مقالات

إستحالتان تتحكمان بالرئاسة

حتى الساعة لا معطيات تشير إلى أنّ أجواء الاسترخاء والانفراجات الإقليمية بدأت تلقي بظلالها على الساحة اللبنانية وتحديداً على عملية إنهاء الفراغ الرئاسي القاتل، رغم الآمال التي يعلقها أكثر من طرف في المعسكرين العريضين المتناقضين.

ومع أنّ وزير الخارجية الإيراني حسين الأمير عبد اللهيان أبلغ النواب الذين التقاهم في السفارة الإيرانية أثناء زيارته إلى بيروت في 27 نيسان الماضي أنّ طهران ناقشت الوضع اللبناني مع المسؤولين السعوديين إثر اتفاق بكين على استئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، فإنّه لم يوضح ما جرى تداوله في هذا المجال، سواء عند التوقيع على الاتفاق أو عندما التقى وزيرا خارجية البلدين في العاصمة الصينية.

لكن الأوساط المطلعة على جانب مما ناقشته الدولتان حول لبنان، تعتقد أنه جرى التوافق على «تهدئة الصراعات» في البلد من جهة، وعلى خفض نسبة التوتر وأسباب تصاعده بين لبنان ومحيطه، سواء إسرائيل أو سوريا في هذه المرحلة، من جهة ثانية. ولربما هذا ما يقف خلف بعض الأنباء المتسربة عن تخفيف وجود «الحزب» والقوات الإيرانية في بعض المناطق السورية، وقبله الامتناع عن التصعيد العسكري مع إسرائيل عندما حصلت «موقعة» إطلاق الصواريخ من سهل بلدة القليلة في الجنوب على شمال إسرائيل في 6 نيسان، والتي نُسبت إلى حركة «حماس» في حينها، فلم تؤكدها أو تنفيها.

تفاصيل الخلاف حول معركة الرئاسة أحيلت، حتى إشعار آخر، إلى الفرقاء اللبنانيين، الذين بات كل منهم يقرأ التطورات الإقليمية وفق مصلحته. هكذا رأى مؤيدو رئيس تيار «المردة» سليمان فرنجية عن أنّ لا مرشح للرياض ولا فيتو ضد أحد تطوراً إيجابياً لمصلحته لا سيما بعد لقائه أمس السفير وليد البخاري بمبادرة من الأخير، فيما اعتبر خصومه ومعارضو «الثنائي الشيعي» أنه يعني عدم تأييد فرنجية أسوة بغيره لأن القاعدة هي الحكم على الممارسات لاحقاً.

ورغم ضرب المواعيد من بعض القيادات وبينهم رئيس البرلمان نبيه بري، لانتخاب الرئيس، فإنّ الفريقين المتصارعين على الرئاسة ما زالا أمام استحالتين تتحكم كل واحدة بموقفيهما. وفي أحسن الأحوال يقر كل منهما بأن الأمور ستأخذ المزيد من الوقت.

فريق الممانعة أمام استحالة ضمان فوز فرنجية حتى لو استطاع تأمين أكثرية الـ65 صوتاً له ليُنتخب في الدورة الثانية من الاقتراع، في ظل نية معارضيه تطيير نصاب الجلسة كما أعلن رئيس حزب «القوات اللبنانية» سمير جعجع ورئيس حزب «الكتائب» سامي الجميل ومرشح كتلة «تجدد» الرئاسي ميشال معوض وآخرون، إضافة إلى ثمانية من التغييريين وكتلة نواب «لبنان القوي» برئاسة النائب جبران باسيل.

وفضلاً عن تشكيك كثر وبينهم ممثلو دول معنية، بقدرته على اجتذاب كتل مترددة أو وسطية لضمان الـ65 صوتاً، فإنّ الشكوك أكبر في قدرته على تأمين أكثرية الثلثين في حال نجح في ذلك.

فريق السياديين والمستقلين والتغييريين غير قادر على التوافق على اسم بديل يرشحه مقابل فرنجية رغم الجهود الحثيثة التي يبذلها النائب الدكتور غسان سكاف. وإذا نجح في ذلك وإذا كان الثنائي الشيعي غير راضٍ، بإمكانه أن يلعب لعبة تطيير النصاب التي كان أول من اخترعها، ليمنع وصول المرشح المعارض لمحور «الممانعة»، لأنه مصر على رئيس لا يقلقه في حال اضطر لاستخدام سلاحه سواء ضد إسرائيل، أو في سوريا إذا تعذرت محاولات تطبيع الوضع فيها واستمر الضغط الأميركي عليه وعلى إيران وفشلت قنوات التفاوض الخلفية بين واشنطن وطهران، في عُمان…

السيناريوات التي يتداول بها الوسط السياسي لفتح كوة في الجدار لا تقل تشاؤماً وتعقيداً. يفترض بعض السياديين المعارضين لـ»حزب الله» أن يصل «الثنائي» إلى قناعة بعد محاولات مرتقبة في البرلمان، بالتخلي عن خيار فرنجية، ليتم التفاهم مع «حزب الله» عندها على مرشح ثالث. لكن «الحزب» ليس في هذا الوارد، خصوصاً إذا كان هذا التفاهم مع معارضين لسلاحه.

ويفترض «التيار الوطني الحر» أن ييأس «حزب الله» من محاولة الإتيان بفرنجية، فيتفاهم النائب جبران باسيل معه عندها على مرشح يقترحه هو، يكون بهذه الحال لديه غطاء كتلة مسيحية وازنة، من دون تنسيق مع سائر الفرقاء المسيحيين فيخرج من حالة التقاطع بينه وبينهم على رفض رئيس «المردة»، على أن يقع هذا المرشح تحت تأثير «التيار الحر»، يطمئن إليه «الحزب». فما يهم الأخير أن يأتي إلى الرئاسة من يقف في وجه خصومه الذي يطرحون مسألة سلاحه، من جعجع إلى الجميل وغيرهما…

لكن دون هذا السيناريو، استحالة أخرى أيضاً هي انضمام بعض من يعول «الحزب» على اجتذابهم لمصلحة فرنجية من مترددين، ووسطيين، إلى خيار من بنات أفكار باسيل.

المصدر
وليد شقير - نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى