نواب “17 تشرين”: بين المراوحة واستعادة المبادرة؟!
يربط رئيس المجلس النيابي نبيه بري إستئناف الجلسات الرئاسيّة بتوافر ظروف إنجاحها، وجديتها، تلافياً لتكرار المشهديّة الهزليّة الفولكلوريّة التي طبعت الجلسات الإحدى عشرة السابقة. وذلك، بعدما تعمّد تكتل نواب «17 تشرين»، وغيرهم، الاستخفاف بمبادرتهم الرئاسيّة، لتحويل صندوق الإقتراع الرئاسي إلى منصّة لإطلاق الرسائل والشعارات العشوائيّة التي أفقدت الجلسات جدّيتها.
إلى هذا، يدرك جميع المتابعين، أنّ الهدف الباطني لتعليق رئيس المجلس دعوة النواب إلى القيام بواجبهم الدستوري وإنتخاب رئيس الجمهورية، يكمن في توفير ظروف «التسويّة» لتمرير إنتخاب مرشحه، رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية. وسط تحميل الخلافات القائمة بين القوى المسيحيّة أولاً والمعترضين على ترئيس فرنجيّة ثانياً، مسؤولية إطالة أمد الشغور، والعجز عن تقديم خيار بديل، قادرٍ على خوض المبارزة الديمقراطيّة في ساحة النجمة.
في الغضون، ومع الإنتهاء من الجلسة الحادية عشرة لإنتخاب رئيس في 19 كانون الثاني 2023، دخل نائبا تكتل «17 تشرين» أو ما كان يُعرف بـ»التغييريين»، نجاة صليبا وملحم خلف، في اعتصام مفتوح داخل المجلس النيابي. وبدل أن تُفعّل مبادرتهما الإتصالات بين الكتل النيابيّة، للإسراع في تطبيق الدستور وانتخاب رئيس للجمهوريّة، إنتقلت مناورات التوافق بين «المعارضات» من يدهم إلى خارج المجلس النيابي، إلى أن تبددت الآمال المعقودة على التوافق مع «التيار الوطني الحر» على مرشحٍ وسطي من خارج الإصطفافات، مع العلم أنّ عدداً من المطروحين هم من الأسماء التي عرضها نواب «17 تشرين» ضمن مبادرتهم الرئاسيّة التي تم إطلاقها في أيلول المنصرم. فهل يستعيد نواب «17 تشرين» زمام مبادرتهم مع الدروس المستقاة من الإخفاق الأول؟
وفي محاولة لإستشراف الخطوات التي يصبو إليها نواب «17 تشرين» من موقعهم الباحث عن رئيسٍ «إنقاذي» من خارج الإصطفافات، تغيب غالبيتهم عن السمع، مع تمايزٍ يُسجّل للنائب ميشال دويهي، الذي يعتمد سياسة قطع الإتصال بوجه المتصل من دون أن يكلّف نفسه عناء الاتصال من جديد، ليضاف هذا التمايز إلى ذروة إنجازاته عبر تحميله المقترعين بالأوراق البيضاء مسؤولية تعطيل إنتخاب رئيس، ومن ثم إعلانه الإقتراع بورقة بيضاء بعد تمزيقها…
ومع دعوة كثير من النواب المعترضين على مشروع ترئيس سليمان فرنجيّة إلى الإقتداء بما قاله يوماً سقراط، «تكلّم حتى آراك»؛ أي إطلاق المشروع والمرشحّ المنافس لخيار «محور الممانعة»، يوضح النائبان المعتصمان في المجلس منذ 124 يوماً، نجاة صليبا وملحم خلف في دردشة مشتركة مع «نداء الوطن»، أن مبادرة نواب «17 تشرين» الإنقاذيّة، التي تم إطلاقها في أيلول المنصرم وما تضمنته من أسماء رئاسيّة ما زالت قائمة، عبر المعايير التي تضمنتها والتي تشكّل تقاطعاً مع جميع المبادرات الأخرى والهادفة إلى إخراج الإستحقاق من الترشيحات التي تشكل تحدياً ومواجهة بين الأفرقاء.
ورغم تمسّك «الثنائي الشيعي» بورقة ترشيح فرنجيّة، يشدد النائبان صليبا وخلف على وجوب التواصل مع جميع القوى السياسيّة من أجل التوصّل إلى انتخاب رئيسٍ إنقاذي، بعيداً عن شخصنة الترشيحات. وأشار النائب خلف إلى أنّه في نهاية المطاف، يبقى الأهم هو اللجوء إلى تطبيق الدستور واعتماد الأطر الديمقراطية في انتخاب رئيس للجمهورية. ومع تقدّم الإتصالات بين «المعارضة» من أجل توفير ظروف إنجاح مرشحٍ آخر خلفاً لترشيح ميشال معوض، أعاد النائبان التذكير بالأسماء التي تلقى محطّ إجماع بين نواب «17 تشرين»، وهم: الوزيران السابقان زياد بارود وناصيف حتي، والنائب السابق صلاح حنين، وسط ترك الباب مفتوحاً للتوافق على خيارات أخرى، من بينها كريم بيطار وشبلي الملاط وآخرون.
ووسط تأكيد النائبة صليبا أنّ الإستحقاق أهمّ من اسماء المرشحين، وأنّ البلد لم يعد يحتمل المزيد من الشغور، شددت على أنّ تواجدهما المستمر في المجلس النيابي يساهم في تسريع وتيرة الإتصالات بين القوى السياسيّة، قبل أن تعيد رمي كرة عدم التوافق في ملعب زملائها داعية إياهم إلى الإجابة عن الأسباب التي تحول دون التوافق على رئيس إنقاذي؟!.
في سياق متصل، إعتبر النائب إبراهيم منيمنة أنّ الحراك الداخلي والإقليمي المستجد حول الإستحقاق الرئاسي، من شأنه تفكيك الجمود القائم رغم غياب بوادر أو معالم الحلّ راهناً. ودعا إلى ضرورة التركيز على البرنامج السياسي، الإصلاحي المالي، والإقتصادي للرئيس، إلى جانب الأسماء التي يتم طرحها والتي تشكّل مدخلاً لتسوية سياسيّة بعناوين واضحة، خلافاً للتسويات التحاصصية التي أوصلت لبنان إلى ما هو عليه.
ومع تشديد منيمنة على وجوب مقاربة الإستحقاق بما يراعي مصلحة اللبنانيين والبرنامج الذي سيتم تطبيقه، أشار إلى أّن التواصل القائم مع القوى السياسيّة لم يرتقِ إلى مستوى إستئناف مبادرتهم في هذا الإطار. ولفت إلى أنّ مقاربتهم للخروج من المأزق الرئاسي لا تتطابق مع المتمسكين بترشيح رئيس «المردة» سليمان فرنجية، إنطلاقاً من تاريخه البعيد الذي لا ينمّ عن مقاربة إصلاحيّة وتموضعه كجزء من إصطفاف حاد.
في الخلاصة، تقود هذا المعطيات إلى وجوب توافق المعارضات في ما بينها أو التسليم بانتخاب فرنجية.