مقالات

نكبة واستقلال

بين استقلال لبنان ونكبة فلسطين خمس سنوات. لبنان حصل على استقلاله العام 1943 والفلسطينيون خسروا بلدهم العام 1948. اليوم يقترب عمر الاستقلال من الثمانين والنكبة الفلسطينية أتمت عامها الخامس والسبعين.

لا معنى للمقارنة واسترجاع المحطات والتواريخ الا بما هي حافز للتفكير. بعد 75 عاماً من ضياع الوطن يبحث الفلسطيني عن استرداد ولو شبر منه. كان يرث أرضاً وبيوتاً واليوم يرث صكوكاً عثمانية وبريطانية ومفاتيح يتركها له الأجداد والجدات أو يهددها الغزو الاستيطاني.

كان الأصدقاء من غزة قبل النكسة التي أعقبت النكبة يكتبون من شارع عمر المختار عن الذاكرة التي تدق جرساً في عالم النسيان متذكرين ديارهم وقراهم في الانحاء الفلسطينية. وكان رفاقهم في الضفة والقدس يحكون عن زواريب رام الله وأشياء الشونة الشمالية، ثم فجأة حلّت النكسة فاكتملت النكبة. لم يعد للفلسطيني وطن فاستعار الأردن ثم لبنان واستعارته الأنظمة في صراعاتها فحلت الكارثة تتويجاً لنكبة ونكسة وهزيمة. بعد ثمانين عاماً على الاستقلال يجتهد السادة في لبنان لإضاعة البلد واستقلاله. وفيما يبحث الفلسطيني عن وطن مفقود، يثابر هؤلاء على إضاعة وطن موجود ومستقل. في معركة النهب والفساد أفقدوا بلادهم القدرة على الصمود، وفي المعركة ضد الدستور والقانون أفقدوها القدرة على المحاسبة والتصحيح، وفي ممارستهم إعارة وتأجير الطوائف يتخلون عن السيادة، وفي كل ذلك تفريط بالمواطن والأرض ومقومات البقاء. يتشرد اللبنانيون في العالم ويندمجون، وهذه ليست نقطة لمصلحة بلادهم المنكوبة. الفلسطينيون أيضاً تشردوا. لكن ميزتهم في مرور ثلاثة أرباع القرن على مصيبتهم أنهم باتوا يتساوون عددياً مع محتليهم بين النهر والبحر: العرب الفلسطينيون سبعة ملايين في الضفة وغزة والداخل مقابل سبعة ملايين يهودي في كل تلك المناطق. وتضاعف عدد الفلسطينيين 10 مرات منذ 1948 ليقارب عددهم في العالم الـ15 مليوناً يحلم أكثرهم بالعودة إلى أرض الأجداد.

لم تساعد الظروف ولا ألاعيب الأنظمة ومصدري الايديولوجيات، الفلسطيني في استعادة حقوقه، لكن نقطة النمو الديمغرافي ستساعده يوماً في تسويات محتملة. أمّا في لبنان الذي تديره شركة مساهمة من الفاسدين والمافياويين، فإنّ كل شيء مهدد بالانقراض بما في ذلك أهل البلد، وسط بحر النازحين وغياب الغائبين، نتيجة الافقار والترهيب والهجرة.

وهكذا، بينما يحلم الفلسطيني باستعادة وطن ضائع، تنخرط الشركة الآنفة الذكر في تضييع وطن موجود كامل الصفات.

المصدر
طوني فرنسيس - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى