مقالات

بعد عودة سوريا إلى الجامعة… لبنان ليس أولويّة عربيّة ولا إقليميّة

يتساءل اللبنانيون عن تداعيات قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على لبنان، وانعكاساته على ملف عودة النازحين السوريين إلى بلدهم. طرح
“النهار العربي” هذه التساؤلات على المحامي الدولي والأستاذ الجامعي البروفسور أنطونيوس أبو كسم، الذي رأى أنّ “مفتاح الحلّ هو جعل الحالة في لبنان أولويّة، وشطب اسمه عن لائحة الدول الفاشلة، ورفع العقوبات السياسية عنه عبر إعادة الثقة بدولته التي تتجه نحو الانهيار التام، إضافة إلى ملف المهجرين والمهاجرين السوريين”.

هناك ملفّات عدة ما زالت عالقة، وتتطلّب دبلوماسيّة سيادية وطنيّة ترتكز على ثوابت وليس دبلوماسية مزدوجة، تزلّف وتملّق من تحت الطاولة، وشبه مقاطعة تامّة خوفاً من مكاتب الإدارة الأميركية، وحذر جديّ من الموقف القطري، والدور التركي، يقول أبو كسم.

وأشار إلى أنه “قانوناً، لم يتمّ فصل سوريا من جامعة الدول العربية، حيث إنّ الفصل يصدر بإجماع أصوات الدول الأعضاء وفقاً للمادة 18 من الميثاق. فعلياً، تمّ تعليق عضوية سوريا بموجب القرار 7438 تاريخ 12 تشرين الثاني (نوفمبر) 2011، بأغلبية 18 صوتاً استناداً للمادة 12-ب من النظام الداخلي المعدّل لجامعة الدول العربية”. وقال إنّ “عودة سوريا، هي عودة لحضور الاجتماعات وليست عودة إلى جامعة الدول العربية، التي لم تخرج منها أصلاً وفقاً للقانون الدولي للمعاهدات”.

اعتبر أبو كسم أنّ هناك عناوينَ وضعتها جامعة الدول العربية يقع تنفيذها على عاتق سوريا، مشيراً إلى أنّ “القرار الرقم 8914 الصادر عن اجتماع مجلس جامعة الدول العربية على المستوى الوزاري في 7 أيار (مايو) 2023، تطرّق إلى نقطتين أساسيّتين: تنفيذ بيان عمّان الذي صدر في أوّل أيار (مايو) 2023، وحل الأزمة السوريّة، وفقاً لمبدأ الخطوة مقابل الخطوة، وبما ينسجم مع قرار مجلس الأمن الرقم 2254″، مشيراً إلى أنه “في ما يخصّ بيان عمّان، فالأولويّة هي لمعالجة انعكاسات الأزمة السورية على دول الجوار، خصوصاً عبء اللجوء، وخطر الإرهاب وخطر تهريب المخدرات”.

أضاف: “أمّا بخصوص قرار مجلس الأمن الرقم 2254، فهو قرار كان قد صدر سنة 2015 تحت الفصل السادس، الذي يشير إلى موجب الانتقال السياسي في سوريا، كعمليّة سياسية بقيادة سورية تسيّرها الأمم المتحدة، من ضمنها وضع دستور جديد. كما يطلب هذا القرار وقف إطلاق النار في كل أنحاء سوريا، إضافةً إلى منع الأعمال الإرهابيّة وقمعها”.

“أما الفقرة الأبرز في هذا القرار”، وففاً له، “فهو مطالبته بتأمين وصول المساعدة الإنسانيّة وتهيئة الظروف المواتية للعودة الآمنة والطوعيّة للاجئين والنازحين داخلياً. كما تطرّق هذا القرار إلى مسألة دعم مجلس الأمن تعمير سوريا”.

وأكد أنه “بحسب القانون الدولي، فإنّ قرارات مجلس الأمن ملزمة لجميع الدول وفقاً لميثاق الأمم المتحدة، وبالتالي، يقع على عاتق الدول العربية ودول الجوار غير العربية تنفيذ هذا القرار، بما فيها سوريا”. وقال: “لكن السؤال الأهمّ: لماذا أثارت جامعة الدول العربية مسألة تنفيذ القرار 2254؟ هل فقط من أجل تأمين المساعدة الإنسانيّة؟ أم من أجل التحوّل الديموقراطي في سوريا عبر وضع دستور جديد كخريطة طريقٍ لحلّ الأزمة؟…”.

عضويّة لبنان
توقف أبو كسم عند تداعيات قرار عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية على لبنان، مشيراً إلى أن “من أبرز نقاط قرار جامعة الدول العربية الرقم 8914، تشكيل لجنة اتصال وزارية مكونة من الأردن، السعودية، العراق، لبنان، مصر والأمين العام للجامعة، لمتابعة تنفيذ بيان عمان”.

برأيه، “المهمّ عضويّة لبنان في هذه اللجنة بعدما تمّ تغييبه في اجتماع عمّان، والذي صدرت عنه مقرّرات تعنى بالشأن اللبناني. فبحسب دور هذه اللجنة استناداً لمقرّرات عمّان، يقتضي متابعة مسألة التنفيذ الفوري للعودة الطوعية والآمنة للاجئين السوريين إلى بلدهم، كأولوية قصوى؛ وتعزيز التعاون بين الحكومة السورية والدول المستضيفة للاجئين، والتنسيق مع هيئات الأمم المتحدة ذات العلاقة، لتنظيم عمليات عودة طوعية وآمنة للاجئين وإنهاء معاناتهم، وفق إجراءات محددة وإطار زمني واضح”.

اللافت في الأمر وفق أبو كسم “أنّ بيان عمّان لحظ مسألة تنظيم عملية عودة طوعية لحوالي ألف لاجئ سوري في الأردن، تاركاً عودة المهجرين السوريين في الدول الأخرى المستضيفة إلى مرحلة لاحقة”.

بالنسبة إليه، “إنّ القرار 8914، قد أزال القطيعة السياسية ما بين سوريا والدول العربية، وتحديداً دول الخليج باستثناء قطر، ما سينعكس إيجاباً على علاقة لبنان بسوريا، عبر المساعدة والمساندة لحلّ الإشكاليات الجديّة ما بين الدولتين. إنّ هذا القرار، فتح النقاش حول مسألة عودة الرعايا السوريين المقيمين في لبنان كمهجرين إلى الديار السورية، وأزال النقاب عن الشقّ الأمني المتعلّق بأمن الحدود ومكافحة تهريب المخدرات”.

أضاف “أنّ تنفيذ بيان عمّان في ما خصّ لبنان على وقع عودة العلاقات الدبلوماسية ما بين سوريا والمملكة العربية السعودية، يستدعي علاقات لبنانية – سعودية مميّزة وإزالة الشوائب ما بين البلدين، وإلّا نكون أمام سين-سين جديدة تذكّر بحقبة الوصاية. إنّ استعادة لبنان لعلاقاته الجيّدة بالخليج العربي أولويّة سياسيّة بامتياز لتأمين إنفاذ بيان عمان وقرار جامعة الدول العربية على الشقّ المتعلّق بلبنان. إنّ الوضع في لبنان لا يشكّل أولويّة لا عربية ولا إقليمية في ظلّ النزاع في السودان، واليمن وغزّة”.

بيان عمان
انتقل أبو كسم إلى مقاربة تأثير قرار جامعة الدول العربية على عودة اللاجئين السوريين المقيمين في لبنان، مشيراً إلى أنه للأسف، إنّ بيان عمّان الذي تبنى تنفيذه قرار الجامعة تكلّم عن عودة طوعية وآمنة للاجئين”، مشيراً إلى أن هذا الملف تعترضه معوّقات قانونية وسياسية. فالعودة الآمنة والطوعية، تنطبق على الدول الأطراف لاتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951 ولا تنطبق على لبنان، الذي ليس طرفاً في هذه المعاهدة…”.

أما في ما يخصّ العودة الطوعيّة، فقد أكد أن “هذا يخضع لإرادة المهجرين والمهاجرين السوريين في لبنان. هنا يجب تخصيص اجتماع خاص بلبنان على غرار اجتماع عمّان بدعم عربي واضح يزيل الالتباسات، ويبحث مع النظام السوري ثمن عودة المهجرين السوريين من لبنان، حيث النظام يحتفظ بهذا الملف كورقة تفاوض قويّة ذات ثمن مرتفع سياسياً، وديموغرافياً واقتصادياً والأهمّ أمنياً”.

وتناول أبو كسم “ملفات عديدة عالقة ما بين لبنان وسوريا، يفترض حلّها باتفاق لبناني سوري شامل برعاية عربية وحتّى دولية”، مشيراً إلى أن “من أبرز الخطوات التي يقتضي البحث بها، هو إعادة النظر بمعاهدة الأخوة والتعاون والتنسيق ما بين لبنان وسوريا”.

وقال: “أهمّ الملفّات الشائكة، ترسيم الحدود البرية، ترسيم الحدود البحرية، قضيّة المخفيين قسراً، ملفّ ضبط الحدود ومكافحة التهريب على أنواعه، من أشخاص وسلاح – خلافاً لقرارات مجلس الأمن – وعملات صعبة، ومحروقات ومنتجات سورية من دون دفع رسوم جمركية (…). ملفّ تسرّب الجماعات الإرهابية، ملفّ السجناء السوريين في السجون اللبنانية، ملفّ الأطفال السوريين مكتومي القيد والذين ولدوا في لبنان، ملف الودائع السورية في المصارف اللبنانية”.

وخلص إلى اعتبار أن “ّالشغور في رئاسة الجمهورية، والشلل على المستوى الحكومي والتشريعي، يبعد لبنان أكثر من المشهد الإقليمي المؤثر، بل يجعله عرضة ليكون ساحة لتصفية حسابات أميركية – سعودية – سورية، أو حسابات تبادل رسائل أمنية ما بين المملكة العربية السعودية وإيران في موازاة الأزمة اليمنيّة، والذي يبدو أنّ الحلّ الأمني بعيد المنال ومنفصل عن العلاقات السعودية الإيرانية الدبلوماسية والاقتصادية”.

المصدر
ابراهيم حيدر - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى