مقالات

“احذر ممّا تتمنّاه”…!

تنعدم الشفافية لدى معظم القوى ال#لبنانية أكثر فأكثر حيال تحولات ضخمة مثيرة للقلق كمثل الاتفاق السعودي – ال#إيراني كلما ازداد الغموض حول مضامينه “الأخرى” غير المعلنة بعد في البعد المتصل بتسوية الصراع المزمن بين الدولتين حول النفوذ الإقليمي. يمكن فهم الكثير من انعدام الشفافية لدى الفريق الأكثر امتلاكاً لما يسمّى أوراق القوة، وهو في لبنان فريق المحور الممانع لأن لديه الكثير ممّا يخسره فيما تختلف طبيعة القلق وتبدو مبرّرة لدى خصومه القوى الأخرى التي لا تبدو بدورها مطمئنة بالكامل الى ما سيتأتى على لبنان من أيّ تسوية. وعلى كلا الجانبين ترانا أمام حقبة تستعيد في الظاهر وقوف اللبنانيين على حافة غامض مجهول يفضح انعدام المناعة السياسية السيادية الى حد بعيد لديهم ويترقبون “تسقّط” تطوّرات ما قد يفصَّل لهم في كواليس العناوين الفرعية للتسوية #السعودية الإيرانية تماماً كما مر في تاريخ تسويات دولية وإقليمية سابقاً يضجّ بها أرشيف هذا البلد الأغرب من الغرابة. ولكن الجديد الخطير في التجربة الراهنة أن لبنان لم يكن يوماً، حتى في عز حقبات الحرب، على منسوب قاتل من الانهيار كما هو الآن ليتحمّل ما قد “يرده” ويفد إليه أو يتدفق عليه من سلبيات وإيجابيات تسويات أو صفقات “الآخرين على أرضه” هذه المرة.

وبتفصيل لا بدّ منه، نجدنا أمام فريق “ممانع” تتسابق لديه الرهانات يميناً ويساراً وقياماً وقعوداً إن حيال وصول الصفقة السعودية الإيرانية الى لبنان معززة بمكاسب لإيران تسلّم بها السعودية نظراً الى اعتبار يتّسع تداوله لدى هذا الفريق في شأن تراجع لبنان أساساً في سلم أولويات المملكة العربية السعودية منذ ستة أعوام تماماً. يضاف الى هذا الرهان الطارئ الآخر المتصل بواقع اندفاع العرب والخليجيين الى إعادة سوريا الى الجامعة العربية بما يفسّره هذا الفريق مكسباً استراتيجياً للنظام الأسدي بزعم تعويمه. يمكن الاستناد الى إثبات هذين الرهانين المتزامنين في نفح الفريق الممانع الروح في الزعم بإحياء معادلة ما يُسمّى الـ”سين سين” كأن 11 عاماً من الدمار الكارثي في الحرب السورية لم تمرّ ولم تكن، الأمر الذي يدلل على الهبوط المروّع في مستويات التفكير السياسي الواقعي لدى الممانعين. كما يمكن الاستدلال على غطرسة استباقية في رهانات هذا الفريق على تفوّق إيران في لعبة تجميع وامتلاك الأوراق على السعودية في “حفلة الصواريخ” التي تباهت بإطلاقها من الجنوب منظومة أذرع إيران اللبنانية والفلسطينية للقول إن التسوية الآتية لا تبدّل حرفاً في متانة نفوذ إيران هنا.

أما في المعسكر المقابل فإن معالم الحذر تغلب على الرهانات الموضوعية التي تربط المصلحة اللبنانية بتوازن أي تسوية شرط أن تقف السعودية بمتانة كافية في وجه أطماع إيران لعدم جعل فريقها ومحورها “يحكم لبنان” بموافقة ضمنية أو مكشوفة سعودية. هي معادلة لا يملك أحد الآن أن يطلق بشكل قاطع ضمانات حاسمة حيال طبيعتها لأن ما بدأ في اليمن لم يكتمل لاعتماده نموذجاً لقياس التوازن في التسوية، وحتى لو اكتمل فقد لا ينطبق النموذج اليمني نفسه على ما سيتمدّد الى لبنان إن كان لبنان على طاولة التسوية كبند كامل مستقلّ بذاته. بكل المعايير، إن أسوأ ما قد يصيب القوى اللبنانية التي تتعجّل الزعم بـ”الحسم” لمصلحتها أن تقع في رعونة الرهانات الاستباقية… والقاعدة التاريخية لتجنّب المقاتل تقول “احذر ممّا تتمنّاه”!

المصدر
نبيل بومنصف - النهار

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى