مقالات

“الموازنة” بين الأسد وزيلينسكي ودلالاتها

في الشكل وازنت مفاجأة وصول الرئيس الاوكراني فولودمير زيلينسكي الى قمة جدة في المملكة العربية السعودية جملة عوامل: اولها ان دعوة رئيس النظام السوري بشار الاسد الى استعادة مقعد بلاده في الجامعة العربية التي اغضبت الولايات المتحدة والدول الغربية بسبب الاتهامات التي تساق ضد ممارساته في حق شعبه يوازنها استقبال زيلينسكي المدعوم بقوة من اميركا والدول الغربية من حيث اعطائه منصة للتوجه الى مجموعة الدول العربية التي اتسمت مواقفها بمحاولة عدم الاصطفاف بين الغرب وروسيا التي تقوم بالحرب ضد اوكرانيا .

في الشكل ايضا. اذا كانت اعادة الاسد الى الجامعة العربية تشكل “انتصارا” رغبت فيه روسيا وادرجته في هذا الاطار رداً على موقف واشنطن الرافض لاعادة التطبيع العربي مع دمشق راهنا، فان استقبال الرئيس الاوكراني يخفف من طابع هذا الانتصار ويؤكد موقف السعودية ومعها الدول العربية التي سارت ولا تزال على خط او على حبل رفيع في العلاقات بين الغرب وروسيا بسبب الحرب في اوكرانيا على رغم العلاقات الوثيقة لعدد من الدول العربية مع روسيا. وللمفارقة فان بشار الاسد وحده اعترف بالمنطقتين الانفصاليتين لوغانسك ودونيتسك وايد الحرب الروسية على اوكرانيا معتبرا انها “تصحيح للتاريخ وإعادة للتوازن إلى العالم ” وواصفا اوكرانيا بالنازية. ولعل مشاركة زيلينسكي وضعت الاسد في موقع حرج فيما يواجه تحدي قبوله على المستوى الشخصي من دول عربية لم تحبذ اعادة التطبيع معه .

في الشكل ايضا اخذ وصول زيلينسكي المفاجىء بدعوة من المملكة السعودية بحسب بعض المعلومات، الانتباه الى مكان اخر غير الاحتفاء ببشار الاسد الذي لم تكن كلمته على مستوى الاحتفاء باعادته الى الجامعة وفق السياسيين انفسهم. فيما كرر الامين العام للجامعة العربية احمد ابو الغيط في احاديث تلفزيونية عبر محطات عربية ان ” قرار إعادة سوريا إلى الحضن العربي لا يعني استئناف العلاقات بين جميع الدول العربية وسوريا، وإن الأمر متروك لكل دولة لتقرير ذلك وفق رؤيتها”. وقد يكون زيلينسكي اخذ الاضواء في القمة من الاسد على سبيل تخفيف او تحييد الانتقادات غير القليلة من اعادة تعويم النظام السوري لئلا يتمحور كل موضوع القمة على ذلك على رغم ان مواضيع اخرى مهمة كالوضع في السودان واليمن موجودة على الطاولة. اذ ضجت وسائل الاعلام بمفاجأة ايجابية في مؤتمر القمة تبين لاحقا انها مشاركة الرئيس الاوكراني فيها . ما لبث ان قابلها الاعلان عن رسالة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الى الدول الاعضاء في القمة .

في الشكل ايضا يسجل للمملكة اخراج القمة العربية من حيز اعتبارها حدثا سنويا تقليديا لا يقدم اي جديد بعد سنوات كثيرة من الجمود وعدم الفاعلية وخصوصا بعد سنوات جائحة كورونا الى تصدر الاهتمام الدولي من خلال الخطوة في اتجاه اعادة النظام السوري الى مقعده والتي اثارت جدلا كبيرا بغض النظر عن الاراء المتعددة على هذا الصعيد . واكملت ذلك باستقبال الرئيس الاوكراني والذي قد يتبين انه اتى وفق موازنة سياسية مدروسة .

في المضمون اكثر ما لفت في الكلمة التي القاها ولي العهد السعودي قوله “اننا لن نسمح بان تتحول منطقتنا الى منطقة صراعات” وهو امر يكشف الى حد كبير استراتيجيته في السياسة الخارجية وهو امر كرره ايضا ابو الغيط غير البعيد من الموقف السعودي بقوله “لا بد من التمسك بالمصالح العربية لمواجهة ضغوط الاستقطاب الدولي “. ومنذ بدء روسيا الحرب على اوكرانيا، سعت السعودية لئلا تبدو منحازة الى اي طرف لا بل تموضعت كوسيط حيث نجحت في عملية اطلاق رهائن بين البلدين المتحاربين. وفي الوقت الذي تمسكت السعودية بموقفها في موضوع اسعار النفط من ضمن مجموعة اوبك بلاس مع روسيا، فانها تعهدت بتقديم 400 مليون دولار لاوكرانيا وكذلك فعلت الامارات العربية لجهة تقديم مساعدات لاوكرانيا على رغم علاقاتها الوثيقة مع موسكو ايضا.

وعلى نقيض العادة في قمم جامعة الدول العربية التي تركز على الشؤون ذات الطابع إقليمي في الغالب ، فان استقبال زيلنسكي فيما هو على اهبة المشاركة في قمة مجموعة السبع في اليابان خلال عطلة الاسبوع، توفر له اهمية تواصله مع هذا الجزء من العالم والذي عانى ويعاني من الحرب الروسية على اوكرانيا. لا بل توفر له حضورا سياسيا وقدرة على مخاطبة الدول التي حافظت على حيادها وربما ايضا تواصلا مع بعض قادة الدول العربية، لا سيما في ظل الرغبة لدى هذه الدول في التوافق على حل ازمات المنطقة بما قد يوحدها للمساعدة في موضوع الحرب على اوكرانيا والتي كانت سببا رئيسا في تضرر الامن الغذائي في غالب دول المنطقة ولا سيما مصر . وقال زيلينسكي عبر تويتر “بداية زيارتي الأولى للمملكة العربية السعودية لتعزيز العلاقات الثنائية وعلاقات أوكرانيا مع العالم العربي” . فيما ان توجه زيلنسكي قد يدفع في اتجاه جهود وساطة اضافية بين روسيا واوكرانيا التي يسعى رئيسها توظيف اي تواصل او تأثير على الرئيس الروسي من اجل انهاء الحرب. وكان اخر التواصل الذي اجراه غير الدول الاوروبية مع الصين للعب دور في هذا الاطار . وهذا يعطي دفعا للمملكة السعودية على صعيد دورها الاقليمي والبعد الدولي المكمل لطموحها القيادي . ورئاسة القمة التي عقدت للسعودية للسنة المقبلة قد تكون تنبىء تبعا لذلك بمبادرات قد تخرج عن التقليد وتدفع في الاتجاه التي تؤشر اليه التحركات السعودية الاخيرة .

المصدر
روزانا بومنصف- النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى