محلي

رئيسٌ لجمهورية مفلسة

يُستنتج من أحاديث بعض السياسيين المعتبرين من “الصفّ الأول” أن لا أحد مستعجلًا وكأن الفراغ الرئاسي حاصلٌ في المريخ وليس في بلد اسمه لبنان “محترق سلافو”. وفي كل مرّة “يطّل أحدهم على اللبنانيين، ويبدو أن “طلاتّهم ستتكاثر هذه الأيام، “يستعوذ” بـ”الشيطان” الرجيم هؤلاء المتروكون كورقة خريف في مهبّ الريح ، ويلعنون الساعة، التي ابتلوا بها بهذه الطبقة السياسية، التي لولاها لما كان فقراء بلادي مضطرّين لأن يعيشوا في “جهنم”، بعدما كان لبنان جنّة يحسده عليها الأبعدون قبل الأقربين.  


يتكّلم هؤلاء عن مستقبل يستحي به الماضي. رحم الله قائل هذا القول. ويتكّلمون وكأن البلاد والعباد يعيشون في النعيم، وأن ما ينتظره هؤلاء هو كمن يتوقع أن يجني تينًا من عوسج. ينسون أو يتناسون أن هناك الكثير من العائلات، التي ينام كبارها من دون عشاء لتوفير ما تبقى في المعجن من خبز لصغارهم. يتناسون أيضًا أنهم في وادٍ والناس في وادٍ آخر، وأن هموم هؤلاء “الغلابة” غير هموم، الذين لا همّ لهم سوى الامعان في إذلال الذين أوصلوهم في الأساس إلى المناصب التي وصلوا إليها؛ وقد أخطأوا كثيرًا عندما أعادوا انتاج الطبقة السياسية ذاتها، التي كانت سبب فقرهم وتعاستهم.  

يتكّلم هؤلاء وكأنهم يعيشون ما قبل الأزمة – الكارثة التي حلّت بالبلاد. يتكّلمون عن جمهورية وعن رئاسة لم يبقَ منهما الشيء الكثير مما كان. هذه الجمهورية التي حوّلتها السياسات الخاطئة والمراهنات غير الواقعية إلى جمهورية مفلسة، وقد أصبحت الرئاسة بفعل “التناتش” الماروني – الماروني أولًا وقبل أي أمر آخر، “كادرًا” من دون صورة (راجعوا الصورة الرئاسية في صالون الشرف في مطار بيروت). 
عن أي رئاسة، وعن أي جمهورية يتحدّثون، وهل بقي منهما ما يستوجب الحديث عنه؟ 
سمعنا الكثير من كثيرين، وسنسمع أكثر، لكننا لم نرَ طحينًا، ولم نسمع، ولن نسمع، سوى جعجعة وكلامًا غير مفهوم، لأن الذين يتكّلمون لا ينطقون بلغة الشعب؛ هذا الشعب الساكت والعاضّ على جرحه لم يعرف أن ينتفض أو أن يثور. فالجوع ينهشه، والفقر لا يترك له الكثير من فرص النجاة، التي لا تزال متوافرة، على رغم الصعوبات والشدائد المتراكمة، وهو يكتفي بلطم الخدود والندب و”النقّ”.
إذا سألنا هذا الشعب الصابر على بلواه لماذا لا ينتفض ويثور فلن نلقى جوابًا. هو يعرف في قرارة نفسه أنه كما يكون يولّى عليه. هو نفسه الذي أعاد انتاج هذه الطبقة السياسية، التي أوصلت البلاد، بالتضامن والتكافل، إلى ما وصلت إليه من تعاسة، ولم يأتِ أحد من التاريخ ويدلي بصوته وينتخب الذين يرفضون اليوم القيام بأهم واجباتهم الدستورية.  
أصل العّلة معروف، وهو أن فاقد الشيء لا يمكنه أن يعطيه. وإذا أراد أن يعطي فيمدّ يده إلى جيوب الناس الفارغة، فيكون العطاء وهمًا وسرابًا وحصرمًا رأه الثعلب يومًا في حلب. 
قبل أن يكونوا مسؤولين سمعنا الكلام نفسه. ولأننا سمعنا وصدّقنا حلّ بنا ما حلّ. ولأننا لا نزال نعلّق الآمال على منٍ وسلوىً لن ينزل من السماء مرّة جديدة فإن المستقبل لن يكون كما نريده أو كما نحلم بأن نتركه لأجيال ستأتي من بعدنا.  

المصدر
اندريه قصاص- لبنان24

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى