مقالات

Nuances… من “نقابة المحامين” إلى صفاقة ماكرون

لا مدعاة للأسف أكثر من الخلط الغبي أو الخبيث للمبادئ السامية بالمواقف الانتهازية، وتجريد العقل من شجاعة فرز الفوارق الدقيقة. ولعل جزءاً كبيراً من النزاعات أو «حوار الطرشان» مبني على مسح التمايزات، وتحويل الأفراد والمجموعات الواعية الى قبائل وعشائر، قبل أن نتحدث عن القطعان السياسية والطوائف العمياء.

الدافع الى تلك المقدمة أحداث كثيرة تستوجب وقفة نقدية يكرهها أصحاب «الثوابت» الرجعية والتقدمية، والمتوهمون الرسوخ في المعرفة والتحليل وآليات «النضال».

فلنبدأ من الآخر: الانتصار للمحامي نزار صاغية واجبٌ استنكاراً لإجراء نقابة المحامين فرض الإذن المسبق على أعضائها الراغبين في إبداء الرأي. وهو حقّ بديهي للمحامي خصوصاً في لبنان حيث تنتهك حقوق الناس منهجياً. أما أن نَهُبَّ كقبيلة رأي عام متهِمين «مجلس النقابة» بأنه عصابة وأداة قمع موصوفة، فتوسُّعٌ الى حد الإفتراء، على الأقل لأن النقابة تقف موقفاً مشرّفاً من جريمة 4 آب وحقوق المودعين وتقوم بواجبها الوطني والحقوقي داخل لبنان وخارجه التزاماً بمبدأ رفض «الإفلات من العقاب». (وفي المناسبة، فإن فرنكوفونية عضو مجلس النقابة الكسندر نجار تضيف الى ميزاته الأدبية والديموقراطية وليست باباً لتنمُّر جماعة الـ «gauche cigare»).

يشبه ذلك شعار «كلّن يعني كلّن» الذي كان صالحاً للتعبئة في عزّ انتفاضة 17 تشرين، لكنه بات أداة تضليل في يد أصحاب النيات السيئة للتمَيّز والابتعاد عن العمل الجماعي أو الجبهوي الفاضح للأحجام والأدوار.

وعلى غرار ما تقدم يتحول الدفاع عن حق اللبنانيين في وطنهم ولقمة عيشهم رُهاباً وعنصرية مقيتة تجاه السوريين المقهورين. وتصير المطالبة بإبقاء ساحة سمير قصير مَعلماً لائقاً افتئاتاً على طفولة أولاد النازحين ورغبتهم في الإبتراد.

هكذا أيضا تخلط «انتلجنسيا» السياسة والدين والأعمال عند المسيحيين بين الدفاع المبدئي عن النظام المصرفي، وبين «اللص المركزي» المتهم في لبنان وفرنسا وصحبه من «بنكرجية» مشبوهين. وتغدو المطالبة بالتدقيق بالمصارف استهدافاً للتوازن الطائفي.

ولعل أبرز مثالب محو الفوارق في التاريخ إصرار المتطرّفين على ربط الدين بالتخلف وتحويل الإيمان ممارسات وثنية تعود لما قبل التنوير، ليصير العقلانيون الرافضون الخزعبلات زنادقة وكافرين.

وكذلك الخلط بين الدولة الواجبة الوجود، وبين دورها القمعي. والخلط أسوأ بين المقاومة المشروعة ضد العدو، وبين استباحة للدولة بالطول والعرض وتخوين الوطنيين المخلصين.

دفاع دار الفتوى المشروع عن صلاحيات رئاسة الحكومة، شابَهُ تشكيلها متراساً للمطلوبين بجريمة النيترات. ومثلُه الدفاع السني المطلق عن وحدة بلدية بيروت، من غير النظر الى ممارسات الفشل والاستئثار. وليس بعيداً عن اللامنطق نفسه المزج بين جيش الوطن، وبين محكمته العسكرية المنحازة. وكذلك شيطنة طرح الفدرالية الموجب للنقاش، بغية إخفاء الرغبة العميقة في الهيمنة واستتباع الأقليات والمختلفين.

رفض إعمال العقل والتمييز ينطبق أيضاً على المتحررين المنافحين عن حقوق الانسان والمصرِّين على محو الفارق بين واجب احترام خصوصية المثليين، وبين إباحة توجيه ميول الناشئة.

على هذا المنوال يسير معظم ما يجري حولنا من مواقف تتعلق بأحداث وأحوال، وآخرها احتقار سماسرة الاليزيه عقول العرب واللبنانيين بتسويقهم سليمان فرنجية رئيساً، رغم علمهم بأنه استمرار لمنظومة بيع السيادة لمحور ايران والتحالف العضوي مع «عصابة الأشرار». ليس ذلك لجهلهم بالـnuances الفاقعة الألوان، بل لاعتقادهم بأننا أغبى من القدرة على التمييز ورصد الفوارق بين صفقات ماكرون الصفيقة وبين حقِّنا الأصلي في رئيس عادي.

المصدر
بشارة شربل- نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى