مقالات

“حُكم الأشرار” نظام “الشرموقراطية”

“الأشرار دائماً يتّحدون رغم كراهيتهم المتبادلة. أما دعاة الخير فمتفرقون، وهو سرُّ ضعفهم”. (برتراند راسل)

لا أعرف اسم الفقيه القانوني الذي أطلق صفة “عصابة أشرار” على مجموعة مرتكبين محترفين، مثلما أنني لم أجد ما يثبت أنها ترجمة عن association de malfaiteurs اللطيفة نسبياً والواردة في القانون الفرنسي واتُّهم بها أخيراً مروان خير الدين، وستنطبق على “الحاكم” رياض سلامة وثلة من شركائه “الحلوين”. لكنني أوجِّه تحية إجلال لمن جعلها في نَص قانون العقوبات اللبناني، ولو كنتُ أملك البتَّ بنبوته، أو تطويبه قديساً، أو نحت تمثال له بحجم تمثال فخرالدين، لما تأخرت.

وبغض النظر عما تحمله كلمة “شرّ” من مدلولات دينية خارجة عن الموضوع، فإن المُشرِّع وصَم بها أهل السوء والفساد. والقانون اللبناني جرَّم بعقوبات تصل الى الإعدام كل مجموعة من ثلاثة وأكثر تضامنت للمسّ بأمن الدولة والمجتمع والاعتداء على الأشخاص والأموال، كما لو أنه توقع أن تتجاوز “زعرناتها” الأذى الجسدي أو التآمر السياسي ليصل الى تشليح المتقاعدين المعاشات وسحب اللقمة من فم الفقراء والأيتام.

نعلم أن أنظمة “الاستبداد الشرقي” (وهنا نستنزل شآبيب الرحمة على أرسطو) أو الممانعة هذه الأيام، تستخدم هذا النص لاضطهاد المعارضين، وأن قضاءنا “العضومي” زمن الوصاية سجّل في هذا المجال سابقات ما أنزل الله بها من سلطان. لكن، ليس أفضل من “عصابة أشرار” لوصف الذين ارتكبوا الموبقات بحق لبنان واللبنانيين منذ ثلاثة عقود، وتحديداً بعد جريمة الانقلاب على “اتفاق الطائف” التي استباحت الدولة وعاثت فيها وأخضعتها للنهب المنظَّم بالتوازي مع التآمر على السيادة والنظام الديموقراطي. حينذاك تحديداً دشَّنت “المنظومة” رسمياً نشاط عصاباتها، ثم تفرَّع، على مرِّ الأيام ووفق حاجاتها ومتطلبات مشغِّليها، أذرعاً ومخالب ومناصب وصفقات وبواخر ومعابر و”نيترات” وفجوة مليارات.

كثرت على مدى عقود الأوصافُ التي تطلق على أنظمة الحكم المصنفة في ذيل ترتيب الدول التي تحترم رعاياها وترفع مستواهم المادي والتعليمي وتحفظ حرياتهم. فبعد “جمهوريات الموز” الفوضوية، والديكتاتوريات العسكرية والدينية والحزبية والعنصرية المعروفة والراسخة في دول كبرى وصغيرة، فرضت السنوات الأخيرة تعابير جديدة مثل “المافيوقراطية” (روسيا بوتين)، والكلبتوقراطية” أو حكم السارقين، و”المديوقراطية” او حكم التافهين، وهي أوصاف خاصة أو ملازمة لدول الفساد… لكن لبنان وحده ينفرد بوصف “حُكم الأشرار” ما يتيح وصف نظام “المنظومة” بأنه “شرموقراطية”، بحكم التماثل والمحاكاة.

من خصوصيات “حُكم الأشرار” اللبناني أن جريمته متمادية وكأنه “قاتل متسلسل” لا يزال يخطط للمزيد رغم ضبطه متلبساً مئات المرات. والتمديد للبلديات آخر جرائمه الموصوفة، ليس لافترائه المتواصل على المهل الدستورية فحسب، بل أيضاً لأنه في ظروف الانهيار يمارس تعذيب ضحاياه بدل المسارعة الى انتخاب رئيس والمباشرة في الإنقاذ.

حسب قانون العقوبات يثبُت الجرم على “عصابات الأشرار” بمجرد قيام جمعياتها وثبوت الأهداف، و”يعتبر متدخلاً كل من ساعدها وسهل ارتكاباتها عن معرفة وادراك”. ينطبق الوصف على جلسة مجلس النواب بأبطالها المجاهرين وبالذين “تحربأوا” لتأمين النصاب، وعلى حكومة التضليل والاحتيال، مثلما انطبق على القضاء المعرقل القاضي البيطار والعدالة في جريمة 4 آب، وعلى المصارف الناهبة ومجالس الادارات، وعلى كل من ساندَ “حُكم الأشرار”. إنها “شرموقراطية” بلا زيادة ولا نقصان.

المصدر
بشارة شربل - نداء الوطن نداء الوطن

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى