مقالات

استعادة بشّار الأسد وطرد غادة عون

فيما كان مجلس وزراء الخارجية العرب يقرّر إعادة النظام السوري الى “جامعة الدول العربيّة”، انشغل اللبنانيّون بقرار المجلس التأديبي للقضاة بطرد النائبة العامة الاستئنافية في جبل لبنان القاضية غادة عون، من السلك القضائي، بعد إدانتها بـإقدامها على ارتكاب “مخالفات في إطار ممارسة مهمتها القضائية، والتمرّد على قرارات رؤسائها والمرجعيات القضائية، وعدم الامتثال للتنبيهات التي وُجّهت إليها”.

وانقسم لبنان إلى فريقين متخاصمين يعلنان الانتصار في آن: الأوّل مرتبط بـ”محور الممانعة” الذي ينتسب النظام السوري إليه، والثاني معاد لغادة عون التي تقف وراءها غالبية تنتمي إلى القوى المناوئة لـ”محور الممانعة”.

مشكلة هذين الفريقين تكمن في أنّ أنتصار كل منهما وهمي، فلا عودة النظام السوري إلى “الحضن العربي الدافئ” سوف ينهي مآسي اللبنانيّين والسوريّين، بل العكس هو الصحيح، إذ إنّ تعويم ديكتاتوريّة مثقلة بالدماء سوف تكون له تداعيات خطرة على لبنان الذي طالما تعاطى معه النظام السوري على أنّه مجرّد تابع، ولا طرد غادة عون من سلك القضاء سوف يُنهي مآسي العدالة العاجزة عن إحقاق الحد الأدنى من العدل، فها هو المحقق العدلي في ملف انفجار مرفأ بيروت طارق البيطار مشلول “كجلمود صخر حطّه السيل من علِ”، والنائب العام التمييزي غسّان عويدات “مطلوب قانونيًّا”، وها هم قضاة لبنان قد أصبحوا مجرد صندوق بريد للوفود القضائية الأوروبيّة التي يخشاها هؤلاء الذين لا يتوانون لحظة واحدة عن “قضّ المراجل” على “أكبر رأس” في “العدليّة”.

وإذا كان تعويم بشّار الأسد، بغض النظر عن أسبابه الموضوعيّة، يوهمه أنّه، بمساعدة “حزب الله”، سوف يكون قادرًا على تصفية حساباته، في وقت لاحق، مع جميع خصومه في لبنان والتعامل معهم، كما لو كانوا من أشد معارضيه السوريّين التائهين في “المهاجر” درءًا لأنفسهم من السحل والقتل والتجويع والمعتقلات، فإنّ طرد غادة عون، بغض النظر عن سلوكياتها المثيرة للاستغراب، سوف يفتح الشهية على تصفية جميع القضاة المغضوب عليهم من المتحكمين بلبنان، بمجرّد ارتكابهم أصغر هفوة أو عند شنّ حملات دعائية ضدهم مستندة إلى أفعال مزوّرة منسوبة إليهم.

في الواقع، إنّ اللبنانيّين إذا لم ينجحوا في إعادة بناء الدولة لا يمكنهم أن يفرحوا بأيّ تطوّر، لأنّهم لن يجدوا لا مجتمعًا دوليًّا يحترم مصالحهم، ولا دولة قانون ترعى حقوقهم، ولا مرجعيات دستوريّة تمنع الافتئات عليهم.

وحتى تاريخه، ليس في الأفق أيّ حل للمأساة اللبنانيّة، لأنّ من يفترض بهم أن يكونوا صنّاع القرار فيه، ينتظرون ما يمكن أن تنعم عليهم به التطورات الإقليمية والدوليّة، مثلهم مثل المراهنين على أحصنة “سبق الخيل”، في ظلّ ارتهان خطر هنا وعجز معاند، هناك.

ومن الأرجنتين إلى اليونان، لم تعرف دولة ضربها الانهياران المالي والاقتصادي، هذا السخف السياسي الذي يتحكّم بلبنان، منذ خريف عام 2019، إذ إنّه بدل أن يستنفر الجميع قواهم في ما يشبه حالة الطوارئ للسير بخطة إنقاذية، يحاول كل طرف أن يفيد نفسه من المآسي، في محاولة منه للقضاء على خصومه وتحجيمهم وتهميشهم.
وقد أدى هذا النهج إلى أكبر عملية “تدمير ذاتي” شهدتها دولة، فتمّ عزلها إقليميًّا ودوليًّا، والاستخفاف بمشكلاتها مهما كانت معقدة، كوضعية لبنان مع اللاجئين أو المهاجرين أو النازحين السوريّين، وكالوقوف إلى جانب النظام السوري الذي رعى عمليات تهريب المخدرات والبضائع والأسلحة والمجرمين، وتركها من المؤسسات المالية الدولية “تلحس دماءها”.

وعليه، لا عودة النظام السوري إلى “جامعة الدول العربية” تفترض تنظيم احتفالات الفرح في لبنان، ولا طرد القاضية غادة عون أيضًا، لأنّه، في ظلّ العجز عن استعادة الدولة، من شأن كل حدث، مهما كان مهمًّا، أن ينقلب وبالًا على رافعي رايات النصر.

المصدر
فارس خشان - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى