مقالات

للتخلص من أساطين الفساد حتى لا تبقى مجرّد أمنيات!

من سخرية القدر أن يكون الشقيق والصديق وحتى حكام الصين، أكثر إهتماماً بالإنتخابات الرئاسية، والأزمات السياسية والإقتصادية، فيما أهل السياسة عندنا غارقون في الخلافات الفئوية والشخصية، ويزايدون على بعضهم بعضاً بالخطابات الشعبويّة والمواقف الناريّة.
ليست مجرد صدفة عابرة أن يتواجد ممثلو إتفاق بكين، بين السعودية وإيران برعاية صينية رفيعة المستوى، في لبنان في فترة متزامنة لتحريك الركود المحيط بالإستحقاق الرئاسي، وتشجيع الأطراف اللبنانية على الذهاب إلى مساحة مشتركة، للتوصل إلى تسوية توافقية، تُنهي هذه المراوحة القاتلة في دوامة العجز والفشل، حيث الأزمات تكبر وتتراكم وتصبح أكثر تعقيداً، وأشد صعوبة على الحل.
زيارة وزير الخارجية الإيراني حسين عبد الأمير اللهيان إلى لبنان، عودة السفير السعودي وليد بخاري إلى بيروت بعد الإجازة الرمضانية، مجيء الموفد الخاص للحكومة الصينية تزاي جون إلى العاصمة اللبنانية، هي مؤشرات واضحة على وضع الملف اللبناني على طاولة إتفاق بكين، بعدما أخذت قضية اليمن طريقها إلى الحل النهائي.
وبعيداً عن أساليب التسريبات والتكهنات، وما يرافقها من تفسيرات متناقضة على الطريقة اللبنانية، بدا واضحاً حرص الأطراف الثلاثة للتعاطي مع الوضع اللبناني، بكثير من التحفظ والإتزان، وبمنأى عن الإنقسامات اللبنانية التقليدية، وبما يساعد على التوصل إلى صيغة مقبولة من الجميع لإنتخاب رئيس توافقي، بعيداً عن حسابات الإنتصار لهذا الفريق، أو الإنكسار لذلك الفريق.
الوزير الإيراني تجنب إعلان تبنّي بلاده لمرشح حزب الله، مكرراً في أكثر من تصريح دعوة اللبنانيين للذهاب إلى التوافق في الإنتخابات الرئاسية، عبر العودة إلى الحوار بين الأطراف السياسية، للتوصل إلى النتائج المرجوة.
وكان لافتاً، خلال المؤتمرالصحفي، وقبله في لقائه مع مجموعة من النواب، إصرار عبد اللهيان على عدم الدخول في لعبة الأسماء في إستعراض المرشحين للرئاسة، مشدداً على أن «أي شخصية لبنانية مرموقة تصل إلى سدة الرئاسة اللبنانية بالتوافق سيكون مرحباً بها في إيران».
كل الأنظار مُركّزة على حركة السفير السعودي وليد بخاري العائد من الإجازة الرمضانية، والذي إستغل «البعض» غيابه لإطلاق شائعات نقله من بيروت، والتي لا أساس لها من الصحة، إلا في عقول أصحابها!
ويمكن القول عشية عودة حركة السفير بخاري إلى نشاطها المعهود، أن ليس في الأفق السعودي ما يُشير إلى تبدل موقف المملكة الأساسي، والقائم على الرفض بالدخول في مناورات التسمية للمرشحين، على اعتبار أنه شأن لبناني داخلي. ولكن مع التمسك بالمواصفات التي طرحها الوفد السعودي خلال اللقاء الخماسي في باريس، والتي تركز على ضرورة أن يكون الرئيس العتيد من خارج منظومة الفساد الحالية، وأن لا تكون عليه أية شبهة فساد، ويتمتع برؤية إنقاذية تُسهّل مهام حكومة الإصلاح والإنقاذ، ويحظى بأوسع تأييد توافقي ممكن، والأهم أن لا يكون رئيس تحدٍ لأحد.
ورغم كل المحاولات والإجتهادات التي دارت حول موقف المملكة من ترشيح رئيس تيار المردة، فقد نأت الرياض وسفيرها في بيروت، عن الخوض في نقاشات لا تخدم التوصل إلى الصيغة التوافقية المنشودة حول شخصية الرئيس العتيد، مع التذكير بأن الجانب السعودي لم يوافق على المقايضة الفرنسية المعروفة « فرنجية ــ نواف سلام»، لأن التجارب المماثلة سابقاً لم تكن مشجعة، حتى لا نقول أنها كانت فاشلة في تحقيق التوازن المنشود في السلطة.
ولا بد من التكرار بأن ثمة حرصاً سعودياً على الأخذ بعين الإعتبار هواجس كل الأطراف السياسية والحزبية، بما فيها حزب الله والتيار الوطني الحر، في أية صيغة توافقية أو تسووية يتم التوصل لها، للعبور إلى الإنتخابات الرئاسية ومعها الإتفاق على تشكيلة الحكومة ورئيسها وبرنامج الأولويات التي ستعتمده لإستعادة الثقة بالدولة اللبنانية.
الديبلوماسي تزاي جون موفد الحكومة الصينية لقضايا الشرق الأوسط، جاء إلى بيروت ليؤكد إهتمام حكومته بالوضع المتأزم في لبنان من جهة، ويجدد حرص بكين على متابعة كل الجوانب المتعلقة بنجاح تنفيذ الإتفاق السعودي ــ الإيراني، من جهة أخرى.
والمعروف أن الصين الناشطة على أكثر من صعيد إستراتيجي وسياسي واقتصادي وتنموي في المنطقة، مستعدة لتنفيذ مشاريع حيوية مهمة لتسريع النهوض بالاقتصاد اللبناني، فور عودة الإستقرار إلى وطن الأرز.
ولكن كل هذه المعطيات تبقى مجرد أمنيات، إذا لم يحقق لبنان النقلة النوعية المطلوبة في أداء السلطة والمؤسسات الدستورية، والعمل على تجديد البنية السياسية، والتخلص من أساطين الفساد.
للتخلص من أساطين

المصدر
صلاح سلام - اللواء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى