مقالات

أوروبا والصين… وبينهما أوكرانيا

على رغم الجهود التي يبذلها الاتحاد الأوروبي والصين كي لا تتأثر علاقاتهما بالحرب الروسية – الأوكرانية، فإن الجانبين لم يحققا النتائج المرجوة ولم يبددا الشكوك إزاء احتمالات مضي الأوروبيين نحو مسار صدامي مع بكين.

في الواقع لا ترى الصين أن من مصلحتها استعداء أوروبا، في حين أن الأوروبيين الواقعين تحت ضغط الحرب الأوكرانية، يريدون من بكين استخدام نفوذها لدى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين من أجل إقناعه بوضع حد لهذا النزاع. وها هي وزيرة الخارجية الفرنسية كاترين كولونا تدعو علناً الصين إلى استخدام “علاقاتها مع روسيا” من أجل دفعها “لتدرك أنها في طريق مسدود” في أوكرانيا.

من المفهوم جيداً أن أوروبا هي التي تتلقى الانعكاسات السلبية للحرب، وتدفع ثمن ذلك اقتصادياً واجتماعياً. ولذلك هي معنية بالدرجة الأولى، بإنهاء أخطر نزاع تشهده القارة منذ الحرب العالمية الثانية.

الأوروبيون في واقع الأمر لا يريدون القطيعة مع الصين، لأنهم يدركون تمام الإدراك أن تكلفتها عليهم أعلى بكثير من تكلفة مقاطعتهم لروسيا. لكنهم في الوقت نفسه يريدون الاستفادة من وضعيتهم الاقتصادية كي يلوحوا من بعيد لبكين بأنهم قد يكونون مضطرين في مرحلة ما إلى فرض قيود على 8 شركات صينية تتعامل مع موسكو.

هذا الموقف المعقد هو المطروح هذه الأيام في جولة وزير الخارجية الصيني تشين غانغ على كل من ألمانيا وفرنسا والنروج. الجولة تأتي بالتزامن مع اجتماع لسفراء الاتحاد الأوروبي حول الحزمة الحادية عشرة من العقوبات على روسيا. وضمن حزمة العقوبات، أوصت المفوضية الأوروبية بوقف صادرات التكنولوجيا الحساسة الى ثماني شركات صينية للاشتباه في أنها تبيعها لروسيا.

رفض تشين هذا الإجراء الأوروبي خلال محادثاته مع نظيرته الألمانية أنالينا بيربوك في برلين. وقال بوضوح إذا تم اتخاذ إجراء عقابي، فإن “الصين ستردّ أيضاً بالشكل المناسب كي تحمي المصالح المشروعة للشركات الصينية”.

ومع تفهم الخلفية التي ينطلق منها الأوروبيون في مخاطبة الصين، فإن ترجمة قلقهم بلغة العقوبات، على غرار ما تفعل الولايات المتحدة، سيعرض علاقاتهم مع شريكهم التجاري الأول للمخاطر.

وإذا اهتزت العلاقات الأوروبية – الصينية، فلن يصب ذلك في مصلحة جهود إنهاء النزاع الأوكراني. إن الانخراط الإيجابي مع الصين يبقى أفضل من لغة العقوبات. كما أن توصيف بيربوك “الحياد” الصيني أنه انحياز إلى روسيا، يضفي مزيداً من التعقيد على العلاقات.

منذ اليوم الأول للحرب لم تعلن بكين تأييدها لروسيا ورفضت أكثر من مرة مبدأ ضم أراضي الغير بالقوة. وفي المبادرة التي طرحها الرئيس شي جينبينغ تأييد صيني صريح لمبدأ احترام “سيادة الدول”. لكن الصين كانت واضحة منذ البداية بأنها تتفهم دواعي القلق الروسي من زحف حلف شمال الأطلسي نحو الحدود الروسية، وكانت واضحة لجهة اعتبارها العقوبات الغربية على موسكو وإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، بأنهما لا يساهمان في إيجاد حل للنزاع. كما فصلت بكين بين الحرب وعلاقات “الشراكة بلا حدود” مع روسيا.

الصين اليوم ثاني أكبر قوة اقتصادية في العالم، وترى من حقها أن يكون لها موقف مختلف عن الغرب في العلاقات الدولية. وهي لا تنظر بعين الارتياح إلى مماشاة بعض الدول الأوروبية لأميركا في مسألة تايوان. وعندما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارته الأخيرة لبكين إلى “حياد” أوروبي حيال هذه المسألة، انزعجت دول أوروبية أخرى، لا سيما دول أوروبا الشرقية التي دعت ماكرون إلى التراجع عن موقفه، والنظر إلى المساعدات التي تقدمها واشنطن لأوروبا في صراعها مع روسيا، فكيف يتعين على أوروبا أن تقف موقفاً محايداً بين أميركا والصين في تايوان!

التلميحات الأوروبية إلى احتمال فرض قيود على شركات صينية، لن يكون عاملاً مساعداً في الحفاظ على علاقات أوروبية – صينية سليمة، وسيزيد من حدة الاستقطاب العالمي، ليس إلا… ولن يكون عاملاً مساعداً في مسيرة البحث عن حل للنزاع الأوكراني.

المصدر
النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى