إقتصادعربي ودولي

زلزالٌ جديد يُهدد أميركا… البنوك تتخلص من القروض لتفادي الإنهيار

تتزايد مؤشرات اقتراب الولايات المتحدة الأميركية كثيراً من أزمة رهن عقاري جديدة، تبدأ هذه المرة من العقارات التجارية قبل أن تمتد التصدعات إلى العقارات السكنية، ما يدفع العديد من البنوك الكبرى إلى بيع القروض التجارية بالخسارة حتى لو كان المدينون ملتزمين بالسداد.

وفي الوقت الذي سعت واشنطن جاهدة لاحتواء إفلاسات مصرفية بدأت في مارس/آذار الماضي بانهيار مدوٍ لبنك سيليكون فالي تبعه تساقط عدة بنوك بفعل تداعيات رفع أسعار الفائدة، فإن الخطر التالي الذي يلوح في الأفق على البنوك يأتي من سوق العقارات التجارية البالغة 20 تريليون دولار، والتي تشهد أسعارها تراجعاً لافتاً بينما تقدر محفظة قروض هذه النوعية من العقارات ومستحقة السداد قبل عام 2025 بحوالي 1.5 تريليون دولار، وهي قنبلة موقوتة محتملة.

وبدأت بعض البنوك تحركات لبيع قروض العقارات التجارية بحسم حتى لو كان المقترضون ملتزمين بآخر أقساط السداد، في إشارة إلى تصميمهم على تقليل التعرض لسوق العقارات التجارية المترنح.

ويقوم بنك “أتش أس بي سي” ببيع مئات الملايين من الدولارات من القروض العقارية التجارية، ومن المحتمل أن يكون ذلك بحسم، كجزء من محاولة لإنهاء الإقراض المباشر لمطوري العقارات الأميركيين، وفقاً لما نقلت صحيفة فايننشال تايمز البريطانية، عن ثلاثة أشخاص مطلعين على الأمر.

في غضون ذلك، باعت مؤسسة PacWest المصرفية ومقرها لوس أنجلس في مايو/ أيار الماضي 2.6 مليار دولار من القروض العقارية بخسارة، وفق الصحيفة البريطانية.

وتعمل مجموعة من البنوك الأخرى على تسهيل تنفيذ مبيعات مماثلة في المستقبل من خلال تغيير طريقة حساب ديون العقارات التجارية. وعادة ما تحجم البنوك عن بيع القروض طالما أن المقترضين يسددون في الوقت المحدد. لكن البعض اقتنع بضرورة أخذ زمام المبادرة هذه الفترة وسط مخاوف من زيادة حالات التأخر في السداد.

وقال تشاد ليتيل، المحلل في CoStar، وهي شركة أبحاث تركز على العقارات التجارية: “حقيقة أن البنوك ترغب في بيع القروض تأتي في كثير من المحادثات.. أسمع عنها هذه الفترة أكثر من أي وقت على مدار عقد”.

صدمات متتالية تمهد لزلزال العقارات
تعرّض قطاع العقارات التجارية في الولايات المتحدة، خلال الأعوام القليلة الماضية إلى عدد من الصدمات المتتالية، لا سيما في أعقاب جائحة فيروس كورونا وتراجع الطلب على المساحات المكتبية، وما تبعها من تباطؤ الأنشطة بفعل تدعيات رفع أسعار الفائدة من قبل البنك الفيدرالي لكبح التضخم وتبعات الحرب الروسية في أوكرانيا.

كما تعرض القطاع لضربة قوية فاقمت المشاكل، بعد انهيار بنوك “سيليكون فالي” و”سيغنيتشر” و”فيرست ريبابليك” خلال الأشهر الماضية، ما أثار مخاوف بشأن البنوك الإقليمية الأخرى في الولايات المتحدة والتي تمثل الجزء الأكبر من القروض العقارية التجارية.

وفي وقت سابق من يونيو/حزيران الجاري، حذر مارتن غرونبرغ، رئيس المؤسسة الفيدرالية للتأمين على الودائع، من أن القروض العقارية، وخاصة التجارية، تواجه تحديات “إذا ظل الطلب ضعيفاً واستمرت القيم في التراجع”، مضيفا “ستكون هذه مسائل ذات اهتمام إشرافي مستمر من قبل مؤسسة تأمين الودائع الفيدرالية”.

وعززت تغريدة للملياردير المثير للجدل إيلون ماسك، مخاوف البنوك من الرهون العقارية، إذ كتب على تويتر مطلع الشهر الجاري، أن العقارات التجارية سوف تنهار سريعاً، وبعد ذلك قيم المنازل.

وجاءت تلك التغريدة رداً على ما كتبه ديفيد ساكس مؤسس شركة إدارة رأس المال المخاطر “كرافت فنتشرز” بأن جزءاً كبيراً من ديون العقارات التجارية سيحين موعد استحقاقه قريباً.

وفي السابق حذر ماسك من أن العقارات التجارية هي أخطر قضية تلوح في الأفق إلى حد بعيد، وحذر من أن البنوك الإقليمية قد تواجه موجة من التخلف عن السداد بسبب تعرضها الضخم للقطاع.

في الأثناء، أخبر تشارلي شارف، الرئيس التنفيذي لبنك Wells Fargo، أحد أكبر البنوك الأميركية ولديه أعمال في مختلف بقاع العالم، المحللين والمستثمرين، هذا الأسبوع، أن البنك، الذي لديه 142 مليار دولار من القروض العقارية التجارية القائمة، “سيشهد خسائر بفعل تعرضه لهذه القروض”.

كما تعمل البنوك الأخرى على تغيير طريقة حسابها للقروض عن طريق تبديل تصنيفها إلى “متاح للبيع” بدلا من “الاحتفاظ حتى الاستحقاق”، وهي خطوة تسهل التخلص من هذه النوعية من الديون باستمرار.

ووصفت صحيفة بوليتيكو الأميركية، القروض العقارية بأنها ” قنبلة موقوتة تهدد الاقتصاد الأميركي”، مشيرة في تقرير لها، يوم الإثنين، إلى أن 70% من الرهون العقارية التجارية المملوكة للبنوك موجودة في الميزانيات العمومية للمقرضين الإقليميين والأصغر، لذا فإن شطب القروض التجارية يمكن أن يسبب مشكلة كبيرة للنظام المالي وينتشر في الاقتصاد الأكبر.

وأضافت أنه “مع اتجاه البلاد نحو ركود محتمل، فإن النظام المالي معرّض بشكل خاص للصدمات كما أظهر الاضطراب الذي أحدثه انهيار ثلاثة بنوك إقليمية، وستكون إضافة شريحة سوق العقارات التجارية إلى هذا المزيج محفوفة بالمخاطر بشكل خاص”.

وتابعت أن صناع السياسة الفيدرالية رفعوا في مايو/أيار الماضي أسعار الفائدة للمرة العاشرة على التوالي، بمقدار ربع نقطة مئوية، مما زاد من الضغط على كل من صناعة العقارات وعلى البنوك.

وعندما بدأ البنك الفيدرالي دورة التشديد النقدي من خلال رفع أسعار الفائدة اعتبارا من مارس/آذار 2022 تصاعدت أعباء الرهن العقاري، وتبع ذلك تباطؤ في مبيعات العقارات وانخفاض الأسعار.

وفي تقييم أجراه بنك الاستثمار الأميركي مورغان ستانلي لسوق العقارات التجارية، توقع البنك انخفاض تقييمات العقارات المكتبية والمستخدمة في البيع بالتجزئة بنسبة 40% لتهوي بها من الذروة إلى القاع، ما يزيد من خطر التخلف عن سداد القروض.

تحذيرات من “لحظة مينسكي”
ويبدو المشهد أكثر تشاؤماً، بحسب لودوفيك سوبران، كبير خبراء الاقتصاد لدى شركة “أليانز” العالمية وهي واحدة من أكبر شركات التأمين والاستثمار التى تقدم الخدمات المالية لأكثر من 85 مليون عميل من الأفراد والشركات حول العالم، حيث قال إن على المستثمرين أن يستعدوا لعمليات تصحيح في الأسواق العالمية تستمر لأشهر، يتخللها تهديد بحدوث “خضة مالية” جديدة.

وقال سوبران لتلفزيون بلومبيرغ الشهر الماضي: “لدينا كل المقومات لما يسمى (لحظة مينسكي)”، في إشارة إلى وصف الاقتصادي هايمان مينسكي للانخفاض الحاد في أسعار الأصول بعد تراكم الديون. وأوضح أن “العقارات التجارية تعتبر الحلقة المفرغة التي تواجهها البنوك الإقليمية في الولايات المتحدة، وهي مصدر قلق”.

أضاف سوبران، الذي عمل سابقاً في البنك الدولي ووزارة المالية الفرنسية : “المشكلة التي تواجه الجميع حالياً هي التشديد النقدي المفاجئ للغاية، لكن هناك عاملاً إضافياً يتمثل في إدارة المخاطر بشكل خاطئ”. وتابع: “يمكن أن تحدث أزمة مالية جديدة بسبب القطاع المصرفي، وربما من جانب بعض صناديق التحوط المتخصصة للغاية في مجال العقارات التجارية، وقد تقع الأزمة نتيجة الأمرين معاً”.

وفي مسح للبنك الفيدرالي، الشهر الماضي، أشارت معظم المصارف إلى أنها بدأت تشديد القيود على قروض الرهن العقاري غير السكني ولا تنوي تخفيف تلك القيود قريباً، في حين أصبح بعض مقدمي القروض العقارية من البنوك والمؤسسات المالية يطالبون المقترضين بضمانات أخرى، مثل أصولهم الشخصية كضمان لقرض الرهن العقاري.

وبحسب مديرين للاستثمار، فإن بعض المناطق في الولايات المتحدة ستكون أكثر تضرراً من اندلاع أزمة رهن عقاري، خاصة المراكز الحضرية الكبيرة مثل سان فرانسيسكو ونيويورك.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى