عربي ودولي

كيف تتسلل شبكات المافيا إلى مرافئ أوروبية؟

تحت هذا العنوان أوردت “لوموند” الفرنسية أن الشرطة الأوروبية “يوروبول” تحقق في تسرب مجموعات إجرامية حسنة التنظيم إلى مرافئ أوروبية وأن جهوداً تبذلها السلطات الرسمية لمكافحة هذه الظاهرة ليست فاعلة وغير مجدية. وقالت “هناك رقمان كافيان لفهم أهمية الموانئ الأوروبية الرئيسة في نظر الجريمة المنظمة: عام 2021، عبرت 98 مليون حاوية مرافئ أوروبية وخضع اثنان في المئة فقط من الإجمالي إلى الفحص. وقد تصل هذه النسبة إلى 10 في المئة في حالة الشحنات الواردة من أميركا الجنوبية، وهي منطقة إنتاج شبه حصرية لتجارة الكوكايين المزدهرة (أكثر من 162 طناً ضبطت فقط في ميناءي أنتويرب ببلجيكا وروتردام بهولندا، بين عام 2010 وعام 2022). وكشف عن حقيقة “الحدود الرخوة” [غير منضبطة] للقارة الأوروبية في شكل صريح في تقرير لـ”يوروبول”، صدر في بداية أبريل (نيسان) ومخصص لـ”الشبكات الإجرامية في الموانئ الأوروبية”، أكد أن “احتمال الكشف عن الحاويات التي تتضمن بضائع غير مشروعة سيظل متدنياً، لا سيما بالنظر إلى أهمية حركة المرور والإنتاجية اليومية لمجمع الحاويات”.

ووفق الصحيفة الفرنسية، يظل النقل البحري بالنسبة إلى الجريمة المنظمة وسيلة مفضلة تستخدم في تهريب البشر أو البضائع – سواء كانت من المخدرات والسجائر المهربة والسلع المقلدة وحتى الحيوانات المحمية والنادرة. ولا يبدو أن أي شركة للنقل البحري قادرة على تجنب شبكات الجريمة المنظمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، اكتشف 2.4 طن من الكوكايين في ميناء أنتويرب في 18 يناير (كانون الثاني) على متن “لورينا”، وهي سفينة حاويات تابعة للشركة العملاقة “أم أس سي”. وقبل ستة أشهر، في يوليو (تموز) 2022، اكتشف 714 كيلوغراماً من الكوكايين على متن “فولتير”، السفينة المملوكة لشركة “سي أم إيه سي جي أم”، خلال تفتيش أجرته الشرطة الإسبانية في ميناء الجزيرة الخضراء.

وبحسب “لوموند”، تتمتع الموانئ الأوروبية الرئيسة التي تسجل معدلاً مرتفعاً من حركة النقل السنوية يزيد على مليون طن من البضائع، بميزة تنافسية لا مثيل لها على نقاط الوصول الأخرى كلها، لا سيما البنية التحتية اللازمة للتعامل مع كميات كبيرة من السلع، ففي روتردام، مثلاً، تمتد البنية التحتية للميناء إلى 40 كيلومتراً إلى الداخل. ويخلص التقرير إلى أن “الشرط الأساسي للفساد [نواته] هو المبالغ الفلكية المقدمة إلى عاملي الأرصفة أو مشغلي الرافعات أو موظفي سلطات الموانئ أو شركات الخدمات اللوجيستية، ما يسمح بتبديلات كثيرة في طريقة العمل… والشبكات الإجرامية تعرف كيف تبتكر. وهكذا، يلاحظ التقرير [الصادر عن “يوروبول”] أن “الاستنساخ” يبدو أنه طريقة يتعاظم اللجوء إليها في السنوات الأخيرة: فالحاوية المخصصة للمرور عبر بوابة المسح الضوئي أو الخضوع إلى رقابة جمركية قبل مغادرة منطقة الميناء ” يستعاض عنها ببساطة بحاوية طبق الأصل (مستنسخة) تحمل رقم التسجيل نفسه””.

وفي هذا السباق الدائم للتدابير المضادة، أضافت الصحيفة، اعتقدت سلطات الموانئ أنها تستطيع تطبيق تدابير مضادة فاعلة ومجدية، بما في ذلك تكنولوجيا المعلومات، من خلال أتمتة إجراءاتها وتقليل دور التدخل البشري في نقل الحاويات. “قد تكون هذه الأساليب مفيدة، لكن الشبكات الإجرامية سيطرت عليها بسرعة بسبب “مجموعة جديدة من نقاط الضعف سهلت خرق البيانات”. في أنتويرب وهامبورغ (ألمانيا) وروتردام على وجه الخصوص، تمكنت المنظمات من استغلال جهاز تحديد هوية الحاويات الرقمي الذي ابتكرته الجهات الفاعلة في مجال النقل البحري لتأمين شحناتها. فالسلطات لجأت إلى تعيين رمز مرجعي فريد ومقاوم للتلاعب لكل حاوية من أجل ضمان إمكانية المتابعة وتسليم محتوى الشحنة ثم مغادرة مرافق الميناء. ومن المفترض أن تضمن هذه الطريقة، القائمة على تقنيات قوية، موثوقية النقل وحرمة كل حاوية: كل رمز يجري إرساله إلى المستورد، ووكيل الشحن، ومحطة ميناء المقصد للبضائع وشركة النقل، ما يضمن محتويات كل حاوية”.

ومع ذلك، سرعان ما أدركت الشبكات الإجرامية الفائدة التي يمكن الحصول عليها من هذه التقنية الجديدة، وفق “لوموند”. “من طريق الفساد في شكل أساسي، لكن أيضاً بواسطة استخدام تقنيات القرصنة، فتمكنت من الحصول على الرموز المرجعية الشهيرة، واستهداف الحاويات التي خصصت لها في ميناء المغادرة ثم إخفاء البضائع غير القانونية”. وتوضح “يوروبول” أن المجرمين يمكنهم بعد ذلك “الوصول إلى معلومات تفصيلية عن حالة الحاوية وفق ما هو مسجل في أنظمة بيانات الميناء والتحقق مما إذا كانت الحاوية موجودة وجاهزة للتحميل، من أجل جدولة التجميع غير المشروع”. ولإتقان هذه التقنية وعدم ترك أي أثر لمخالفاتها، تذهب أفضل شبكات الجريمة المنظمة إلى حد تسليم الحاوية بعد سحب بضائعها المحظورة إلى المتلقي النهائي، وفي حالات أخرى، تتخلى عنها ببساطة بعد فتحها.

ومن عجيب المفارقات هنا أن التعاون الأوروبي يبدو بالتأكيد أمراً لا غنى عنه، بحسب الصحيفة، “لكن تطوير بعض مشاريع البنية الأساسية للمجموعة الأوروبية يلقي بثقله أيضاً على هذه المسألة، ذلك أن أجهزة الأمن تشعر الآن بقلق إزاء شبكة النقل عبر أوروبا في المستقبل، التي تهدف إلى ربط 328 ميناء أوروبياً بشبكة متكاملة من الاتصالات البحرية والبرية والسكك الحديدية والمطارات في أنحاء القارة كلها. ووفق “يوروبول”، يمكن لهذا المشروع العملاق أن “يعزز الاتجاه” المتمثل في نقل أنشطة المافيا إلى موانئ ثانوية، وهي أقل تجهيزاً، ومضاعفة أرباح المنظمات الإجرامية التي، كما يحذر “يوروبول”، لم تعد تهدد الاقتصاد الرسمي [المشروع] فحسب، بل “الأمن داخل الاتحاد الأوروبي””.

المصدر
اندبندنت عربية

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى