مقالات

حرب عصابات سورية قومية إجتماعية.. الحزب خارج أسعد حردان

هل أصبح النائب السابق أسعد حردان خارج الحزب السوري القومي الإجتماعي؟ أم أنّ هذا الحزب صار خارج حردان؟ منذ العام 1985 تقريباً إلتصق اسم الحزب باسم حردان وصار الشخص يختصر الحالة بحيث لا يمكن فصلهما عن بعضهما. ولكن على مدى أعوام انتهى الأمر إلى انقسام حزبي بين من يعتبرون أنهم يمثلون الحزب ومؤسسه أنطون سعاده وبين من يعتبر نفسه أنه الحزب. الخلاف لا يقتصر على الشرعية الحزبية بل تمدّد لاستخدام السلاح وتبادل احتلال المراكز الحزبية على طريقة العصابات.

من علائم انهيار الحزب السوري القومي الإجتماعي فشله في إيصال أي نائب يمثله إلى البرلمان في انتخابات أيار 2022. منذ العام 1992 احتلّ أسعد حردان تمثيل الحزب عن المقعد الأرثوذكسي في دائرة مرجعيون حاصبيا، وكان يضاف إليه نائب أو أكثر من الحزب أو من الملتحقين به بحسب الظرف السياسي، ولكن دائماً كان هذا التمثيل النيابي محمولاً على الأصوات التي يؤمّنها له الحلفاء في محور الممانعة والثنائي الشيعي. لم يقتصر احتكار حردان الحزب على الموقع النيابي بل كان أكثر الأحيان هو من يمثّله في مجلس الوزراء منذ العام 1990 أيضاً. هزيمة حردان النيابية في العام 2022 أمام مرشح مغمور هو النائب الياس جرادي من قوى التغيير، كان نتيجة طبيعية للحال التي وصل إليها الحزب في ظلّ قيادة حردان الذي بات منبوذاً من قوى حزبية قومية اعتبرت أنه المسؤول عن هذا الإنهيار. وكان من الطبيعي أن يصل هذا الخلاف إلى حد طرد حردان من الحزب بعدما كان صدر قرار سابق بفصله.

أسعد حردان



أسعد حردان فقط لا غير

في 27 نيسان الحالي صدر عن عمدة الداخلية في الحزب السوري القومي الإجتماعي (برئاسة ربيع بنات) تعميم موجه إلى الحزبيين وفيه: «إبرام قرار المحكمة الحزبية رقم 0291 تاريخ 27-4-2023 المتخذ في مركز الحزب والقاضي بتجريد أسعد حردان من رتبة الأمانة وطرده من صفوف الحزب السوري القومي الإجتماعي. يعمل بهذا القرار فور صدوره ويبلّغ لمن يلزم وينشر ويحفظ. دوموا للحق والجهاد ولتحيَ سورية وليحيَ سعاده. التوقيع: عميد الداخلية الأمين أنطوان خليل».

اللافت في هذا القرار أنه لم يحترم تاريخ حردان في الحزب وتعاطى معه كأنه منبوذ ولم يطلق عليه أي صفة حزبية بل اكتفى بإيراد اسمه «أسعد حردان» وكأنه نكرة. والأمر الثاني اللافت أيضاً أن من وقّع هذا التعميم هو أنطوان خليل رفيق حردان سابقاً وكان انتخب معه نائباً عن منطقة بعبدا في العام 1992. هذا القرار بطرد حردان أتى بعد تطورين:

الأول الإشتباكات المتبادلة لاحتلال مكتب للحزب في بيت شباب يوم السبت 22 نيسان، والتي ادعى فيها كلّ من الطرفين حقه في أن يكون هذا المركز له ووصف كل منهما الآخر بأنه عصابة أو منتحل صفة.

والثاني إعلان رئيس الحزب المعارض لحردان ربيع بنات العودة إلى «العمل العسكري المقاوم» في احتفال حزبي أقيم في 20 آذار الماضي بمناسبة ولادة مؤسسه أنطون سعاده في أول آذار، أي بتأخير 20 يوماً عن المناسبة، وبحضور ممثل لـ»حزب الله» هو عضو المكتب السياسي محمود قماطي، وهذا الإعلان أتى بعد سلسلة احتفالات حزبية قومية في الحمرا تخللتها استعراضات عسكرية.

أنطون سعاده في المحكمة العسكرية



تاريخ من الإنقسامات

ليست المرّة الأولى التي ينقسم فيها الحزب السوري القومي الإجتماعي منذ إعدام سعاده في 8 تموز 1949. الأصح في هذا المجال الحديث عن المرّات التي توحّد فيها لأنّ حالة الإنقسام هي الطاغية. فالإنقسام الأول الكبير حصل في العام 1955 بعد اغتيال العقيد في الجيش السوري عدنان المالكي على يد الرقيب في ذلك الجيش يونس عبد الرحيم الذي انتحر بعد الإغتيال. كان الحزب قد أصبح منذ العام 1949 برئاسة جورج عبد المسيح الذي قبض عليه بقوة حديدية محاولاً أن يكون سعاده الثاني.

وبسبب ملاحقته وملاحقة الحزب في لبنان جعل قيادته في سوريا على عهد الرئيس أديب الشيشكلي الذي كان مؤمناً بعقيدة سعاده وأمّن الحماية اللازمة للحزب. محاولة اغتيال المالكي جاءت في مرحلة ما بعد الإنقلاب الذي أطاح الشيشكلي، وفي ظل الصراع بين السوريين القوميين في الجيش السوري، وبين البعثيين والضباط القريبين من نظرية القومية العربية والمؤيدين للوحدة مع مصر برئاسة جمال عبد الناصر. عملية الإغتيال أدّت إلى اعتقال زوجة سعاده جولييت المير التي كانت تقيم في دمشق في المنزل نفسه مع جورج عبد المسيح، والتي لم تغفر له تخطيطه لعملية الإغتيال.

وقد صدر حكم سوري عليه بالإعدام كما أدت العملية إلى حل الحزب في سوريا واعتقال عدد كبير من مؤيديه وإلى فرار عبد المسيح إلى لبنان، حيث اتهمت دمشق الرئيس كميل شمعون بإيوائه وتأمين الحماية له. تمّ طرد عبد المسيح من الحزب بقرار من محكمة حزبية تشكّلت للتحقيق في عملية الإغتيال. ولكن على رغم ذلك شكّل عبد المسيح الجناح الثاني في الحزب الذي بقي مستمراً معه حتى وفاته عام 1999. وهذا الإنقسام لم يمنع من مشاركة عبد المسيح في التحضير لعملية انقلاب ضد النظام في سوريا في العام 1956 بالتنسيق مع الشيشكلي والمخابرات العراقية ولكنها انتهت بالفشل، وكذلك لم يمنع من أن يشارك الحزب في دعم حكم الرئيس شمعون في أحداث 1958 ضد عبد الناصر والثورة التي كان يدعمها في لبنان. كما أنه لم يحل دون أن ينفّذ الحزب محاولة الإنقلاب على عهد الرئيس فؤاد شهاب في نهاية العام 1961 وكان برئاسة الدكتور عبدالله سعاده. تلك المحاولة كانت أيضاً فاشلة وأدّت إلى اعتقال قادة الحزب الذي انتقلت قيادته إلى الأردن بحماية من الملك حسين.

ربيع بنات بعد انتخابه رئيساً للحزب



الإنقلاب التاريخي

العام 1970 شكل انعطافة كبيرة في تاريخ الحزب بعد خروج قياداته من السجن بعفو خاص بحيث انتقل من ضفة إلى ضفة وبات يعمل كمجموعات منفصلة مع فصائل تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية. ومع اندلاع الحرب في لبنان انقسم الحزب مرة جديدة بين جناح موال للنظام السوري وجناح موال للزعيم الفلسطيني ياسر عرفات. ومنذ ذلك التاريخ تكرّس الإنقسام بين خطين داخل الحزب بقيا منتظمين حتى في المراحل القليلة التي توحّدا فيها.

منذ أواسط الثمانينات سيطر أسعد حردان على قرار الحزب بعدما كان مسؤولاً عن الأمن فيه. وكرّس هذه السيطرة بحروب داخلية وعمليات اغتيال طالت عدداً من معارضيه، أبرزهم عميد الدفاع محمد سليم في 3 حزيران 1985. ومن أبرز العمليات التي اتُّهم حردان بالتخطيط لها كانت محاولة اغتيال رئيس الحكومة العسكرية ميشال عون خلال انتقاله بطوافة عسكرية إلى قبرص عام 1989، حيث اعتقلت السلطات القبرصية المشاركين في العملية التي كانت ستُنفّذ من خلال إطلاق صاروخ على الطوافة من البحر.

منذ العام 1990 صار أسعد حردان «الرئيس» الفعلي للحزب بقوة ضاغطة من المخابرات السورية في لبنان فانتخب نائباً عن مقعد الروم الأرثوذكس عن دائرة مرجعيون حاصبيا عام 1992 واستمرّ في هذا الموقع حتى العام 2022. كما عُيِّن وزيراً للمرة الأولى في حكومة الرئيس عمر كرامي في العام 1990، ووزير دولة في حكومة الرئيس رشيد الصلح في 1992، ووزيراً للعمل في حكومة الرئيس رفيق الحريري الثانية عام 1995، ووزيراً للعمل في حكومة الرئيس رفيق الحريري الثالثة عام 1996، ووزيراً للعمل في حكومة الرئيس رفيق الحريري عام 2003. وكان الهدف من خلال هذا الدعم والتعيين فرضه ممثلاً عن المسيحيين في الحكم.

مقرّ الروشة



عندما تكاثر عليه الخصوم

خلال ثلاثين عاماً تكاثر خصوم حردان داخل الحزب. بدل أن يكون ممثّلاً فعلياً لأحد المناصب المسيحية في المجلس النيابي وفي الحكومة، بات موقعه في الحزب موضع شكّ. إتُّهم بأنّه قاد الحزب إلى الإنهيار وبأنه بنى قصوراً على حساب الحزب بينما لم يكن مؤسّس الحزب أنطون سعاده يملك منزلاً. واتُّهم أيضاً بأنّه ابتعد عن عقيدة الحزب وأسّس لشخصانية تحلّ محلّ المؤسّس بحيث بات الولاء له هو القاعدة وليست العقيدة الحزبية. واتّهم بأنّه أفسد المحازبين وبأنّه تحكّم بالحزب بطريقة دكتاتورية وأبعد الحزبيين التاريخيين، وابتعد عن خط الحزب التاريخي، وصار ملحقاً بالمخابرات السورية في لبنان وبأمن «حزب الله»، وبأنّه بات مفروضاً بالقوة على الحزب. هذا الأمر أدّى إلى ابتعاد القواعد الحزبية عن الحزب الذي لم يعد حزب سعاده والثورة والتغيير وأصبح حزب أسعد حردان.

ما ساعد حردان على البقاء على رأس الحزب تشتّت الحالات المعارضة له التي تؤمن بفكر سعاده وتعرف أنه لم يعد يمثّله. هذه القيادات التي اختارت الإبتعاد عن الحزب عجزت عن التغيير من خارجه. ولكنّها في انتخابات الحزب الداخلية في 13 أيلول 2020 التقت على معارضته ولكنّها عجزت عن إبعاده. على رغم أنه خسر في هذه الإنتخابات إلا أنه رفض أن يسلّم بالنتيجة وطعن فيها وأسّس لحزب رديف مع الموالين له وصار للحزب قيادتان واحدة في مقره في الروشة وواحدة في مقر آخر في الحمرا. ونتيجة هذا الإنقسام حصل صراع حول السيطرة على المراكز الحزبية في ما يشبه حروب العصابات المسلّحة التي أظهرت كيف أنّ الحزب تحوّل إلى شراذم مسلّحة فوضوية تعكس الإنقسامات في القيادة. ضعف الحالة المعترضة على حردان تمثّل في أنّها لم تستطع أن تتّفق على قيادة تمثّلها أسماء تاريخية. حيث أنّ الخيار ذهب نحو انتخاب ربيع بنات رئيساً للحزب في تشرين الأول 2020. ولكنّه لم يستطع أن يفرض نفسه أمام حردان، كما أنّ بعض الذين مشوا مع عملية التغيير ومع الإنتفاضة على حردان عادوا وابتعدوا عن العمل الحزبي.

إطلاق النار الذي حصل في بيت شباب لاحتلال مركز الحزب لن يكون الأخير. فحردان يحضّر لمؤتمر عام للحزب في 7 أيار المقبل والصراع سيحتدم أكثر لأنّه لن يستطيع أن يستعيد الحزب القومي الثاني الذي يرأسه بنات. وإذا كان السفير السوري السابق في لبنان علي عبد الكريم علي قد عمل مع «حزب الله» على دعم خيار حردان فإن «الحزب» من خلال حضوره احتفال «حزب بنات» قد يكون يهدف إلى احتواء الطرفين بحيث يتكرّس الإنقسام بينما يبقى ولاء الحزبين له. وهو قد يسعى لوقف حرب العصابات بين الطرفين عن طريق تقسيم المقسَّم وفرض الأمر الواقع عليهما، بحيث يبقيان بحاجة إليه وإلى دعمه لكي يدّعي كل منهما أنه حزب أنطون سعاده.

المصدر
نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى