مقالات

الشهادة الجامعيّة ما بين “البريستيج الاجتماعي” والخبرة العمليّة… أيهما أهم في سوق العمل؟

يتم تحصيل الخبرة في مجال سوق العمل عادة بعد نيل الشهادة الجامعية ليخضع من بعدها الطلاب الى تدريبات من خلال ما يسمى بالـ «ستاج»، وذلك يكون بعد سنة التخرّج ليتعرّفوا الى حقل تخصصهم عن قرب من خلال التطبيق العملي لا النظري الذي يصبح في خبر كان من بعد الدراسة لأعوام طويلة. وتصبح الشهادة بلا قيمة في حال كان الشخص لا يتمتع بأي تجربة او ممارسة. وكثيرا ما نجد ان شركات مرموقة تطلب سنوات من الخبرة لوظائف شاغرة لديها.

بالمقابل، قد يظن البعض ان التخصص والشهادة يتقدمان على التمرّس، والحقيقة عكس ذلك كلياً. أي ان الفرد لا يتعلم من اجل العلم بحد ذاته وانما هو سبيل للحصول على مهنة او وظيفة ونيل درجة وشهادة علمية، ويشكل ذلك صورة من صور المباهاة الاجتماعية ومظهرا للمفاخرة او «البريستيج» خاصة لمن هم في مستوى متقدم في هذا الميدان.

ما بين زوكربرغ وغيتس… الحنكة!

بالموازاة، فإن المثال الحي والاقرب للواقع الذي نحن فيه هو «مارك زوكربرغ» و «بيل غيتس» اللذان تركا الدراسة في أفضل جامعة وهي هارفارد التي تعتبر حلما لكل طالب في ان يتابع تحصيله الأكاديمي فيها وينال شهادته منها. ومع ذلك انتقلا الى عالم الكومبيوتر والبرمجيات ليتصدرا قائمة أكثر الرجال ثراء وتأثيرا في العالم. ولكن نجاحهما في الحياة العملية كان سببه البيئة التي ساعدتهما وشجعتهما للمضي قدما دون شروط تُقيّد تقدمهما من خلال الشهادة، والتي لا يمكن لاحد ان ينكر أهميتها خاصة في هذا الزمن. لكن لا يجب التوقف عند حدودها، فقد يتمتع فرد بمقومات أكبر من ورقة شهادة وقد يكون لبعض الأشخاص ظروف قاسية بسبب الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية او السياسية والامنية. لذا ينبغي على المرء شق طريقه وعدم التوقف عند أي حدود. بل يجب ان يطلق العنان لمهاراته من اجل توظيفها في المجال الذي يجد انه مبدع فيه.

بالمحصّلة، المؤهل العلمي والاجازات لم تعد مفتاح النجاح في الحياة. والدليل ان لدينا تضخما كبيرا في اعداد لا أنواع المتعلمين ان في مجال التدريس، الصيدلة، التسويق، إدارة الاعمال وغيرها من التخصصات الاكاديمية. لذا فالتعليم هو كجواز جواز سفر او بطاقة عبور لأنه قديما لم ينه الأساتذة تحصيلهم الأكاديمي في الجامعات وكنا نسمع ان أستاذ مادة الفيزياء كان مؤهله الثانوية العامة فقط. ومع ذلك كان بارعاً ومميزاً وخرّج اجيالا نالت أرقى الشهادات.

خبرة ام ورقة!

على خطٍ موازٍ، فإن الخبرة تتقدم على الورقة الجامعية لان الموظف الذي يمتلك التجربة والتمرّس يتحلى بمهارات قيادية ولديه قدرة على التواصل مع الزبائن بأسلوب سلس ومقنع.

وهناك دراسات كثيرة بيّنت ان الموظف الذي يتمتع بخبرة وتخطى عمره الـ 40 عاما يستمر في عمله بمعدل بين 10 و15 عاما. اما من تتراوح أعمارهم بين 55 و64 عاماَ فيبقى هؤلاء في أعمالهم حتى سن التقاعد وهذا يدل على ان الافراد الذين يمتلكون سنوات من المعرفة يستمرون في مناصبهم بهدف استمرارية العمل والشركة.

في هذا السياق قال الخبير التربوي والتعليمي الدكتور خالد الفتاح لـ «الديار»: «لا يمكن انكار أهمية الدراسة الجامعية كخطوة أساسية لمواكبة التقدم في أكثر من مجال وصعيد. ولكن يجب تقليص عدد السنوات ودمج بعض الاختصاصات التي من شأنها ان توفر المدة الزمنية والوقت لجيل اليوم».

ونصح الهيئات التعليمية، «بالعمل على توجيه التلامذة في مرحلة الشهادة الثانوية والمتوسطة لاختيار قطاعات مهنية وصناعية من شأنها ان تكون اربح لهؤلاء في المستقبل. كما ان المهنة تجعل من الفرد مسؤولا وصاحب وظيفة او مؤسسة، فلا يعمل تحت اشراف أحد ولا يلتزم بقوانين وقواعد قد تكبّل مهاراته وقدراته وابداعاته».

تابع، «يجب نشر التوعية في هذا السياق من اجل تحصين الشباب بوظائف قد تنقذ مستقبلهم المهني، وتوفّر لهم القدرة لتوجيه إمكاناتهم في الإطار الصحيح، وصقل خبراتهم مما يضاعف من تميّزهم وحصد النجاح الذي يصبون اليه». والانطلاق من ان هؤلاء هم مستقبل الوطن والمحافظة عليهم من خلال تقديم الدعم لهم والذي يجب ان يبدأ في المدارس وربما منذ الصغر».

في سياق متصل، اكدت دراسة أميركية حديثة ان بعض التخصصات الجامعية المتعلقة بالعلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، في الحقيقة لا تحتاج الدراسة الى أربع سنوات او أجَلّ، ومعظمها تتطلب الخبرة العملية أكثر من تلك النظرية او الشفوية.

وفي هذا الإطار، استشهدت الدراسة بحوالى ثلث القوى العاملة في احدى الولايات الأميركية التي تعمل في مجالات العلوم والتكنولوجيا، فتغلبت الخبرة العملية على الدراسة والتخصص الأكاديميين.

عشر جهات علميّة في اميركا تابعت هذه الدراسة الموسّعة من بينها: جمعيات ونقابات المهندسين والعاملين في القطاعات العلمية. وقال معدوها ان مهناً مثل هندسة الميكانيك، التمريض، والهندسة المعمارية ليست بحاجة الى أعوام طويلة في الدراسة.

على مقلب آخر، لم تنف الدراسة أهمية الشهادة الجامعية في بعض المجالات التخصصية، ولفتت الى ان عدداً كبيراً من الطلاب يتطلعون الى الشهادة من باب المفاخرة والمظاهر الاجتماعية في معظم المجتمعات.

وتمنّى الخبراء ان تحفّز هذه الدراسة الناس على إعادة النظر في عدد سنوات دراسة العلوم والتكنولوجيا والهندسة كإجراء لتقليل المصاريف الجامعية بما في ذلك هدر سنوات العمر في تحصيل قد يبقى نظريا.

وما تجدر الإشارة اليه، ان العديد من الشركات المرموقة لا تطلب الشهادة كمعيار للتوظيف، مثل: دار النشر الأميركية PENGUIN RANDOM HOUSE المعروفة وشركة IBM للبرمجيّات.

في الخلاصة، الافراد الذين يمتلكون الأساسيات التي تمكنهم من البقاء على اطلاع دائم بالمجالات الأكثر حداثةً، والتقدم في حقلهم، مع الاستثمار في الحصول على درجة أكاديميّة أرفع، انما يشير إلى جموح هؤلاء في بناء مستقبل مهني في هذا الاتجاه وليس الاعتماد على الشهادة المهنية فقط.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى