مقالات

تحرّكان منتظران بعد القمّة؟

التسريبات حول مواقف الفرقاء المحليين والخارجيين من الأزمة الرئاسية اللبنانية، والتكهنات حول حظوظ هذا المرشح أو ذاك صعوداً أو هبوطاً والتوقعات المرتبطة بالحراك الإقليمي في شأن الرئاسة اللبنانية والتحليلات التي ترهن عملية ملء الفراغ الرئاسي اللبناني بالتسويات الإقليمية وما يشهده الإقليم من انفراجات، أصيبت بما يشبه السكتة الدماغية قبل يومين من انعقاد القمة العربية التي اتجهت الأنظار إليها. فالتركيز الإعلامي والسياسي ذهب باتجاه ما تشهده وستشهده جدة التي تشكل نشاطاتها نقطة تحول في التعاطي مع أزمات لها أبعاد تتخطى المنطقة.

قد يكون على اللبنانيين أن ينتظروا بضعة أيام قبل أن يعود الخيال الخصب لبعض السياسيين في اختراع أحداث ووقائع أو ممارسة مناورات، في شأن إنهاء الشغور الرئاسي.

قبل أن تنحسر «الخبريات البلدية» الرئاسية عن المسرح الإعلامي بفعل القمة كان الشغل الشاغل لبعض الأوساط ما قيل عن أن خيار رئيس تيار «المرده» سليمان فرنجية قد حسم لدى الدول المؤثرة وأن الأمر يحتاج بعض الوقت لبلورته. ذهب بعض الصالونات السياسية إلى درجة تحديد رئيس الحكومة الذي سيرافقه في السلطة، رغم الشكوك في إمكان نجاح المواءمة في ذلك، شملت التوقعات توزيعاً للحقائب الرئيسة على بعض المرشحين لتوليها أو على الطوائف…

هذا من جهة جبهة «الممانعة»، أما من جهة جبهة المعارضة واتصالات قيادات السياديين والمستقلين والتغييريين للاتفاق على إسم واحد يرشحونه بدل النائب ميشال معوض يحظى بتأييد الكتل النيابية لهذه القوى أو لمعظمها، بالتفاهم مع كتلة نواب «التيار الوطني الحر»، فقد انتهت إلى الترويج لاسم (أو اسمين). لم يلبث أن تبين أنه يصعب جمع هذا الخليط حوله أو حولهما.

قطعت قمة جدة حبل الأفكار التي تتفتّق عن عقل بعض الذين يتلهون بالتشاطر على المسرح، متناسين أنّ لبنان في مرتبة متدنية من الاهتمامات، لأسباب عديدة بعضها جوهري، منها السأم من الدلع اللبناني، أو من استعصاء إمكانية التوافق بين اللبنانيين رغم إلحاح الوضع المعيشي والحياتي والاجتماعي، ولذلك رأى من هم على دراية بالحقيقة أن لا جديد متوقعاً في شأن ملء الفراغ، وأن الإنضاج النهائي للخيارات الرئاسية من الخارج سيأخذ المزيد من الوقت.

ليس صدفة أن ينسحب رئيس «الحزب التقدمي الاشتراكي» وليد جنبلاط من جهود التسوية والتفاهم على مرشح ثالث، بعدما اكتشف أنّ الحلول في لبنان في الثلاجة، رغم أنّ وضعه الاقتصادي متحرك، نحو الأسفل. وليس بعيداً عن حالة الركود دعوة الأمين العام لـ»حزب الله» السيد حسن نصر الله حكومة تصريف الأعمال إلى تفعيل نشاطها للتصدي للصعوبات «ونحن لا نعرف ‏إلى أي مدى ستطول قصة إنتخاب الرئيس ولذلك يجب أن تستمر في عملها». وبعض السياديين رأوا أن استدراجهم لتسمية مرشح واحد يهدف إلى حرقه…

ماذا بعد انتهاء قمة جدة التاريخية، والتي تأتي بعد الاتفاق السعودي الإيراني، والتطبيع مع نظام بشار الأسد وإمساك الرياض بزمام القيادة العربية؟

باستثناء اللفتة العلنية لوزير خارجية الجزائر أحمد عطاف في افتتاح اجتماع وزراء الخارجية التمهيدي أول من أمس بدعوة الفرقاء اللبنانيين إلى التفاهم وانتخاب رئيس لإخراج البلد من الأزمة، وبعض التصريحات، سيقتصر الأمر على بند مشابه لهذه الدعوة في مقررات القمة، مع استعارة بيانات سابقة صادرة عن الاجتماعات العربية والدولية.

هل من تحرك جدي بعد القمة، يجنب لبنان ملهاة الأشهر السبعة الماضية؟

البعض يدعو إلى ترقب أمرين:

الأول تحرك فاتيكاني هو استمرار للنشاط الذي قامت به دوائر الفاتيكان في الأشهر الماضية، لحث الدول الفاعلة على الضغط من أجل إنهاء الفراغ الرئاسي، من أجل مبادرة فاتيكانية مع هذه الدول، من أميركا إلى فرنسا إلى المملكة العربية السعودية، تنتهي بـ»لبننتها» داخلياً، لعلها تنتج رئيساً.

ولقي الكرسي الرسولي تشجيعاً على أن يأخذ دوره بصفته الكنيسة الأم للفرقاء المسيحيين طالما أنّ قادتهم يعجزون عن التوصل إلى اتفاق على مرشح يطالبهم الفرقاء الآخرون به. قناعته أنّه لم يعد ممكناً أن يستمر القادة المسيحيون على الوتيرة نفسها من العجز عن الحد الأدنى من التفاهم، طالما يتحدثون عن مخاطر تحدق بدور المسيحيين. والفاتيكان، حسب العارفين ليس ضد رئيس يطمئن «حزب الله»، لكنه ليس مع رئيس يختاره «الحزب» حصراً.

الثاني والذي يدعو بعض فرقاء الممانعة إلى مراقبة جديته في الأسابيع المقبلة، هو أن يؤدي التقارب السعودي- السوري إلى نسخة منقحة للدور السوري المدعوم من الرياض في لبنان، بأن تساهم دمشق في الدفع نحو إنهاء الفراغ الرئاسي، لإعطائها دور في عملية تأهيل عودتها للحضن العربي. وهو أمر يستبعده الفريق المعارض وحتى بعض الممانعة، إذ أن دمشق أبلغت أصدقاءها بمراجعة حليفها «حزب الله» الذي يدير هذه العملية.

المصدر
وليد شقير -نداء الوطن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى