مقالات

المسابح الشعبية… متنفّسٌ في أيام الصيف

ليس لفقراء طرابلس وجوارها إلا الشواطئ متنفّساً في أيام الصيف والحرّ. يقصد هؤلاء تحديداً الشاطئ في الميناء، ولا سيما في منطقة رأس الصخر، إلى جانب تلك الأماكن البحرية في القلمون وما بعدها، والتي لم توضع اليد عليها بعد من بعض الجهات التي حوّلت البحر أملاكاً خاصة بإنشاء مسابح ومنتجعات وفرض رسوم على دخولها.

مع بداية موسم الصيف، ولأنّ طرابلس تعاني شدّة الحرّ والرطوبة، وبسبب ارتفاع تكلفة الكهرباء التي تحول دون تشغيل المكيّفات، يلجأ ميسورو الحال إلى المنتجعات في القلمون القريبة أو في مناطق شكا والهري. بيد أنّ غير الميسورين، أي فقراء المدينة، ليس أمامهم إلا شاطئ الميناء، مكاناً للسباحة ولتمضية بعض الوقت بعيداً عن جو الحرّ ومن دون دفع تكاليف مادية مقابل ذلك.

حركة واسعة وغير مسبوقة لهذا الموسم لم تشهدها المنتجعات الشمالية على طول الشاطئ من القلمون وحتى البترون أقلّه منذ 5 سنوات، حيث يتراوح رسم الدخول إليها ما بين 7 و 15 دولاراً، ناهيك عن أنّ الطلبيات فيها مسعّرة بالدولار. بالتأكيد ليس بمقدور الفقراء دفع هذه المبالغ، وبالتالي فإن الشاطئ أو ما يطلق عليه اصطلاحاً المسابح الشعبية هي مقصدهم الوحيد للإستجمام.

ليس فقراء طرابلس وحدهم على هذا الشاطئ، بل ينضم اليهم النازحون السوريون وأطفالهم، فهم يتواجدون على كورنيش الميناء باستمرار، خصوصاً السبت والأحد، لذلك لهم حصتهم على البحر. ولا يأبه هؤلاء (لبنانيون وسوريون) لغياب شروط السلامة العامة على طول الشاطئ التي قد تتسبّب في غرق أحدهم، ولا لارتفاع منسوب التلوث بسبب مياه الصرف الصحّي التي تصب في مجرى البحر ناهيك عن الأوساخ أيضاً.

مهدي الحاج، مواطن طرابلسي من منطقة القبة صادفناه على الشاطئ، كان يشعل نرجيلته قبل أن يمدّ بساطاً لمشاهدة زوجته وأولاده يسبحون قبالته، يقول: «في كل دول العالم يكون البحر ملكاً للناس لا لأشخاص محدّدين، إلا في لبنان. الدولة جعلتنا أمواتاً في هذا البلد أينما كنّا. في المنزل غير قادرين على إشعال ضوء أو تشغيل مكيّف، وبالأحرى ليس لدينا مكيّف لنشغّله أو كهرباء. نعيش أسوأ الأوضاع والأطفال يريدون السباحة هرباً من الحرّ، وليس لنا الا هذه الأماكن نرتادها، فنحن يحقّ لنا أن نعيش أجواء الصيف ولا نستطيع الدفع بالدولار لندخل المسابح الخاصة، وقد باتت حكراً على الطبقة الغنية في البلد. فهل الصيف للأغنياء، أما الفقراء فيكتوون في منازلهم من الحرّ؟ نحن يحق لنا أن نعيش كغيرنا أيضاً».

وإلى السباحة في المساحة المائية من الشاطئ التي لم تستغلّ بعد بأي مشروع سياحي أو منتجع، هناك مكانٌ لصيادي الأسماك بالصنارة، وقد جعلوا من الصخور الكبيرة كرسياً لهم يجلسون عليه لرمي صنانيرهم علّها تعود ببعض السمك فيؤمّنون وجبة طعام أصبحت اليوم حلماً لدى كثيرين لارتفاع أسعارها.

فبالرغم من التعدّيات والقضم، لا يزال البحر يشكّل ملاذ الفقراء قبل أن يقضم المعتدون هذه المساحات بمشاريعهم الإسمنتية المحمية من أهل السياسة والمصالح والنفوذ.

المصدر
مايز عبيد - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى