محلي

“عصر الحاكم” وإعصار النهايات!

لا يغالي خبراء قانونيون وماليون واقتصاديون في النظر الى الشغور المحتمل في منصب حاكم #مصرف لبنان على أنه يتجاوز بأخطاره خطر الشغور في #رئاسة الجمهورية خصوصاً وسط بلوغ لبنان حافة نهاية النهايات الدراماتيكية لانهياره “الأسطوري”. تبعاً لذلك ترانا أمام عد عكسي مصيري حقيقي في الشهرين المقبلين لاستدراك إعصار نهاية “عصر #رياض سلامة” وليس حقبته فقط إذا صح التعبير، لا من منطلق ارتباط ثلاثة عقود مالية واقتصادية ومصرفية بشخص الحاكم الأطول ولايةً في تاريخ لبنان وربما في العالم فحسب بل لأن الجميع يدركون أن ذاك العصر لم يكن صنيعة الحاكم وحده بل هو تاريخ من تاريخ الطبقات التي تناوبت على السلطة والقرار والسياسة منذ فجر #الطائف.

تتوالى الآن في لبنان فصول عملية غير مسبوقة يتعيّن تقديمها في إطارها الشمولي لا المجزأ ولا الاستنسابي الى اللبنانيين لكي يدركوا ويتحسبوا لحدث لم يسبق حدوثه قط بمثل هذه الظروف والمجريات. تجري أول عملية تحقيق قضائية مشتركة بين وفد قضائي من دول أوروبية عدة ولبنان في ملف فساد عملاً باتفاقية دولية أممية انضمّ إليها لبنان وملزم تنفيذ موجباتها كما الوفد القضائي الأوروبي. لا يقف الأمر في هذا التحقيق النادر الأول من نوعه عند سابقة إخضاع حاكم لمصرف لبنان وهو في منصبه يمارس صلاحياته للتحقيق في ملف فساد وما قد يتأتى عنه من إجراءات وخطوات لاحقة فحسب، بل تتمدّد مفاعيل هذه السابقة الى الدلالات الأخطر والأبعد أي استحالة إبقاء العملية القضائية ضمن جدران ملاحقة الحاكم ودائرته العائلية والاستشارية والمصرفية المباشرة المتصلة بحساباته وحساباتهم الى الحلقة السياسية الأوسع مهما حصل. هذا أمر نافل لن يوقفه أي ضغط مهما اشتدّ لأن مجريات التحقيق القضائي الأوروبي نفسه، وإن كان محصوراً بملف حسابات الحاكم رياض سلامة، ستتشظى في لحظة آتية لا محالة الى الدائرة السياسية، وهو عملياً بدأ مع توقيف وإطلاق وزير سابق ومصرفي في فرنسا في هذا الملف.

هذا يعني أننا مقبلون على سابقة السوابق في هذا التحقيق المشترك الذي لن يكون منطقياً إطلاقاً أن نتوقع بقاء دورانه عند ملف الحاكم وعدم اتساعه الى مئات “المستمع إليهم” أو “الشهود” بداية ومن ثم تحوّل العشرات منهم على الأقل الى “مشبوهين” وتالياً الى مدّعى عليهم.

في سياق ما يعيشه لبنان منذ اندلاع شرارة الانهيار الأولى في عام 2019، علماً بأن شرارات أخطر ولكن غير علنية كانت سبقتها بسنوات، لا نغالي بدورنا إن اعتبرنا أن استحقاق التحسّب لنهاية الولاية الأطول لحاكم مصرف لبنان في تموز المقبل سيرتب على لبنان الاستنفار غير المسبوق لمجموعة استحقاقات ستتنافس بقوّة مخيفة على تاريخية طابعها. فالحاكم “التاريخي” ينهي ولايته تحت وطأة الملاحقة القضائية بما يستحيل معها عدم اقتحام الحلقة الأوسع المتصلة بمحاكمة الطبقة السياسية المعنيّة والشريكة الأولى والأقوى في الانهيار. والشغور في منصب الحاكم سيجعل التداعيات مرعبة لجهة ارتباط الواقع المالي منذ ثلاثة عقود بشخصه فكيف مع شغور محتمل وسط “انحلال” مرجّح للسلطة المالية المصرفية الأعلى؟

تغدو التوقعات الهستيرية والتخويفية في هذه الحال ومن مثل ما يطلق عن تفلت سعر الدولار الى سقوف بمئات آلاف الليرات أقرب الى إطلاق فزاعات استباقية من غرف عمليات متنوّعة الاتجاهات. ولكن الخطر الأكبر هو أن عدم استدراك الآتي من الشغور سيجعل هذا الترهيب أمراً واقعاً وأكثر.

المصدر
نبيل بومنصف - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى