إقتصاد

مصرف لبنان أحال التعميم 161 إلى التقاعد: أدّى قسطه للعلى!

بما ان الدولة اللبنانية، أوكلت وبكل طيبة خاطر مهمة إدارة الإقتصاد الوطني الى مصرف لبنان في انتظار أن تستيقظ مكونات الطبقة السياسية من سباتها وتطلق مسيرة الإصلاحات المطلوبة محليا ودوليا، كان لزاما على “المركزي” استنباط الحلول والتدخل وفق الحدود التي أنيطت به وفق قانون النقد والتسليف، او وفق رؤيته، للحد من الأضرار الجسيمة، وإعادة ترتيب الواقع على نحو يسمح للمرافق والمؤسسات العامة القيام بوظائفها، وصولا الى إعادة ترميم الثقة بقدرات الاقتصاد اللبناني وبالعملة الوطنية.

وقد سمح تدخل مصرف لبنان في السوق، إن من خلال منصة “صيرفة” أو عبر التعاميم، الى حد ما، بلجم إندفاعة ارتفاع سعر صرف الدولار، كما تنظيم العمليات المصرفية. ولعل أبرز هذه التعاميم التعميم الأساسي الرقم 161 الذي أصدره في نهاية العام 2021، لتنظيم عمليات السحوبات النقدية من المصارف وفق سعر المنصة. التعميم، وهو إحدى أدوات عمل “منصة صيرفة”، رمى الى ضبط سلوكية سعر صرف الدولار في السوق الموازية، وتقليص الهامش بين سعر صرف الدولار وفق “صيرفة” وسعر الصرف في السوق الموازية، وتحويل جزء من الطلب على الدولار من هذه السوق الى المنصة، وسحب كميات من السيولة بالليرة اللبنانية.
ولكن يبدو أن مصرف لبنان قرر احالة التعميم 161 الى التقاعد وسحبه من ساحة المعركة، بعدما أنجز مهمته ولم يعد له التأثير الكبير ميدانيا، ولكن من دون الإعلان عن ذلك لكي لا يحدث انسحابه اي ضجيج خصوصا انه أصبح في عداد “لزوم ما لا يلزم”. فماذا في التفاصيل؟ وهل يمكن ان يؤثر وقف التعميم على سعر الصرف أو تقييد أموال المودعين؟

ينص التعميم 161 على دفع المصارف لعملائها السحوبات النقدية التي يحق لهم سحبها سواء بالليرة أو بالدولار، وفق الحدود المعتمدة لدى كل مصرف، على أن تكون بالفريش دولار وفق سعر الصرف على منصة صيرفة في اليوم السابق للسحب. التعميم الممدد له مرات عدة، يتيح لأصحاب الحسابات المصرفية والموظفين الموطنة رواتبهم في المصارف، سحب مبالغ موازية لرواتبهم او سحوباتهم بالدولار وفق سعر صرف منصة صيرفة، بمعنى آخر يتيح شراء الدولارات من المصارف بسعر صيرفة الذي يقل عن سعر دولار السوق السوداء.

وكان حاكم مصرف لبنان أوضح أن الهدف من التعميم هو جعل سعر صرف الدولار في السوق الموازية تحت السيطرة عبر سحب الليرات من السوق وضخ الدولارات بالمقابل. وأكد أن التعميم سينطبق على موظفي القطاع العام بالحصول على رواتبهم بالدولار، والهدف من ذلك تهدئة أسواق القطع وكذلك المحافظة على القدرة الشرائية للموظفين.

واذا كان البعض يتخوف من تأثير وقف العمل بالتعميم 161 على ارتفاع سعر صرف الدولار، فان مصادر مصرف لبنان أكدت أن “لا تأثير نهائيا لوقف التعميم على سعر صرف الدولار كون صيرفة، وهي الاساس، مستمرة بشكل طبيعي دون قيد او شرط. وكذلك الحال بالنسبة للمودعين، بدليل أن لا تغيير في التعميمين 158 و 151”. وإذ أكدت أن “رواتب القطاع العام لن تتأثر وسيستمر دفعها على صيرفة”، أوضحت أن “التأثير قد يطال موظفي القطاع الخاص الموطنة رواتبهم في المصارف، خصوصا وان بعضهم كان يقبض راتبه بالدولار على سعر صيرفة، ولكن بعد توقف التعميم 161 قد يتعذر عليهم ذلك، ولكن يمكنهم القيام بعملية صيرفة عادية بما يوازي راتبهم وأكثر دون قيد”.

وتوضح مصادر مصرفية أن “المصارف كانت ملزمة بالدفع للمودعين الذين كانوا يحق لهم سحب مبلغ 1600 دولار شهريا وفق التعميم 151 على سعر صرف 15 الف ليرة اي بما يعادل 24 مليون ليرة على سعر صيرفة. أما حاليا فإن البنك ملزم أن يعطي المودع 24 مليون، ولكنه غير ملزم أن يعطيه المبلغ بالدولار كاش بالدولار. ولكن في المقابل في حال أراد المودع المبلغ بالدولار، يمكن ان يحصل على المبلغ بالعملة اللبنانية كاش، ومن ثم الطلب من مصرفه وضع المبلغ على منصة “صيرفة” للافادة منه بالدولار”.

الى ذلك أشيع ان ثمة طلبات للافادة من منصة صيرفة بمليارات الليرات اللبنانية تعود الى أول اسبوع من سنة 2023 عندما كان سعر الصرف على المنصة 38 ألف ليرة، وحتى الآن لم يدفعها مصرف لبنان للمصارف. كما أشيع أن مصرف لبنان أبلغ المصارف ضرورة رد المبالغ لأصحابها، بيد ان المصادر المصرفية عينها قالت: “صحيح أن مصرف لبنان تأخر في تسديد هذه المبالغ، لكنه عاد وسددها تدريجيا ولا مبالغ عالقة، مرجحة التأخير الى عدم التزام بعض المصارف المعايير التي وضعها “المركزي”.

وأكدت مصادر مصرف لبنان أنه “تم تسديد كل مستحقات “صيرفة” القديمة، وحاليا تعمل المنصة بشكل عادي وجيد ومن دون أي مشاكل، وهذا واضح من ارتياح السوق واستقرار سعر الصرف، وانخفاضه احيانا في الفترة الاخيرة”.

خبير المخاطر المصرفية الدكتور محمد فحيلي قال أن منصة صيرفة جاءت بموجب أحكام قانون 157، بحيث ألزم مصرف لبنان المصارف بالتسجل على المنصة لدى إنشائها، ولكنه ترك لها حرية الإنخراط بها والتداول عليها وبيع دولارات مدعومة لزبائنها. بيد أن التعميم 161 الأساسي، الذي كانت صلاحيته لشهر، مختلف تماما إذ جاء بموجب إتفاق ثلاثي بين رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ووزير المال يوسف خليل، وكان الهدف منه دفع رواتب وأجور القطاع العام وفقا لسعر دولار مدعوم على المنصة تجنبا لتحميل خزينة الدولة أعباء إضافية.

ووفق فحيلي فإنه “في الآونة الأخيرة، فرض على مصرف لبنان دفع الرواتب والأجور لموظفي القطاع العام وفقا لسعر صرف 60 ألفا، في الوقت الذي يبلغ السعر على منصة صيرفة 86 ألفا، بما دفعه الى تسجيل هذا الفارق دينا على الخزينة. لذا لم يعد مجديا تجديد التعميم 161، إذ بات هدف مصرف لبنان، دفع رواتب وأجور القطاع العام وفقا لسعر منصة صيرفة أي 60 ألفا لتحميل الخزينة الحد الأدنى من أعباء زيادة هذه الرواتب وتأمين جرعة إستهلاك إضافية من الفرق في سعر الصرف، ومصاريف تشغيلية أخرى لسلطة سياسية عاجزة عن إتخاذ أي قرار صائب ويعود بالمنفعة للوطن والمواطن.

واشار الى ان أهمية “إعادة الحياة إلى القطاع المصرفي من خلال فرض توطين رواتب وأجور الموظفين، وتسديد فواتير المصاريف التشغيلية الأخرى للمؤسسات، وإعادة فتح الحسابات التي أقفلت قسرا. كما أن تفعيل العمل بوسائل الدفع المتاحة من القطاع المصرفي تحل جزءا كبيرا من المشاكل النقدية التي يعاني منها المواطن عند تسديد فاتورة الإستهلاك، وهي أفضل من الأوراق النقدية وأفضل بكثير من دولرة في الأسعار”.

في سياق آخر، اعتبر فحيلي أن الإستقرار في سعر الصرف سببه قدرة القطاع الخاص على الصمود، ودعم لبنان الإغتراب للبنان المقيم، والسياسة النقدية لمصرف لبنان، ولو أن الإجراءات التي يتخذها، هي اجراءات إستثنائية وظرفية في إنتظار إقرار الإصلاحات وتطبيقها. ‏ومن الإيجابيات التي قد تساهم في هبوط إضافي وملحوظ بسعر صرف الدولار برأي فحيلي إنتخاب رئيس للجمهورية معطوف على إرتياح عربي لإختياره، وتشكيل حكومة تلقى دعم المواطن اللبناني وقادرة على تنفيذ إصلاحات ضرورية، وإجراء الإنتخابات البلدية والمختارية لأن اللامركزية الإدارية هي خشبة خلاص لبنان في معظم الملفات الشائكة”.

المصدر
النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى