مقالات

18 سنة على رحيل الجيش السوري عن لبنان: مآسي عنجر والبوريفاج بقيت في الذاكرة الجماعية

أبريل 2005 هو تاريخ مغادرة الدفعة الأخيرة من شاحنات القوات العربية السورية الحدود اللبنانية من نقطة المصنع، منهية بذلك فترة قاربت الـ 30 عاما من إقامة تراوحت بين «دخول غير معلن لوقف الحرب الأهلية»، و«قوات الردع العربية»، و«وجود شرعي ضروري ومؤقت»، وغيرها من مصطلحات، شعر معها الكثير من اللبنانيين ان القوات السورية لن تغادر الأراضي اللبنانية «على أيامنا».

فجأة، تفكك النظام الأمني السوري الذي حكم «وطن الأرز» بقبضة حديد، وجاء إشعال محركات الآليات العسكرية السورية صوب الحدود اللبنانية باتجاه المغادرة، من خارج رزنامة لم يدرج فيها يوما قرار «حماة الديار» العودة الى الديار.

غادرت القوات العسكرية السورية لبنان نتيجة تداعيات اغتيال رئيس الوزراء السابق رفيق الحريري في 14 فبراير 2005.

غادرت القوات العسكرية السورية كل الأراضي اللبنانية، وهي التي كانت منتشرة في اكثر من بقعة على امتداد وطن الارز ناشرة حواجزها الثابتة ونقاطها الأمنية. وقد دخلت بعد ذلك أمكنة مثل «البوريفاج» (فندق في بيروت قرب منطقة الرملة البيضاء)، والهيكلية (شمال لبنان) وعنجر (حيث معمل البصل الشهير الذي تحول سجنا)، و«فيلا جبر» في منطقة بولونيا المتنية (مقر لجهاز المخابرات ومعتقل)، في الذاكرة الجماعية اللبنانية كرموز للحقبة السورية.

وقد يكون مقر عنجر الاشهر بحيث كان مرادفا لـ «قصر الصنوبر» في بيروت قرب ميدان سباق الخيل في منطقة المتحف الذي أقام فيه الحاكم العسكري الفرنسي زمن الانتداب منذ عشرينيات القرن الماضي الى أواسط الأربعينيات. في عنجر، أقام الحاكم العسكري السوري الذي كان معروفا بـ «مسؤول جهاز الأمن والاستطلاع في القوات العربية السورية العاملة في لبنان»، وأشهرهم غازي كنعان ورستم غزالة، وكلاهما توفي بعد الرحيل عن لبنان في فترة زمنية متقاربة.

ولطالما درجت العادة ان «يعرج» رئيس الوزراء اللبناني والمسؤولون الرسميون، عدا رئيس الجمهورية، على عنجر بعد العودة من دمشق ولقاء الرئيس السوري (الأب) حافظ الاسد و(الابن) بشار الاسد: زيارة كان يراد بها تأكيد اهمية مرجعية الحاكم العسكري في إدارة الشؤون اللبنانية.

انتشرت القوات العسكرية السورية في كل لبنان، وخاضت مواجهات عسكرية ضد أركان الحرب الأهلية، بدءا من القوات المشتركة بقيادة الزعيم الدرزي الراحل كمال جنبلاط في الجبل، والفلسطينيين و«الكتائب» (حربا المائة يوم في الأشرفية ببيروت وحصار زحلة)، الى معارك شهيرة مع وحدات الجيش اللبناني بقيادة العماد ميشال عون، وصولا الى دخول المناطق التي كان يسيطر عليها في 13 أكتوبر 1990، حيث باتت الاراضي اللبنانية كلها عدا تلك المحتلة من الجيش الإسرائيلي في عهدة السوريين.

في اليوميات اللبنانية السورية الكثير من حكايات الاستقواء، والتحكم بالشؤون اللبنانية وبمصير المواطنين اللبنانيين. ولعل اشهرها ان الحكومات اللبنانية كانت تتشكل في حد أقصى لا يتعدى الأيام الثلاثة، وبواسطة سيارة «بيجو 504»، رمز المخابرات السورية.

الحكايات تخطت اطار الوصاية وكانت أقرب الى المآسي وأبرزها عن تحكم رجال المخابرات السورية بكل رتبهم العسكرية في يوميات المجتمع اللبناني أفرادا وجماعات. ابسط تلك الحكايات عن عسكريين سوريين كانوا يستسهلون إطلاق النار على مواطنين لبنانيين لم يتوقفوا لنقلهم بسياراتهم الى حيث يريدون الوصول، وقد بلغ الأمر حدا دفع الرئيس الاسد الأب الى اتخاذ قرار بوقف هذه الظاهرة «المميتة» بعد مقتل شاب في أعالي المتن.

كانت مغادرة الآليات السورية ليل 26 أبريل 2005 بمنزلة جلاء «آخر الجيوش» العسكرية عن لبنان، وان اختلف اللبنانيون في تحديد هوية هذا الجيش، كشقيق او عدو.

بعد الحرب السورية، تبدل المشهد، وانتقل اللبنانيون ليتحاربوا في الأراضي السورية، بين مؤيدين ومدافعين عن النظام وخصوصا «حزب الله» و«الحزب القومي السوري الاجتماعي»، ومناهضين له أبرزهم مناصرو «تيار المستقبل». وكانت أشهر المعارك في منطقة القصير بمحافظة حمص.

ومن المقولات الشهيرة بعد الحرب السورية ان الآلاف من الجنود السوريين غادروا لبنان في 26 أبريل 2005، ثم عاد السوريون بمئات الآلاف والملايين تحت شعار النزوح اثر الحرب السورية.

والثابت ان اللبناني دفع الثمن ماليا طوال الوجود العسكري السوري وبعده، بخروج العملة الصعبة من بيروت الى دمشق، وتهريب الطحين والمحروقات المدعومين من الحكومات اللبنانية الى الاراضي السورية. في المقابل، يتحدث السوريون عن «ضياع» 45 مليار دولار لمودعين سوريين في المصارف اللبنانية، اثر الانهيار الاقتصادي والمالي اللبناني بعد اكتوبر 2019.

ولكن المفارقة ان حكومة الرئيس نجيب ميقاتي في 2005، كانت الاولى التي يشكلها اللبنانيون من دون قرار فاصل سوري للمرة الاولى منذ تسعينيات القرن الماضي. وكذلك انتخب الرئيسان ميشال سليمان وميشال عون من دون قرار حاسم ونهائي صدر من قصر المهاجرين.

18 سنة على رحيل القوات السورية عن الاراضي اللبنانية، ولايزال لبنان ينتقل من ازمة الى ازمة الى انهيار وكأنه ما كتب له ان يرتاح يوما.

المصدر
الأنباء الكويتية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى