مقالات

دعوات التوافق للرئاسة: إيران تبيع الورقة!

اتخذت المواجهة السياسية في الايام العشرة الاخيرة طابعا خلافيا جديدا يقع في تفسير المواقف الخارجية مما يتم تداوله في الاستحقاق الرئاسي. برز ذلك في شكل خاص في تصدي لافت لحزب “القوات اللبنانية” لما يتم تسريبه عن موقف المملكة السعودية من المبادرة الفرنسية وحتى عن الموقفين الفرنسي والاميركي كذلك في ظل اقتناع بان حربا اعلامية نفسية يخوضها فريق 8 اذار من اجل كسب المترددين من النواب كما من اجل اقناع الخارج المتردد بان العناصر الخارجية الداعمة باتت متوافرة والعرقلة تتوقف الى مواقف داخلية للمعارضة .

المواقف التي عبر عنها افرقاء قوى 8 اذار حول موافقة سعودية جزئية او هي على الطريق وعدم تراجع باريس عن مقاربتها تم الرد عليها بان المواقف الداخلية المعارضة لوصول رئيس تيار المردة سليمان فرنجيه بصفته مرشح الثنائي الشيعي حصرا لن تخضع للضغوط الخارجية في حال كان الرهان على تبدل موقف المملكة السعودية من فرنجيه ، بعدما فسر استقبال المستشار الفرنسي باتريك دوريل في الرياض بعد لقائه فرنجيه وتلقيه ضمانات منه ونتيجة اتصال اجراه الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بولي العهد السعودي محمد بن سلمان بان نافذة سعودية قد فتحت امام التجاوب مع المسعى الفرنسي. وذلك فيما ان الصمت السعودي حتى الان يترك المجال امام تفسيرات متعددة من بينها التفسيرات الاخيرة.

وتعتبر مصادر سياسية ان الاصرار من قوى 8 اذار على نيل الرضى السعودي باعتبار انه يضغط على القوى المعارضة من اجل تأمين النصاب لانتخاب فرنجيه يهدف الى تخفيف وقع ” هزيمة ” اقليمية بانتخاب المرشح الذي يدعمه ” حزب الله” باعتبار ان هذا الانتخاب في حال حصوله لن يقلل من اهمية الانطباعات السائدة بقوة عن غلبة المحور الايراني او تسليم لبنان اليه نهائيا عبر نجاحه في ضمان انتخاب مرشحه مرة ثانية بعد انتخاب ميشال عون . والانطباعات يصعب دحضها لا سيما ان موافقة سعد الحريري وسمير جعجع على انتخاب عون لم يمنع في اي من المراحل اعتبار ان الحزب قد نجح في ايصال مرشحه. ويطوي اصرار الثنائي الشيعي على موافقة السعودية اهانة ضمنية للاعتراض المسيحي باعتبار انه سيسير بما تمليه المملكة في حال موافقتها على فرنجيه من دون ان يمنع ذلك هزيمة داخلية ستتحقق لهذا الفريق الذي رفع السقف عاليا في الاصرار على عدم القبول بمرشح للحزب في قصر بعبدا 

وتعتقد هذه المصادر ان السعودية نفسها لن تنجو من ادعاءات الحاق الهزيمة بها في هذه الحال تماما كما يتم الترويج لانفتاحها على الرئيس السوري بشار الاسد مع ما لذلك من تداعيات علما ان الاوراق التي تملكها المملكة راهنا في لبنان قوية ويراها كثر يمكن ان تساعد لبنان على اعادة تأمين قيامته على اسس متوازنة سياسيا واقتصاديا.

ومع ان نظرية التحاق رئيس التيار العوني جبران باسيل لم تسقط في اي لحظة من سيناريوات تأمين انتخاب فرنجيه لا سيما في ظل الاعتراض القاطع من القوات اللبنانية والكتائب وشخصيات مسيحية مستقلة، فان المرحلة المقبلة لن تنجو من اعادة استحضار المرحلة السابقة بغالبية تفاصيلها. اذ ان قفز باسيل الى مركب “حزب الله” قد يؤمن وصول فرنجيه ولكن المشكلة ان اي حكومة مقبلة تقاطعها المعارضة ستعيد انتهاج حكومة حسان دياب حتى مع رئيس حكومة من المعارضة في حال وجد وهو سيجد نفسه رئيسا لحكومة من قوى 8 اذار وربما مع الحزب التقدمي الاشتراكي .

فيبقى الدعم الخارجي والثقة بالبلد علامة استفهام كبرى يلوذ بها اي حكم مقبل كذريعة انه تسلم البلد منهارا والمعارضة تمنعه من الحكم . ولذلك وجد البعض تركيز سليمان فرنجيه على جعجع اكثر من تركيزه على باسيل اخيرا ادراكا فعليا لمعادلة تمتلك المعارضة مفاتيحها ايضا وليس فقط القوى الداعمة له . وفي اي حال لا يزال كثر يتساءلون في ضوء المعادلة التي كان طرحها الحزب عن فرنجيه او الفوضى او تجاوز التسوية المعارضين لرفضهم ما يعرض عليهم اذا كان الحزب دفع فعلا في اتجاه دعم فرنجيه او استفزاز الاخرين لرفضه .

واذا كان اي رئيس للجمهورية لن يصل بالحاق الهزيمة ب” حزب الله” لانه لن يدعه يحكم فان الحاق الهزيمة بالمعارضة ايضا لن يتيح لاي رئيس للجمهورية بان يحكم على رغم سريان اقتناع بان “الانتصار” الاقليمي لمحور معين لن يمانع في ذلك وعزل قوى مسيحية باتت تتشدد ازاء نفوذ الحزب وسلاحه اكثر فاكثر .

لا بل دخل على الخط ايضا محاولة ايجاد معادلة لا تسجل فيها هزيمة لفرنسا ورئيسها بعد الانتقادات المسيحية وغير المسيحية للمعادلة الفرنسية الرئاسية التي لم تجد الصدى الايجابي التي رغبت فيه باريس. والعودة الى صيغة لا غالب ولا مغلوب التي سادت في الجمهورية الاولى والتي تجاوزها اتفاق الطائف بتأكيد سوريا غلبتها وسيطرتها على لبنان ولاحقا بوراثة ” حزب الله” النفوذ السوري ومحاولاته ابتلاع الدولة اللبنانية وابقاؤها شكلا وهيكلا من دون مضمون لا بد منها في حين ان تغليب سيطرة فريق ستكون وصفة فاشلة للمرحلة المقبلة حتى لو ان كثرا لا تساورهم اي اوهام حول متغيرات جذرية في صميم ما باتت عليه التحولات في البلد ولا سيما مع بقاء الحزب وسلاحه ودعمه من ايران واعتباره ساحة من ساحاتها .

هذا المكسب هو الاساس الذي اكد عليه وزير الخارجية الايراني في زيارته للبنان في مقابل منحى اكثر تعاونا على الصعيد السياسي نتيجة المعطيات الانفة ونتيجة القدرة على المقايضة والتي باتت تلوح عبر كلام او دعوات عن فتح حوار بين السعودية والحزب على غرار الحوار بينها وبين الحوثيين من اجل احداث الخرق المطلوب لبنانيا. يعزز ذلك ان الكلام على ضمانات حصلت عليها فرنسا من فرنجيه كانت ولا تزال موضع تشكيك داخلي كبير بحكم ان الضمانات او بالاحرى التطمينات لان لا ضمانات تثق بها الدول انما يقدمها الحزب مباشرة وليس عبر اي رئيس للجمهورية .

الكلام ان لا حلول الا بلغة التوافق الذي تزايد في اليومين الاخيرين على السنة مسؤولي الحزب ونواب الثنائي الشيعي في شكل خاص يمهد للاعتقاد بان ثمة استعدادا لبدء النزول عن الشجرة في ما يبدو لا سيما بعد زيارة وزير الخارجية الايراني حسين امير عبد اللهيان لبيروت وكأن بيعا من ايران لهذه الورقة يتم على يدها لمن يعنيه الامر .

المصدر
روزانا بومنصف- النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى