مقالات

وسط أزمتها.. لماذا تصمت سلطات لبنان عن تهريب المحروقات لنظام الأسد؟

تستمر المافيات التابعة للنظام السوري وحزب الله اللبناني بعمليات تهريب المحروقات بطرق مبتكرة من لبنان إلى سوريا، في وقت يعاني اللبنانيون أمام المحطات للحصول على بعض ليترات من الوقود.

وتجري حركة التهريب المنظمة دون أي تحرك من السلطات اللبنانية، رغم حالة الغليان الشعبي المتصاعد والتحذير من انهيار الاقتصاد ودخول البلاد في فوضى؛ يكون المستفيد الأكبر منها قوى محسوبة على النظام السوري.

ويشهد لبنان منذ أواخر عام 2019 انخفاضا حادا في احتياطي العملات الأجنبية لدى “مصرف لبنان”، أدخلت البلاد في أزمة اقتصادية غير مسبوقة اجتاحت العملة المحلية بحيث لامس سعر صرف الليرة مقابل الدولار حاجز الـ 20 ألف ليرة في السوق الموازية (السوداء).

وانعكس ذلك بشكل مباشر على أسعار السلع الغذائية لتنفجر أزمة المحروقات وحتى الأدوية بوجه اللبنانيين، الذين بقيت قيمة ليرتهم الوطنية مستقرة لأكثر من 20 عاما عند حدود الـ1507 ليرات مقابل الدولار الواحد.

وهو ما دفع ساسة البلد إلى دق ناقوس الخطر، ودعوة رئيس حكومة تصريف الأعمال بلبنان حسان دياب المجتمع الدولي لإنقاذ بيروت، مطلقا تحذيرا بأن لبنان أصبح على “شفا كارثة”.

ولبنان بلا حكومة منذ استقالة حكومة حسان دياب عقب انفجار مرفأ بيروت 4 أغسطس/آب 2020، والذي أودى بحياة أكثر من 200 شخص وتسبب في إصابة الآلاف ودمر أحياء بأكملها في وسط العاصمة، ما أدخل البلاد مجددا بحالة من الجمود في العملية السياسية وعجز عن تأليف الحكومة.

ويهدد النقص الحاد في الوقود بشل قطاعات رئيسة في البلاد كالأفران والمخابز؛ نتيجة نفاد كل الاحتياط المدخرة من مادة المازوت، خاصة أن وزارة الاقتصاد اللبنانية رفعت سعر الخبز للمرة الخامسة خلال عام 2021.

وينظر الكثير من المراقبين إلى أن معاناة اللبنانيين باتت تختزل بالتهريب بوصفه واحدا من أكثر العوامل التي تستنزف البلاد؛ وتخلق أزمات قسرية نتيجة عدم استدراك الأمر ومعالجته بشكل عاجل.

الحاكم الفعلي

ومع حالة الاختناق في الشارع اللبناني والطوابير ونقص المواد الأساسية، يؤكد مراقبون لبنانيون أن من يمسك بزمام اللعبة بلبنان هو “حزب الله” حليف إيران؛ لأنه يعلم أن المشكلة الداخلية معقدة.

كما أنه عمليا ينفذ أجندة إيران الداخلة في مفاوضات فيينا حول برنامجها النووي مع القوى الدولية.

ولعل تعهد زعيم حزب الله اللبناني حسن نصر الله في كلمة تلفزيونية بتاريخ 8 يونيو/حزيران 2021 بـ “استيراد الوقود الإيراني في حال استمرار العجز في أنحاء البلاد”، يعتبر بمثابة حجر رمى به بإيعاز مباشر من طهران.

لكن الرد الأميركي على تصريحات نصر الله لم يطل حينما اعتبرت سفيرة واشنطن في بيروت “دوروثي شيا”، أن “هذا ليس حلا قابلا للتطبيق”.

وكشفت السفيرة في حديث لقناة الجديد المحلية قائلة: “إن ما تبحث عنه إيران هو نوع من الدولة التابعة التي يمكنها استغلالها لمتابعة أجندتها”.

وهذا ما أشار إليه رئيس تحرير موقع “قلم سياسي” الكاتب السياسي محمد صابونجي في تصريح لـ “الاستقلال” بقوله: “إن لبنان اليوم لا حكومة تحكمه سوى حكومة حزب الله الذي سلمه العهد الحالي حكم البلاد بشكل كامل”. ويعد تاريخ 6 فبراير/شباط 2006 من الأيام التي بدلت مسار السياسة اللبنانية، حيث دعم اتفاق “مارمخايل” الشراكة السياسية بين “حزب الله” الموالي لإيران والتيار الوطني الحر، وصول الرئيس الحالي ميشال عون لرئاسة لبنان مقابل توفير غطاء مسيحي لسلاح الحزب المقدم من طهران.ومنذ ذلك اليوم يعيش لبنان تداعيات ذاك الاتفاق لكون سلاح الحزب إلى جانب أنه غير شرعي ويشكل التهديد الأكبر على لبنان وجواره؛ يدعم مواقفه السياسية على الساحة الداخلية ويجعله حجر عثرة أمام تشكيل أي حكومة إلا بموافقته.وحول هذه الجزئية يذهب صابونجي للقول: إن اتفاقية “مارمخايل” هي من “أوصلت حزب الله إلى التحكم بمرافق الحكومة بشكل واسع وتحت غطاء الدولة اللبنانية”.ولا سيما أن إحدى أكبر الكتلتين النيابيتين في مجلس النواب هم حزب الله وأمل والتيار الوطني الحر وهذا ما يجعل الوزارات السيادية والمراكز الأمنية بيدهم، وفق تقديره.لذلك “لا أحد في لبنان اليوم بما فيهم حكومة لبنان قادر على لجم مافيات (رئيس النظام السوري بشار) الأسد المتمثلة بحزب الله والتيار العوني الذي أعطى الغطاء للحزب لتدخله في سوريا وقتل السوريين كذلك”.كما اعتبر صابونجي أنه “قبل وجود انتخابات جدية في لبنان ستبقى عمليات التهريب متواصلة من هناك إلى سوريا”.وألمح الكاتب اللبناني إلى أنه “بضياع هيبة الدولة اللبنانية وأخذ حزب الله لبنان إلى ما يريده من خلال نوابه في البرلمان والكتل التي يمثلها وحلفاؤه؛ تصبح مسألة تهريب المحروقات وحتى الأدوية والدولار من بيروت إلى سوريا أمرا سهلا”.معابر وأنابيبوكشفت وثيقة أمنية لبنانية عن وجود 136 معبرا غير شرعي على طول الحدود البرية مع سوريا، يتحكم بها مهربون ويتخصص بعضها بأنواع محددة من البضائع.لكن الدولة اللبنانية عاجزة عن التعامل مع هذا التهرب الجمركي نظرا لاستفحال وتنامي مافيات التهريب منذ أكثر من 25 عاما.ووفقا لتقرير صادر عن موقع “القوات اللبنانية” بتاريخ 18 يونيو/حزيران 2021 فإن كلفة تهريب المحروقات إلى سوريا تبلغ نحو ملياري دولار سنويا.ولفت إلى أن عمليات التهريب تتم بحماية من سماهم “قوى الأمر الواقع” (في إشارة إلى حزب الله).وبين أن عشرات السيارات “المفيمة” المحملة بعبوات البنزين تصطف على مسافة مئات الأمتار بعد نقطة المصنع الحدودية مع سوريا وفي وضح النهار وتعرض البنزين المهرب للبيع.وأكد الموقع أن عمليات تهريب البنزين لم تعد تقتصر على الصهاريج والسيارات الصغيرة مكشوفة الخلفية والتي يقودها أشخاص يتبعون لـ “مافيات التهريب”، بل وصل الأمر لدرجة قيام المهرب بملء سياراته بالبنزين والدخول بها إلى سوريا.وتؤكد مواقع لبنانية أن هؤلاء المهربين ينتمون لعائلات لبنانية محمية من قبل حزب الله وحركة أمل الذين يزودون النظام السوري بالوقود اللبناني.

ووضع موقع “القوات اللبنانية” علامات استفهام حول تواطؤ بعض السلطات المعنية مع المهربين. وحمل كذلك “الدولة بمختلف مواقعها ومسؤوليها ومؤسساتها المسؤولة عن هذه الجريمة الموصوفة بحق الشعب اللبناني”.ويرجع أصحاب المحطات والموزعين سبب أزمة المحروقات في لبنان إلى الطلب المرتفع في السوق مما يؤدي إلى تبخر الكميات التي تطرح.وأكدت مصادر لـ “الاستقلال” أن بعض نقاط المعابر بين سوريا ولبنان جرى ربطها بأنابيب لضخ الوقود المهرب والتقليل من استخدام الصهاريج.وأضافت المصادر أن غالب تلك المعابر يديرها حزب الله اللبناني على طرفي الحدود وخاصة في منطقة القلمون بريف دمشق، حيث تجني المليشيا أموالا من تجارة المحروقات، هذا فضلا عن سد حاجتها منه.بدوره أكد تقرير صادر عن المرصد السوري لحقوق الإنسان بتاريخ 10 يوليو/تموز 2021، أن حزب الله اللبناني يواصل جمع الأموال الطائلة على حساب اللبنانيين والسوريين عبر عمليات تهريب البنزين والمازوت من لبنان إلى سوريا والمتاجرة بها لصالحه الخاص.وتحدث عن تصاعد عمليات تهريب المحروقات من نقاط حمص الحدودية من قبل “حزب الله” ومليشيا “الفرقة الرابعة” التي يقودها ماهر الأسد شقيق رأس النظام بشار. وأوضح التقرير أن تصريف المحروقات المهربة يتم عبر السوق السوداء بشكل رئيس في حمص ومنها إلى باقي المحافظات السورية.منطقة متعطشةووفقا لمصادر المرصد السوري، تبلغ أسعار المحروقات التي يستقدمها حزب الله، 2000 ليرة سورية للتر الواحد من المازوت، و2500 ليرة سورية للتر الواحد من البنزين نوع “أوكتان 95″ الأكثر شعبية.وهو ما يعني أن حزب الله يعمل على بيع المحروقات بـ 5 أضعاف سعرها في لبنان. فعلى سبيل المثال يبلغ سعر تنكة البنزين في لبنان 3 دولار أميركي، بينما يبيعها في سوريا بنحو 16 دولارا.والسوق السورية المتعطشة للبنزين يتحكم في توريدها إلى السوق السوداء تجار و”مافيات” يتبعون لآل الأسد ويشرفون على عملية نقله من الحدود إلى الداخل السوري حيث تحقق تلك المافيات أرباحا طائلة من فرق الأسعار.وضمن هذا المضمار يوضح المحلل والباحث الاقتصادي السوري يونس الكريم، لـ”الاستقلال”، آلية توزيع المحروقات المهربة من لبنان لحظة استلامها.ويقول: “تتولى الفرقة الرابعة مهمة التوزيع إلى دمشق والساحل وإلى حلب المحافظات الشرقية عن طريق شركة قاطرجي”.

ويمتلك حسام قاطرجي هذه الشركة، وهو رجل أعمال سرعان ما أصبح “أمير حرب”، وشكل مليشيات تابعة له في دير الزور والرقة والحسكة لتسيير أعماله في مجال التهريب.

ونبه الباحث الاقتصادي إلى أن “وجود إقبال على شراء البنزين اللبناني من أصحاب السيارات الحديثة بسوريا بسبب عدم توفر المحروقات الجيدة في السوق السورية وبيعها كذلك للتجار بأسعار مرتفعة”.

فضلا عن وجود عامل جذب لشراء السوريين البنزين المهرب حدده الكريم بقوله: “إن شراء البنزين اللبناني يجنب الزبائن الوقوف المتعب على طوابير محطات الوقود لساعات طويلة”.

وأمام زيادة الطلب على البنزين ونقصه في لبنان، يجبر أصحاب السيارات على الوقوف في الطوابير لساعات للحصول على أي قدر من البنزين، وصاحب ذلك احتجاجات شعبية وقطع للطرقات الحيوية اعتراضا على تفاقم الأزمات الحياتية.

كما أثر النقص الحاد في الوقود المخصص لتوليد الطاقة على عمل بعض الدوائر الرسمية، ولجوء مؤسسة كهرباء لبنان لبرنامج تقنين قاس على المنازل يصل لانقطاع الكهرباء لنحو 20 ساعة يوميا مما ولد حالة سخط عارمة.

واليوم يعاني هذا البلد عدم توفر النقد الأجنبي الكافي لاستيراد المحروقات، ونفاد احتياطيات البنك المركزي لتمويل برنامج يدعم السلع الأساسية مثل القمح والوقود والأدوية.

فيما يكلف برنامج الدعم لبنان نحو 6 مليارات دولار سنويا ينفق نصفها على الوقود.

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى