماليّة، كأن أطلب التوسّع في التحقيق مع إرسال ما لديّ من مستندات وتقارير من شأنها جلاء العديد من الملابسات المحيطة بالصفقة “.

​فتعليقاً على هذا الإتّهام، أدلي بما يلي:

2- 2- 1- في عدم “علمي الواضح والأكيد ” بحصول جرم هدر للمال العام وهويّة مرتكبيه:

​أكرّر القول، بأنّه عند تولّيي وزارة الإتّصالات، ورد في في أكثر من إتصال حول وجود شبهة حول عقد إيجار مبنى قصابيان، وأنّني لم أكن أملك معلومات أكيدة ودامغة وواضحة عن حصول جرم هدر المال العام، وأنّني، في دراستي للملفّ، ولظروفه وشروط العقد وحالة المبنى، تولّد لديّ شكّ جدّي حوله، دفعني لاعتبار توقيع العقد ومتابعة تنفيذه خطأً فادحاً، فاتّخذت القرار بفسخ العقد، ممارسة لحقّ الوزارة في الفسخ عند إنتهاء السنة الثالثة الوارد في عقد الإيجار، وأوقفْت هدر المال العام.

​بالإضافة إلى ذلك، لم أكتفِ بقرار الفسخ، بل اتّخذت الإجراء القانوني الجدّي والضروري للتحقّق من وقوع جرم هدر المال العام، وفي حال ثبوته وبيان هويّة مرتكبيه، العمل على استرداده من أيّ جهّة أو شخص كان، ومارست واجبي الدستوري والقانوني في إدارة مصالح الوزارة المنوط إدارتها بي، وطبّقت، بحِرَفِيّة القانوني والمحامي، الأحكام القانونيّة الواجب تطبيقها، وحاولت حماية حقوق الدولة من جهّة، وممارسة صلاحيّاتي كخصم شريف لكلّ من له علاقة مع الدولة من جهّة ثانية.

​ومن المستغرب ما ورد في القرار رقم /11/ حول هذا الأمر، إذ كيف يمكن لي إتّخاذ إجراء لاسترداد المال المهدور، قبل ثبوت حصول جرم هدر المال العام، وممّن، قبل تحديد هويّة هادر المال العام، وهو ما دفعني، بعد أن عجزت عن توفير الأدلّة الدامغة على حصول الجرم ومرتكبيه من الملفّ، إلى توجيه طلب إجراء تحقيق في الملفّ من قبل القضاء المختصّ، أي النيابة العامّة الماليّة، التي تتمتع بكلّ الصلاحيات للتحقيق والاستجواب والتوقيف والتدقيق.

​أمّا لماذا لم أتّخذ أيّ إجراء إضافي بعد حفظ الإخبار من قبل النيابة العامّة، فبكلّ بساطة، لأنّ النائب العام لم يبلّغني بقرار حفظ الأوراق، ولم أعلم بصدوره إلاّ بعد تركي وزارة الإتّصالات وتعيين وزير بديل، ولم أتصوّر يوماً أنّ النائب العام المالي سيتعامل بخفّة مع الملفّ، وسيكتفي بأخذ إفادتيْ شخصين مشبوهين، دون التدقيق في صحّة أقوالهما، ودون الاستماع إلى المعني الأساسي في الملفّ الوزير صحناوي، وبالتالي لفلفة الملفّ دون استكمال التحقيقات الجدّية لمعرفة الحقيقة حول حصول، أو عدم حصول، جرم هدر المال العام واختلاسه.

​فإذا كان هناك من خطأ أو تقصير أو إهمال في هذه القضيّة، فمصدره ومرتكبه هو النائب العام المالي بالذات، وليس من طلب منه إجراء تحقيق جدّي في ملف استئجار المبنى، ومع المسؤولين عن توقيع عقد الإيجار، وأنّه ليس من العدل والإنصاف استبدال مسؤوليّة النائب العام المالي وإلقائها على عاتقي، فهو الذي قصّر وامتنع عن ممارسة واجباته في كشف الحقيقة حول حقيقة هدر المال العام وهويّة مرتكبيه وإحالة الجهّات والأشخاص أمام القضاء المختصّ لمحاسبتهم واسترداد المال المختلس من المال العام منهم. وإذا كان من جهّة ارتكبت ما يُنسب إليّ ويجب اعتباره مسؤولاً فهو النائب العام المالي بالذات.

​في الخلاصة أنّ ما نسبه القرار رقم /11/ إليّ من مسؤوليّة في غير محلّه القانوني، ويستوجب إعادة النظر فيه وإعلان عدم مسؤوليّتي في هذه القضيّة.

​2- 3- في قيامي بكامل موجباتي الوزاريّة حسب أحكام المادة /66/ من الدستور:

​تنصّ الفقرة الثانية من المادة /66/ دستور على ما حرفيّته :

​” يتولّى الوزراء إدارة مصالح الدولة ويُناط بهم تطبيق الأنظمة
​والقوانين كلّ بما يتعلّق بالأمور العائدة إلى إدارته وبما خصّ به…”

​ما يعني إدارة الوزير لمصالح الوزارة التي يتولاّها بروحيّة الأب الصالح الحريص على حقوق الدولة وعلى منع الأضرار بها، وتطبيق القوانين لحماية هذه الحقوق أمام القضاء المختصّ.

​ولما كانت ظروف عقد الصفقة قد أثارت الشبهات لديّ حول حصول هدر للمال العام، ولم تبلغ درجة ” العلم الأكيد والواضح ” بالهدر، كما ورد في قراركم، وتحديد مرتكبيه للإدعاء عليهم مباشرة، قمت بتقديم طلب إجراء تحقيق من القضاء لكشف الهدر من جهّة وهويّة من تسبّبوا به، لملاحقتهم تحديداً، تفادياً لتقديم إدعاء بحق شخص أو أشخاص بارتكاب جرم هدر المال العام والرشوة دون أن يكون الفعل ثابتاً وأكيداً والتعرّض لإدّعاءات مقابلة بالإفتراء والذمّ والقدح.

​ولما كنت، في ما قمت به، حرصت على تطبيق القانون والأنظمة المتعلّقة بوزارة الإتّصالات، ورفضت تحويل الملاحقة القضائيّة من ملاحقة جدّية إلى معركة ” دنكيشوتيّة ” أو سياسيّة، ولاسيّما أنّ الوزير صحناوي ومعاونيه، الذين كانوا وراء الصفقة، ينتمون إلى تكتّل سياسي أعارضه الرأي والمسلك.

​ما خلاصته أنّني، لدى شكّي في ما جرى في ملف مبنى قصابيان، طلبت إلى النيابة العامة الماليّة ، ذات الصلاحيّة القضائيّة في استدعاء أي شخص والتحقيق معه، وضع يدها على ملفّ القضيّة للتحقيق فيها لبيان صحّة أو عدم صحّة هدر المال العام وتحديد هويّة مرتكبيه وملاحقتهم، على أن أتابع ملاحقة ومحاسبة الجهّات والأشخاص، الذين تدلّ التحقيقات على أنّهم تسببّوا بالهدر، أمام القضاء المختصّ، وهو ما لم يحصل، بسبب إمتناع النائب العام المالي عن القيام بواجباته في التحقيق الجدّي واكتفائه بتحقيق شكلي، وإصدار قراره غير المعلّل بحفظ الأوراق.

​فالوزير ليس محقّقاً أو نائب عام أو قاضي تحقيق، وقد قمت بواجبي في تزويد النيابة العامة بكلّ المعلومات والمستندات المتوفّرة في الوزارة حول الملف، إلاّ أنّ حضرة النائب العام المالي، ولأسباب غير معروفة وبعيدة عن الملفّ ومشكوك في خلفيّاتها، قرّر الإهمال وعدم التحقيق وصرف النظر عن الاستماع إلى الوزير صحناوي ومعاونيه والمسؤولين في شركة ” ميك 2″ Touch) ) وحفظ الأوراق،وقمت بذلك بكلّ الموجبات المترتّبة عليّ كأب صالح حريص على حماية المال العام ووقف الاعتداء عليه، ما يدفعني إلى استغراب ما ورد في القرار رقم /11/ المؤقت الصادر عن غرفتكم.
​2- 4- في معاقبة رئيس مجلس إدارة ” ميك 2 Mic 2″ إثر مخالفته لموقفي:

​عينت شركة “زين” السيد بيتر كاليوبولوس اليوناني الجنسية رئيساً جديداً لمجلس إدارة شركة ” ميك 2 Mic 2″. لم يمرّ وقت طويل حتى بدأ السيد كاليوبولوس مطالبتي بالعودة عن قرار فسخ عقد إيجار مبنى قصابيان، ما أثار استغرابي، ودفعني إلى التواصل مع رئيس مجلس إدارة شركة ” زين ” السيد بدر الخرافي طالباً إليه استبدال رئيس مجلس الإدارة لتعارض توجّهه مع توجّه الوزارة، ورفضي التعاون معه لعدم ثقتي به، وهدّدته بفسخ عقد الإدارة معهم إذا لم يستجيبوا لطلبي، وقرّرت رفض الاجتماع بالسيد كاليوبولوس ، خاصة بعد أن بلغني إقدامه على التواصل مع مالك البناء، وإبلاغه سعيه لتعديل موقف الوزير بفسخ العقد، ودعوت السيد خرافي إلى إجتماع طارئ أبلغته فيه رفض الوزارة التعامل مع شركة “ميك 2 “، إذا لم تعاقب السيد كاليوبولوس وتطرده من الشركة، وتعيّن شخصاً بديلاً، كما وجّهت إليه كتاباً أؤكّد فيه على قرار فسخ عقد الإيجار، ما دفع الشركة إلى طرد السيد كاليوبولوس وتعيين السيد الخرافي شخصيّاً رئيساً لمجلس إدارة شركة ” ميك 2 Mic 2″، وذلك خلافاً لما ورد في القرار المؤقّت موضوع هذه المذكّرة، من ” أنّه لم يثبت إتخاذي أيّ إجراء بحق الشركة المشغّلة عن قيام رئيس مجلس إدارة شركة ” ميك 2 Mic 2″ المعيّن السيد بيتر كاليوبولوس بالرجوع عن قرار فسخ عقد الإيجار وإلزامها في تحمّل أي ضرر قد ينتج عن تصرّف ممثلها المذكور…”

هذا مع العلم أنّ لا قيمة قانونية ملزمة لما قام به رئيس مجلس الإدارة المخالف لقراري، ولا نتائج مضرّة قانونياً يمكن أن يولّدها تصرف ممثلها.

​3- في معنويات القضية:

​في الخلاصة يؤسفني ويؤلمني إلى حدّ المرارة، أن يرد إسمي في لائحة الوزراء الذين تحوم حولهم الشبهات، ولاسيّما أنّني، أتعاطى الشأن العام منذ أكثر من أربعين سنة، قضيتها في خدمة بلدي، محترماً نفسي أولاً، ملتزماً مبادئ النزاهة ونظافة الكفّ وما يمليه عليّ الواجب والضمير، وعدم توقيع أي قرار مخالف للدستور والقوانين.

​لقد تولّيت وزارات عديدة، أدرتها وفق أحكام الدستور والقانون، ولم أرتكب مخالفة واحدة فيها، ما تسبّب لي بعداوات عديدة لعدم مراعاتي لأيّ إعتبار شخصي أو عائلي أو عاطفي أو حزبي أو طائفي، ولست نادماً على أيّ فعل أو عمل قمت به طيلة ممارستي لمسؤولياتي العامة، واعتبر أنّ ما طاولني من إتّهام في هذا الملف مخالف للمنطق والعقل والقانون، ويذكّرني بقصّة ذاك الفارس العربي الذي كان يمتطي حصانه في الصحراء، ووجد شخصاً مفترشاً الأرض جائعاً عطشاناً مريضاً، فأشفق عليه، وترجّل عن حصانه وساعده في ركوب حصانه ، وما كاد ” الجائع ” يركب على الحصان حتى فرّ به تاركاً الفارس في وسط الصحراء، ما دفع هذا الأخير لمناداته قائلاً : ” بالله عليك خذ الحصان وما عليه، لكن استحلفك بالله ألاّ تخبر أحداً بما جرى لئلاّ يكفر الناس بالمروءة “.

​نعم أيّها السادة، تسلّمت وزارة الإتّصالات وكان بإمكاني متابعة تنفيذ العقد، والتغاضي عن الشبهة التي تحوم حوله، وتفادي الضجّة التي أثارها قرار فسخي له، إلاّ أنّني مارست واجبي، كوزير حارس لحقوق الدولة والخزينة، وفسخت العقد لاشتباهي بشروطه وظروفه وموضوعه، ولوقف صفقة مشبوهة أدّت إلى هدر المال العام، وستؤدّي إلى استمرار هذا الهدر. وبدلاً من أن يُسجّل لي هذا الموقف، أجد نفسي على مقعد المتّهمين بالإخلال بواجباتي الوظيفيّة، وهو ما لا أقبل به أو أسكت عليه لعدم صحّته وقانونيته، وأنتظر من هيئتكم الكريمة تصحيح هذا الخطأ لئلا أكفر بدوري بالمروءة، ولئلا ” تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين”، كما جاء في الآية القرآنيّة الكريمة”.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى