إقتصاد

وفق أي سعر “صيرفة” يتقاضى الوزراء والنواب والقضاة رواتبهم؟

هل هي مسألة تتم بالخفاء، او اقلّه بشكل غير علني، ولِمَ هذا الغموض والتناقض في المعلومات، والأهم لِمَ التكتم!؟ إنها مسألة دفع رواتب الوزراء والنواب والقضاة على أساس سعر صيرفة 8000 ليرة.

منذ فترة وتتكرر المعلومات حول هذا الامر، ما دفع وزارة المال الى اصدار بيان توضيحي أفادت فيه انها “سددت كل رواتب الشهر الحالي على سعر صيرفة 60 الف ليرة، وان هذا الامر يشمل رواتب القضاة والعسكريين وموظفي الوزارات والإدارات العامة والمؤسسات العامة، إضافة الى معاشات المتقاعدين من القطاع العام”.

ونفت الوزارة “أي تمييز بين موظفي القطاع العام، وان سعر 60 الف ليرة تم اعتماده للرواتب والمعاشات من دون أي استثناء”.

ربما جاء صدور هذا البيان بعدما كثرت الروايات حول التمييز الذي طاول النواب والوزراء والقضاة، فما صحة اعتماد سعر صيرفة على 8000 ليرة؟

وحاولت التدقيق في الامر، وكانت مفارقة لافتة ان الجميع تكتّموا حول الامر، لاسيما لجهة ذكر اسمائهم.

من جهة وزارة المال، اكتفى المعنيون بالقول ان “البيان الذي صدر واضح”، رافضين إعطاء أي تفاصيل اخرى، ومؤكدين ان “لا تمييز. البيان وافٍ ودقيق”.

من جهة النواب، علمت “النهار” انهم لا يتقاضون رواتبهم على أساس سعر صيرفة 8000 ليرة، بل حصلوا على “مساهمة اجتماعية” بلغت قيمتها 12 مليون ليرة، وبالتالي باتوا يقبضون 22 مليونا و200 ألف بدل 10 ملايين و200 ألف.

وفيما تضاربت المعلومات في شأن القضاة، بين عدم التمييز بينهم وبين سائر الموظفين كما جاء في بيان وزارة المال، ثمة ترجيحات غير مؤكدة رسميا تفيد انهم يقبضون على سعر صيرفة 8000 ليرة.

وعند كل استفسار لـ”النهار” حول الامر، تتم الإحالة على بيان وزارة المال، لانه لو كان سعر صيرفة 8000 ليرة للقضاة مثبتاً رسميا، فان ذلك يكون بلا شك نتيجة اتفاق رسمي بين وزيري المال والعدل، الى جانب حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، وموافقة الرئيسين نبيه بري ونجيب ميقاتي أيضا.

إذاً رسميا، لا يمكن الاستناد خطياً إلا الى بيان وزارة المال.

طعن وجرم جزائي؟

أما اذا كان الامر قد حصل سابقا او يحصل الآن، فثمة سؤال مشروع آخر هو: هل يجوز الطعن وما هي الآلية والجهة الصالحة لذلك؟

هنا أيضا يتكتم اكثر من مرجع قانوني عن الإجابة، لانهم يعتبرون ان لا بيان رسميا مكتوبا او ما يسمى “السند القانوني” الذي يمكن الركون اليه لمعرفة أولا ما اذا كانت المعلومة صحيحة ام لا، ومن ثم الانطلاق من وجود هذا السند للوصول الى امكان الطعن به.

… وبعد، يمكن من خلال المعلومات القانونية المستقاة من اكثر من مصدر التشديد على النقاط الآتية:

أولا، أن لا قرار اداريا مكتوبا رسميا وعلنيا يحدد ان القضاة والوزراء يقبضون على أساس 8000 ليرة، ولا قانون يجيز ذلك. وبالتالي، ان الامر، اذا صحّ، يُعتبر جرما جزائيا يتصل بإهدار المال العام، لانه يتصل برفع الرواتب خلافا للأصول والقانون، لان أي زيادة للرواتب تحصل عادة عبر قانون.

ثانيا، ان الموضوع لا يتعلق فقط برواتب القضاة او الوزراء، بل هو نظام يتصل برفع الرواتب لموظفي القطاع العام بالمجمل، عبر اعتماد سعر صيرفة، اذ يتم اللجوء الى تغطية الفرق من موازنة الدولة ومن احتياط مصرف لبنان ومن اموال الناس لتغطية كلفة شخص آخر.

ثالثا، ان لعبة صيرفة هي عبارة عن زيادة رواتب خلافا للقانون. والاهم ان لا احد يعرف كيف تتحرّك منصة صيرفة وكيف تحتسب الرواتب لبعض الجهات، لاسيما ان تحديد السعر يتفاوت أحيانا، واحيانا أخرى يتحدد عند آخر دقيقة، وان غياب القانون يجعل منصة صيرفة غير قانونية في ما يخص الرواتب.

اذا تم جمع كل هذه المعطيات، يمكن التوصل الى استنتاجين:

الأول، اذا كان ثمة قرار من وزارة المال او وزير المال بشكل مكتوب وخطي بشأن الرواتب، يمكن الطعن به امام مجلس شورى الدولة لانه قرار اداري. في هذه الحالة، يمكن ان تتقدم بالطعن جمعيات تختص بمكافحة الفساد ومثيلاتها من جمعيات تُعنى بحفظ المال العام.
الثاني، التوجه امام النيابة العامة المالية بتهمة اهدار المال العام وانفاقه خلافا للأصول وزيادة الرواتب من دون سند قانوني. وهذا الامر يمكن ان يتقدم به أي مواطن.

اذاً الطعن ممكن، انما ينبغي الاستحصال أولا على قرينة ما او دليل، فيما كل البيانات المالية الرسمية تنفي ذلك، حتى اللحظة.

لقد باتت منصة صيرفة بشكل عام كما لو انها سرّ من اسرار الدولة العليا، يسودها التكتم والغموض، فهل من “مراسلة شفهية” او “اتفاق ضمني” بين المعنيين، تحوَّل، على أساسه، الرواتب عند نهاية كل شهر لبعض المحظيين؟!…سؤال يستحق الإجابة والتوضيح بغير البيانات “البروتوكولية”.

المصدر
النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى