محلي

“فرنجية او الفوضى” تجربة تتكرر… هل يحبطها أيضاً المسيحيون؟

في العام ١٩٨٩، وغداة انتهاء ولاية الرئيس الاسبق للجمهورية امين الجميل، كانت البلادامام خيارين لا ثالث لهما فرضهما التفاهم الاميركي السوري على الاستحقاق الرئاسي في لبنان : “مخايل الضاهر او الفوضى”، معادلة شهيرة ظل صداها يتردد بعد مرور اكثر من ثلاثة عقود على اطلاقها عند كل محطة انتخاب لرئيس جديد للجمهورية، بما ان هذاالاستحقاق لم يسلك طريقاً آمناً منذ انتهاء الحرب الاهلية وحتى اليوم.

واذا كانت تلك المعادلة الشهيرة قد اطلقها المبعوث الاميركي ريتشارد مورفي بعدما اكد للوسط المسيحي المعارض لانتخاب الضاهر المتفق عليه مع الرئيس الراحل حافظ الاسد،ان الخيار الآخر سيكون الفوضى، وهو عملياً ما حصل وادى الى إتفاق الطائف ووقف الحرب العبثية، حتى بين المسيحيين، فإن التاريخ يعيد نفسه وانما بأبطال جدد، ولكن من دون تغيير في الاهداف.

فحل الفرنسيون على خط الاستحقاق الرئاسي هذه المرة، وكانت السفيرة آن غريو بديلة مورفي الاميركي، وكان الاسد الابن، والى جانبه “حزب الله”، وريثاً للاسد الأب، في حين لم يتغير اللاعبون المسيحيون. سمير جعجع هو نفسه على رأس القوات اللبنانية ، وجبران باسيل يرث العماد ميشال عون في النهج والتفكير والسلوك.

يدخل المرشح سليمان فرنجية الى المعادلة التي طرحها الحزب بداية عبر امينه العام عندمادعم الترشيح، ولا مرشح بعد لدى المعارضة التي ترفضه، بعدما تراجعت حظوظ النائب ميشال معوض في الاستمرار في السباق الرئاسي ولم تسم المعارضة بديلا له، ليس لسبب الا لعجزها عن التوافق على مرشح!

تبدو المعارضة المسيحية اليوم قوية وقادرة على وضع فيتو على المرشحين، ولكنها في المقابل ، عاجزة عن تقديم اسم واحد تلتقي عليه كل مكوناتها، حتى صارت عملية حرق المرشحين اللعبة الوحيدة التي تتقنها الاحزاب المسيحية.

لا تجوز اليوم مقارنة تجربة ١٩٨٩ بين مخايل الضاهر والفوضى والتجربة التي يخوضها فرنجية اليوم مع خيار الفوضى. ذلك ان ظروف لبنان اليوم تختلف كلياً عن ظروف ١٩٨٩،وعلاقة الاحزاب المسيحية في منطقة عُرفت ب”الشرقية” الموحدة كانت افضل حتما مماهي عليه اليوم في ظل التشرذم والانقسام الحاصل بين مكوناتها.

ليس لدى هذه الاحزاب اليوم مشروعا بديلاً موحداً، بل مشاريع متعددة ومتناقضة، لايضعها في الموقع القوي الذي يتيح لها رفض خيار فرنجية والذهاب الى اي خيار آخر أيًا يكن .

في رأي مراقبين في الوسط المسيحي، الصورة لا تبدو جيدة. اذ يرى هؤلاء انه قد يمكن ان نشهد وحدة موقف مسيحية ولكن يصح وصفها بالانفعالية والظرفية العابرة، والعاجزةعن الصمود في وجه الضغط الداخلي عموماً والخارجي على وجه الخصوص، لأن القوى المسيحية لم تنجح في بناء مشروع بديل وايجابي يمكن ان تخوض به معركتها في وجه التسوية الاقليمية المغطاة دولياً. والتقاطع السلبي الذي سيجمع القوى المسيحيةالمتخاصمة مرحلياً قد يتصدع امام ضغط التسوية الاقليمية الرامية الى قفل الملف اللبناني .

صحيح ان فرنجية لن يكون قادرا على العبور الى بعبدا من دون الاصوات المسيحيةالمطلوبة ليس فقط ميثاقياً، وانما عددياً. وهو قال اساسا من بكركي انه في حاجة الى ٣٥صوتاً للفوز. والسؤال اي من القوى المسيحية المعارضة اليوم سيوفر له الغطاءوالاصوات؟ هل تكون “القوات اللبنانية” او “التيار الوطني الحر”؟

يستبعد المراقبون ان تعمد القوات اللبنانية الى التراجع والسير بانتخاب فرنجية، انطلاقا من موقف ثابت لديها، لا يمنعها من تقبل الخسارة والذهاب الى المعارضة، كما فعلت أخيرا . اما التيار الوطني الحر، فيبدو لديه قابلية اكبر على الدخول في التسوية فهو بعدان خسر الرئاسة، ليس في وارد الخروج من السلطة من خلال الدخول في الحكومةالعتيدة.

هل هذا يعني ان طريق فرنجية سلكت في ظل المعلومات الواردة بأن المملكة العربية السعودية التي كانت تشكل العائق الاخير قد اعربت عن عدم ممانعتها له، طالما يلتزم الضمانات السياسية والامنية التي قدمها في مسألة سلاح الحزب ومعالجة تهريب المخدرات ؟ وان الفاتيكان ليس بعيداً من أجواء التسوية التي دفعت فرنجية الى بكركي اول من امس؟ واذا صحت هذه المعلومات، ماذا سيفعل الفريق المسيحي، هل سيخضع للضغوط ويركب قطار التسوية او سيأخذه التقاطع السلبي على رفض فرنجية الى تكتل مسيحي قوي يشكل سداً في وجه التسوية الاقليمية، فيمنع التشرذم في صفوفه ويحول دون استغلال ذلك عبر استفراده، فيواجه ٧ ايار السياسي الذي يفرضه عليه الثنائي الشيعي مدعوماً من باريس؟

يتلقى المراقبون هذا السؤال بابتسامة ساخرة لا تخلو من المرارة، ويجيبون بالقول ان الفريق الآخر لا ينجح بقوة عضلاته وركوبه التسوية بقدر ما ينجح في رهانه على ضعف خصومه الغارقين في حساباتهم الضيقة.

المصدر
سابين عويس- النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى