إجتماعمقالات

في بيروت…تظاهرة لعاملات المنازل المهاجرات: “لا لنظام الكفالة”


“العمل المنزلي هو أيضًا عمل” بهذا الشعار لَخصت عاملات المنازل المهاجرات، جملة مطالبهن بمناسبة اليوم العالمي للعمّال. بحيث اجتمعن في وقفة احتجاجية ضمت العشرات منهن، عصر اليوم السبت 29 نيسان الجاري، من أمام المتحف الوطني في بيروت. وقفن من شتّى الجنسيات والأعمار والمشارب، للمطالبة بالعدالة والإنصاف إسوةً بكل العمّال والعاملات في لبنان. وتنديدًا بنظام الكفالة اللبناني الاستغلالي الذي يحتجزهن قسرًا في دوامة مفرغة من الانتهاكات التعسفية لحقوقهن الإنسانيّة اللصيقة، والتّي في أسوأ الأحوال، تتحول إلى شكل من أشكال العبودية الحديثة.

وقفة احتجاجية
بدأت العاملات بالتجمهر قبل ساعات من موعد الوقفة، التّي نظمتها جمعية كفى تحت عنوان “كفى عنف واستغلال” وبإشراف عدد من الجمعيات الأخرى كمؤسسة “جبل عامل الدوليّة” وغيرها من منظمات حقوق الإنسان. وانتشرت المتظاهرات وغالبهن من العاملات النيجيريات على طول مدخل المتحف، بانتظار دفعة العاملات اللواتي جئن للمشاركة من مختلف المناطق اللبنانيّة، وحملن اللافتات التّي كُتبت عليها المطالب باللغتين الإنجليزية والفرنسية بالإضافة للعربية. ومن بينها:” من حقي أن يكون لي وقت راحة في النهار”، “من حقي توقيع عقد عمل بلغتي الأمّ”، “من حقي الحصول على يوم عطلة”، صرخة عاملات المنازل”. هذا فيما وقف بعض العابرين يشاهدون التظاهرة، بينما رهطٌ منهم قام بترديد عبارات السّخرية والذمّ ناهيك بالإيحاءات الجنسية بحق العاملات.

وأمام كاميرات الإعلام المحليّ والدوليّ، وتحت زخات المطر، وقفت النسوة جنبًا إلى جنب باختلاف جنسياتهن، هذا فيما أحضرت بعضهن أطفالهن الصغار. وصدحت أصواتهن المستنكرة والشاجبة، للجرائم التّي راح ضحيتها عشرات من زميلاتهن في العمل، إما انتحارًا للهرب من أرباب العمل أو قتلاً لأسباب متنوعة أبرزها سوء المعاملة، والانتهاكات الجسدية، والنفسية، والجنسية. والتمسن الانصاف كعاملات لا يزال قانون العمل اللبناني يُمعن في تهميشهن وإقصائهن، وسحقهن تحت وطأة نظام الكفالة الذي يُبيح تسليعهن كيفما أتفق. وطالبن السّلطات اللبنانيّة بوقف هذا الإهمال لحقوقهن لصالح أصحاب العمل ومكاتب استقدام العاملات.

استهلت الوقفة بكلمات مقتضبة لعدد من منسقات حملات المناصرة، وسرعان ما أفسحن المجال للعاملات اللواتي أطلقن بياناتهن باللغات الثلاث، والتّي اشتملت على مطالبات بوقف الانتهاكات الممارسة بحقهن من جهة الرواتب المجحفة والتّي يتنصل جزء لا يُستهان به من أرباب العمل من دفعها بالمرتبة الأولى ذلك بحجة الأزمة الاقتصادية، ومن العنف النفسي والجسدي والجنسي الذي لا مبرّر له. ناهيك بالمعاملة الفوقية والعنصرية التّي تجتاح يوميات العاملات بسبب لون البشرة والموقع الوظيفي والجنسية؛ فضلاً عن الاحتجاز والترحيل القسري الذي يتعرضن له إذا ما قررن ترك وظائفهن أو تغييرها دون موافقة صاحب العمل.

حقوق منتهكة
تقدر وزارة العمل اللبنانية وجود ما يناهز 260 ألف عاملة منزلية مهاجرة في لبنان، غالبيتهن من آسيا وأفريقيا. لا تزال المادة 7 من قانون العمل تستثني عاملات المنازل الأجنبيات تحديدًا بالرغم من كون عملهن يُشكل قطاع عمل خدماتي بحدّ ذاته، ولا تنصفهن بأي حماية أو حقوق كالتي يحق للعمال والعاملات الآخرين الحصول عليها، أهمها الحدّ الأدنى للأجور، والحدّ الأقصى لساعات العمل، ويوم عطلة أسبوعية، وأجور العمل الإضافي، وحرية تكوين الجمعيات فضلاً عن حريتهن بترك العمل أو تغييره. فضلاً عن كون القضاء اللبناني لا يحمي هؤلاء عند حصول أي انتهاكات بحقهن من قبل أصحاب العمل ومكاتب استقدام العاملات.

وهذا بالتحديد ما ندّدت به العاملات في وقفتهن اليوم، مشيرات لكونهن لا يطالبن سوى بحقوقهن القانونيّة كعاملات في دولة تُعاني من أشرس الأزمات الاقتصادية والاجتماعية التّي تنعكس طرديًا على واقع الحقوق، فإذا كان العامل محفوظ الحقوق قانونًا يواجه هذه الأزمات بصعوبة، فكيف على العاملة مع تحفظات على حقوقها أن تواجه شظف العيش والتفلت الأمني وتعسف أرباب العمل من دون ضمانات؟ ولفتت المتظاهرات إلى أنهن يعولن على أصحاب القرار اللبناني والمناصرين لهن، بمساعدتهن في معركتهن الحقوقية هذه وسنّ التشريعات التّي من شأنها تحسين أوضاعهن، والتّي عُلقت طيلة السنوات الثلاث الأخيرة بسبب الوضع الاقتصادي وجائحة كوفيد – 19.

وقد عرجت بعد المتظاهرات على كونهن لا يزلن في خشية من التقدم أو متابعة الشكاوى ضدّ أصحاب العمل، بسبب غياب آليات الشكوى، فضلاً عن التقاعس الممنهج للسلطات الأمنيّة والقضائية واستخفافها بهذه الشكوى أو الحكم الجديّ فيها كجرائم. بل يتركهن تحت رحمة أرباب وأصحاب العمل، فيما يلجأ غالبيتهن للهرب أو يقوم أصحاب العمل باحتجازهن في المنازل أو تركهن خارج القنصليات أو السفارات، غالبا من دون نقود أو جوازات سفر أو متعلقاتهن الشخصية أو تذاكر رحلة العودة إلى بلدانهن.

يُذكر أن منظمة العمل الدولية قد حذرت في تقرير نشرته العام الماضي معربةً عن قلقها من استفحال الظروف التّي قد تسهم بشكل كبير من أخطار دخول العمال والعاملات المهاجرات في العمل الجبري أو السخرة، هذا فيما أدت الأزمة الاقتصادية ارتفاع درجة السيطرة على حياة العاملات في ظل نظام الكفالة إلى ظهور حالات من الاتجار بالبشر، والعمل القسري، والاستغلال.. هذا فيما لا تزال السلطات تتقاعس عن الإتيان بأي متغيرات في نصّ نظام الكفالة أو سنّ قوانين تسهم في وضع حدّ لمعاناة العمّال والعاملات المهاجرين ولعلّ سبب ذلك يعود بالأساس لكوّن السّلطة مستفيدة من واقعهن هذا لما يدر لها من أموال خارجية وبالفريش دولار.

المصدر
المدن

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى