إجتماعمقالات

ارتفاع حالات تعنيف الأطفال والأرقام صادمة… “دقيقة صمت على أحلامهم”!

“معلمتي بالمدرسة كانت تقلّلي إنّي فاشل”، “ماما ما كانت تحبني ولا تقرّب تغمرني”، “بابا كان يضربني ويقلّلي هالشي لمصلحتي”، “رفيق العيلة كان يقرّب مني بطريقة غريبة”… هذه العبارات ليست من نسج الخيال، ولا مقتطفات من فيلم أو مسلسل، بل هي وقائع حصلت في مجتمعنا الغارق بخوفه من “كلام الناس”، حيث يتغاضى الأهل عن هذه الاعتداءات تجاه أطفالهم تحت شعار “صغير شو بيفهمّو”. فهل يسأل هؤلاء أنفسهم كيف يمكن لكلمة واحدة أو تصرّف “جاهل” و”عابر” أن يُدمّرا حياة طفل ومستقبله؟

حكاية ريما التي سرقوا منها طفولتها!

تستذكر ريما سليمان (٣٧ سنة) في حديث “مراحل طفولتها الموجعة”، بحسب تعبيرها، فهي لم تعد تلك الفتاة الصغيرة الهاربة من خالها الذي كان يُلاعبها بطريقة جنسيّة “مقزّزة” خلال غياب والدَيْها. “حاولت مراراً إخبار والدتي بالأمر، وفي كلّ مرّة كانت توبخني وتضربني لأنّني أفكّر بهذه الأمور التي لا تُناسب سنّي، على حدّ قولها، فكنت أتجنبّ الذهاب إلى بيت جدّي في العطل أو بعد المدرسة، كي لا أضطر لرؤية خالي ولو لثوانٍ، لأنّ الطفلة التي كانت بداخلي تخشى التواجد في محيط عائلتها… كلّ الأماكن أصبحت غير آمنة بالنسبة لي”.

تروي ريما حكايتها بغصّة وحرقة، إذْ تلك الفتاة الصغيرة الخائفة لم تُفارقها بتاتاً طيلة مراحل حياتها، والأخطر من ذلك أنّها لم تُدرك تأثيرها الكبير على تصرّفاتها وردود فعلها إلى أن أصبحت أمّاً، فراحت تقسو على ابنتها ماريا (٥ سنوات) وتُفرغ غضبها بها. “سرقوا مني طفولتي، وكدت أسرق طفولة ابنتي أيضاً. فأيّ ذنب اقترفت لأعيش منعزلة طيلة حياتي؟ لَعَنَ الله مَن كان السبب”.

أرقام صادمة… و”حماية” تُطلق حملة توعويّة 

وسط السوداويّة الغارقون بها، قد لا تُشكّل قضايا تعنيف الأطفال الأولويّة لدى الجهات الرسميّة، مع العلم أن الأرقام التي استحصلت عليها من جمعيّة “حماية” صادمة وتُنذر بكارثة بفعليّة إذا استمرّت على هذا المنوال، إذْ تُشير الأرقام إلى تسجيل 856 حالة تمّ تقييمها من قبل “حماية” منذ بداية عام 2023حتّى اليوم، أيّ خلال 4 شهور فقط.

في سياق متّصل، تؤكّد استشاريّة قسم المناصرة والحماية القضائيّة باسمة روماني بلوط على أنّ الحملة الإلكترونيّة التي أطلقتها “حماية” اليوم “ستترك أثراً كبيراً لدى روّاد مواقع التواصل الاجتماعيّ، لأنّها تعكس حقيقة مجتمعنا بعيون صغاره، فيما القصّة التي تناولها الفيديو المصوّر حقيقيّة وتُهدّد مستقبل المئات من أطفالنا إذا ما تحلّى الأهل بالوعي والحكمة اللازمين لإبلاغ الجهات المعنيّة أو الجمعيات التي تتعاطى بهذا الشأن مثل “حماية”، التي تُتابع قضايا تعنيف الأطفال على الصعيدين القضائيّ والاجتماعيّ أيضاً”.

الفيديو المصوّر الذي أطلقته “حماية” يُغطي نوعاً أو أكثر من العنف ضدّ الأطفال، وليس الهدف منه استعراض تلك الأنواع، بقدر ما يُركّز على انعكاسها السلبيّ على الطفل ومستقبله، ولعلّ عيون التلميذ المليئة بالحزن والضياع خير دليل على ذلك. “المسار القانونيّ يأخذ وقتاً طويلاً، ولكن كلّ بلاغ بالنسبة إلينا هو بمثابة تغيير، لأنّ هدفنا الأساسيّ حثّ الأهالي وغيرهم على التجرؤ لطلب المساعدة المختصّة وعدم الخجل من ذلك”، تقول باسمة.

عادةً، تتبع “حماية” في عملها مسارَيْن، الأول قضائيّ تتراوح مدته بين الـ24ساعة والـ15 يوماً بحسب نوع العنف وشدّته، والثاني اجتماعيّ، يستغرق مدةً أطول بحيث يتضمّن سلسلة مقابلات مع الطفل المعنّف وعائلته من قبل اختصاصيّة اجتماعيّة وأخرى نفسيّة تُعيّنهما “حماية” بعد دراسة كلّ حالة.

هذا وتعتبر باسمة أنّ “القوانين اللبنانيّة مُجحفة بحقّ الأطفال، بخاصّة القانونرقم 422/2002″، لافتةً إلى أنّه “وفقاً للقانون المذكور، يحقّ للجهات الأمنيّة توقيف أيّ طفل مخالف للقانون وعرضه على المحكمة، لكنّه لا يُحاكم”، أيّ وكأنّنا نجعله يختبر الحياة الجرميّة بتفاصيلها دون الاكتراث لمخاطر هذه الأحداث عليه ومن ثمّ نتركه لمصيره المجهول. ناهيك عن توقيف الأطفال دون الـ18 عاماً، كما عدم تحديد مؤشرات العنف والمخاطر التي قد تطال الطفل في حال تعرّضه لأيّ اعتداء، لتبقى المواد القانونيّة فضفاضة وغير واضحة، وبالتالي يُترك لكلّ قاضي حرّية الحكم والتفسير وفقاً لضميره الإنسانيّ والمهنيّ.

علم النفس يُحذّر من هذه الظاهرة… وإلّا؟

تقول الاختصاصيّة في علم النفس، ليا مهنّا إن “هناك 5 أنواع رئيسيّة من الاعتداء على الأطفال، وهي الإهمال، الاعتداء الجسديّ، النفسيّ، المعنويّ، وأخيراً الاعتداء الجنسيّ أو التحرّش”، مشدّدةً على أن “العنف اللفظيّ الموجه من الوالدين إلى أطفالهم يؤثر عليهم بشكل أشدّ من العنف الجسديّ، فالطفل يمكن أن ينسى آلام الضرب مع الوقت، بينما يبقى الألم النفسيّ طويلاً ويؤثر على ثقته بنفسه وشخصيّته”.

“هذا ويحوّل التعنيف اللفظيّ الطفل إلى شخصيّة انطوائيّة أو عدوانيّة. لذلك، ننصح الأهل خلال جلسات العلاج بالامتناع عن استخدام الإهانة تجاه أطفالهم، كي ينموا بشكل صحيح دون مشاكل نفسيّة في المستقبل. والأمر المريب أنّه خلال فترة كورونا والحجر الصحيّ ارتفعت حالات تعنيف الأطفال بشكل صادم في لبنان، ولا يزال نحو 85% من مجمل تلك الحالات لا يخضع لأيّ متابعة نفسيّة أو اجتماعيّة، فأيّ مستقبل ينتظر هؤلاء الأطفال وسط المعاناة التي يتعرّضون إليها، وما ذنب طفولتهم بكلّ هذا؟”، تسأل مهنّا.

محافظة بيروت “بسمنة” والباقي “بزيت”

“حمايّة” منتدبة في محافظتي البقاع والشمال من قبل وزارة العدل، أيّ بإمكان أيّ مَن تعرّض لأيّ شكل من العنف الرجوع إليها للمساعدة والمتابعة القانونيّة. ولكن ماذا عن محافظة بيروت العاصمة؟ 

تُشير مصادر قضائيّة إلى أن “محافظة بيروت لم تعانِ يوماً كسائر المحافظات من التأخر بتطبيق القوانين أو البتّ بقضايا تعنيف الأطفال، على عكس المناطق النائيّة التي تُعاني الأمرّين، نتيجة عدم تطبيق اللامركزيّة الإداريّة”، كاشفةً أن “عدد من النواب الحاليين بصدد تقديم مسودة قانون لتعديل بعض المواد القانونيّة المتعلقّة بالأطفال في لبنان، وهنا نذكر أيضاً النازحين والأجانب، على أن يشمل التعديل فترة محكومية الأحداث، والحضانة، كما حالات مكتومي القيد”.

قبل 33 سنة، توعد زعماء العالم بالدفاع عن حقوق الأطفال باتفاقية تاريخيّة عام 1990. وصارت هذه الاتفاقية التي وقّع عليها لبنان أيضاً الأكثر انتشاراً في التاريخ. لكن ليس كل طفل يعيش طفولة سعيدة، والحلّ يبقى بنشر ثقافة الوعيّ وتقبّل الدعم بالدرجة الأولى، ومن ثمّ تعديل القوانين، كي لا نضطر أن نقف دقائق صمت أكثر على طفولتهم الضائعة…

المصدر
إيسامار لطيف -mtv

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى