مقالات

حين اكتشف تجّار السكراب حقيبة نووية في المطار: هذه حالنا و… حالكم

هو عالم الخردوات نتناوله من جديد. هو عالم نظن أننا نعرف عنه أشياء إلى أن نتأكد أن ما نعرفه ليس إلا شيئاً، تفصيلاً بسيطاً، من أشياء وتفاصيل كثيرة. يسمونه سكراب ونسميه “خردة” وهو بين الشرعي واللاشرعي مليء بالألغاز والألغام. ذهبنا إلى هناك إلى عالم الخردوات والسكراب في بيروت، وثلاثة أرباعهم من بلدة هونين إحدى القرى السبع المحتلة، الذين أخذ على خاطرهم يوم قلنا أنها أصبحت «مستوطنة فلسطينية». فماذا في كل التفاصيل؟

هناك جمعية السكراب في لبنان «Scrap in Lebanon» أخذت العلم والخبر في الخامس من تموز من العام 2022 تحت الرقم 695. وبناء على هذا القرار تعمل. تشكلت في البداية من 18 مؤسسة تعنى بالإتجار بالسكراب وأصبحت «العائلة»، عائلة السكراب كما يسمونها، من 80 مؤسسة اليوم. والعدد الى ارتفاع. ورئيسها هو ابن هونين أحمد بربيش. في بؤر أحمد بربيش ورفاقه في قصقص عالم تتراكم فيه الخردوات أرتالاً وأكواماً. كل ما نظنه ما عاد يصلح لشيء له في تلك البؤر أمكنة. حديد وألمنيوم وبطاريات وقازانات ومكيّفات وعلب فول وسردين وطون وكل ما تتخيلون.

فلنبدأ الحديث من هونين التي أخذ على خاطر أهلها أننا قلنا عنها مستوطنة فلسطينية. يقول رئيس الجمعية إبن البلدة: «هناك 2200 متر مربع مساحة ضمن لبنان، أطيب الفاكهة والحمضيات هناك. أطباء ومهندسون ومحامون و»أولاد دولة» عمداء وضباط سابقون وحاليون ونائب سابق و5000 من حملة الإجازات و… و… من هونين».

وماذا عن المساحة التي هي تحت سلطة إسرائيل اليوم؟ يجيب: «ليس أقل من 13 ألف متر. هونين هي إحدى القرى الجنوبية السبع التي سلخت في عام النكبة (1948) عن لبنان. لكنها لبنانية وينتمي إليها أكثر من 60 ألف شخص. والعمل جارٍ الآن لإعادة وضعها على «غوغل» على الخارطة اللبنانية. أهل هونين لبنانيون أقحاح. ويوم تهجروا توزعوا على المناطق «بلوكات». ويضيف بربيش «نحن أرمن الشيعة، هذا ما قيل عنا، لأننا نختار ان نسكن معا مشكلين «بلوكات». وكثير من سكان البلدة يعملون في تجارة السكراب أباً عن جد. هذا ليس معناه أننا وحدنا تجار السكراب، فهناك من امتهنوا هذه التجارة من كل الطوائف والمذاهب والمناطق أيضاً. وعملنا في الخردوات هو الوحيد الذي لم يتأثر بالطائفية في البلد. فنحن في بيروت إذا تعرضنا الى إعتداء يمكننا ان نقفل الطريق في طرابلس أو في برج حمود أو في أي منطقة في لبنان».

في التضافر قوة. إنطلاقاً من هذه القاعدة يعملون. لكن، كيف يعمل تجار السكراب الكبار في لبنان؟ وكيف يميزون بين ما هو مسروق وبين ما هو حلال؟ يجيب بربيش «كل واحد منا لديه ما لا يقل عن سبعين عاملاً، كلهم مسجلون في الضمان الإجتماعي ومصرح عنهم. أما الأجنبي فيعمل فوق القانون ولا يسدد مستحقات ولا ضرائب». يضيف: «أنا أمسك الحرامي وأرسل المحامي للإدعاء عليه وبعد يومين أراه أمامي. يأتي ويقول لي: أنتم من تقدمت بشكوى ضدي. نحن لا نشتري مسروقات. لا نشتري ريغارات. لكن، يأتي أحياناً من فرم الريغارات ويريد بيعها «كسر» فكيف نميزها في بيك آب محمل بالكسر. لذلك أخذنا قراراً بعدم الشراء ممن لا نعرفه. من أبو اللبن- مثلاً- نشتري. ويشير الى بائع خردة وصل للتو».

يصل إتصال من سوليدير. هم يسألون عن اسم تاجر خردوات قدم مناقصة لمشروع هدم في وسط بيروت بقيمة أفضل مما طرحه أحمد بربيش. إنهم يسألون عن تفاصيل من رسا عليه المشروع لكن لا أحد يعرفه. فمن يضمن أنه سيسدد المبلغ نقداً ولا يهرب في نصف المشروع؟ لا أحد. تجارة الخردوات أوسع بكثير مما نعرفه عنها. المؤسسات الرسمية كافة تتعامل مع تجار الخردة في لبنان. أمن الدولة والمخابرات ومكتب مكافحة جرائم السرقات كلها تنسق مع تجار الخردة من أجل الإمساك (مبدئياً) بالسارقين الذين يلجأون الى بيع مسروقاتهم خردة.

نسمع أخباراً كثيرة من عاملين في السكراب بعضها يشيب لها شعر الرأس. هناك شخص أراد بيع سيارة الى تاجر خردة، قيمتها الفعلية 8000 دولار لكنه قال: أضعت أوراقها وأحتاج الى دولارات نقدية حالاً عارضاً السيارة بثلاثمئة دولار فقط لا غير. تمّ الإتصال بضابط، سبق ووضع رقمه، وحين أجاب قال: ليس لدينا أحد الآن للإمساك به. خبريات خبريات… نتجاوزها ونعود الى رئيس جمعية السكراب في لبنان أحمد بربيش، الذي يشغل أيضاً رئاسة جمعية هونين الخيرية. نسأله: من أين تأتون بكل الخردوات التي نراها ما دمتم تمتنعون عن الشراء من باعة لا تعرفونهم؟ يبدو أن تجار السكراب الكبار يجلبون خردواتهم من مناقصات يجرونها مع مؤسسات رسمية في أكثرها. سوليدير زبونة. مطار بيروت أيضاً. القصر الجمهوري. البلديات. وفي إحدى الروايات التي يقصها بربيش «إستلمنا مشروع هدم مبنى البريد القريب من مبنى مطار رفيق الحريري الدولي. وبينما كنا ننقل الردميات «زمّر» بيك آب. راجعنا في المطار وتأكدنا لاحقاً، من خلال آلات كشف نملكها، من وجود حقيبة تشبه حقائب تلحيم الحديد تبيّن أنها ممتلئة بمواد ذريّة خطرة ولا أحد في المطار يعرف عنها شيئا. لو انفجرت لكان حدث خراب على مساحة سبعة كيلومترات. (والحقيبة كما علمنا مضى على وجودها عقود أتت بها طائرة ومنعت في خمسينات القرن الماضي من السفر).

لا نريد أن نتخيّل حجم التساهل في حياة اللبنانيين ومن يعيشون في لبنان. لا نريد أن نتكهن ما هناك بعد من ألغام قد تنفجر فينا في أي لحظة لألف سبب وسبب. فلنتجاوز «الخبرية» أيضا ولو على مضض.

شركة تاجر السكراب أحمد بربيش أتمت أعمال هدم مزرعة الكلاب وأجزاء من الحمام العسكري والنافعات- مراكز تسجيل السيارات في لبنان – والقصر الجمهوري وثكن للجيش اللبناني. تهدم الأجزاء المطلوب هدمها ويستخرج الحديد، على أنواعه. ويقول رئيس جمعية السكراب: «كانت ثكن الجيش ترمي علب الفول. وكانت سوكلين تكنس وتجمع النفايات وتتولى «سيتي بلو» الفرز. وضعت أسعاراً ودفعت للجيش اللبناني المبلغ الذي بعت به أطنان علب الفول كاملاً».

بين محل خردوات ومحل آخر للخردوات محل جديد يستعد ليفتح. هؤلاء يشترون من أي كان. الملايين يعملون الآن في لمّ الخردة من الشوارع لكن المشكلة الى من يبيعون طالما التجار الكبار يمتنعون عن الشراء؟ وبالتالي ماذا يمنع من أن يشتري بعض التجار الكبار من «تحت الطاولة»؟ يجيب بربيش «نحن، المنتسبين الى الجمعية، نفرض شروطاً للإنضمام إلينا. نطلب ممن يريد الإنتساب إذاعة تجارية وأن يكون لديه مركز عمل معروف وشهادة تسجيل مؤسسة وسجل عدلي- لا حكم عليه – وورقة إيجار مسجلة في البلدية. واتخذنا قراراً إذا اشترى أحدنا مرتين أو ثلاثاً على الأكثر مسروقات – حتى ولو لم يكن يعرف – يصبح خارج الجمعية، مثلنا مثل لاعب كرة القدم، حين يأخذ إنذارين «أصفر» يرفع في وجهه كارت أحمر».

تجار السكراب يضعون ضوابط على مهنتهم «فهي أمسهم وحاضرهم ومستقبلهم». أما نحن فنراقب الموضوع ونعرف أن هناك، في كل المهن، من يخرقونها محمّلين إياها أعباء جمة. فهل لنا أن نسأل: أين الدولة لتحميهم وتحمينا؟ القوى الأمنية تنسّق مع تجار السكراب. هذا الموضوع تأكدنا منه. لكن، هناك بعض من يتم إيقافهم، من العاملين غير الشرعيين في الخردوات، يعودون ويخرجون من مراكز التوقيف كما الخيط من خرم الإبرة. نسأل التاجر أحمد بربيش: كيف ذلك؟ يجيب بسؤال: تسالينني أنا؟ الجواب ليس لديّ. رئيس فرع مخابرات بيروت العقيد أنطوان حنا يتابع الموضوع. نحن نتابع مع المسؤولين بشكل دائم. ويوم كانت سرقات الريغارات تحصل كنا نتابع بأنفسنا ما يحصل على الأرض ونبلغ الأجهزة. الريغار المسروق نسقط جميعا فيه».

نجول في عالم الخردة. ننتقل من «بورة» الى بورة». هناك ثلاث بوابات حديدية كبرى تفصل ذاك العالم عن العالم الخارجي كلياً في تمام الساعة الخامسة عصراً. «فبوَر الخردوات تتعرض هي أيضاً للسرقات». نسأل عن الأسعار فتأتي الإجابة حاسمة: البورصة. إنها بورصة المعادن العالمية. سعر المكيف الخردة يباع بدولار أميركي. البطارية تباع بالكيلو، كل كيلوغرام بتسعين سنتا. ثمة سيارات تباع أيضا خردة فتكبس وتهيّأ للتصدير. أمين سرّ جمعية السكراب في لبنان يدعى عبد بربيش. الحج حمزه مطر هو المسؤول عن بورة الألمنيوم: Scrub metal. علي العربيّة هو المسؤول عن بورة البطاريات وإعادة صهرها وتدويرها. لكل بورة تاجر ورث المهنة من أب وجد وعائلة. وبلدة هونين حاضرة دائماً في عالم الخردوات في بيروت. «بوَر السكراب» في بيروت موجودة في العقار الرقم 2579 من منطقة المزرعة (عقارياً) لكن هناك من يعتقد أن الأرض تابعة لمنطقة شاتيلا. يصل عامل من بلدية الغبيري. هو أنهى للتوّ عمله في البلدية ويعمل بعد الظهر في السكراب. هو عالمٌ لا ننتبه إليه لكنه موجود في كل تفاصيلنا. هو عالم فيه كثير من التنظيم في مطارح وكثير من العشوائية في مطارح أخرى. تجار السكراب الشرعيون أرادوا تصويب المسائل لطمأنتنا. إستمعنا إليهم، بانتظار من يطمئنهم ويطمئننا.

المصدر
نوال نصر -نداء الوطن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى