إقتصاد

احتياطي المركزي إلى انخفاض… هل من حدّ أدنى يجب الوقوف عنده؟

“لبنان حالياً على مفترق دقيق”، بحسب ما يظهر خبراء صندوق النقد الدولي. وبعد انكماش حاد بنحو 40 في المئة منذ بداية الأزمة، أخذت دلائل الاستقرار تظهر إلى حد ما على النشاط الاقتصادي في عام 2022، مدفوعة ببعض الانتعاش في مجال السياحة وتقليص مديونية شركات القطاع الخاص واستمرار تدفقات تحويلات المغتربين الكبيرة التي دعمت الاستهلاك. ومع ذلك، فإنّ كثيراً من الاتجاهات العامة الاقتصادية لا تزال سلبية، والأمور باتت خارج السيطرة، وعمليّة الاستيراد متجهة نحو مسار خطير يتمثّل باستنزاف احتياطي مصرف لبنان في غضون أشهر قليلة.

لا بدّ من الوقوف عند ما أثاره بيان الصندوق وربطه بالحجم المتبقّي من الاحتياطي الإلزامي لدى مصرف لبنان والسؤال عن حجمه الحالي الفعلي ودلالة هذا الحجم إذا كان يعني إفلاساً أم لا، وانعكاسه على استمرارية الاستيراد. وسؤال آخر يُطرح في هذا الإطار، هل من عتبة للاحتياطي الإلزامي على مصرف لبنان ينبغي عدم تجاوزها؟

على عكس ما يُتداول ويُشاع أنّ الأشهر المقبلة ستكون سلبية وسيئة، وعلى عكس ما يتوقّع صندوق النقد الدولي، أنّ لبنان يقف عند مفترق دقيق، يتحدث الخبير الاقتصادي منير راشد بنفسٍ إيجابي أو أقلّه غير متشائم، ويؤكّد أنّ “وضعنا الحالي هو غياب سيولة وثقة بالمصارف وليس إفلاساً، فما لديه مصرف لبنان يكفيه لخمس سنوات”.

لدى البنوك حوالي مليارين ونصف مليار #دولار، ولدى المركزي حوالي 7 مليارات ونصف أي ما مجموعه حوالي 9 مليارات. وحتى وإن لم تجر إصلاحات وهي مطلوبة، فإنّ الاقتصاد اللبناني يصلّح نفسه بنفسه ولا خطر للوصول إلى قعر الاحتياطي الإلزامي من العملات الأجنبية أو الوصول مثلاً إلى 500 مليون دولار، فلدى مصرف لبنان موارد أخرى.

وعن انعكاس انخفاض الاحتياطي الإلزامي وتأثيره على الاستيراد كما ذكر صندوق النقد الدولي، يرى راشد أنّ خطتي صندوق النقد والحكومة هي “مؤامرة على المواطن”، ولا يوافقها لا شكلاً ولا مضموناً، وأنّ انتظار لبنان لسنتين لإبرام هذا الاتفاق هو انتظار دون جدوى.

ووصل احتياطي المركزي من العملات الصعبة إلى 10.4 مليارات دولار في كانون الأول 2022، وإلى 10.2 مليارات دولار في كانون الثاني 2023، مقارنة بمبلغ قدره 36 مليار دولار أميركي قبل الأزمة. لكن هذا المبلغ يشمل اليوروبوندز، بحسب شرح راشد. وإذا ما اقتطعناه منه نصل إلى رقم حوالي 7 مليارات ونصف مليار دولار من الاحتياطي بالعملة الصعبة، إذ تُقدَّر أرقام اليوروبوندز من هذا الاحتياطي بحوالي 4 مليارات دولار، من دون أن ننسى احتياطي المركزي من الذهب.

ويعود جزء من انخفاض الاحتياطي إلى انخفاض الودائع بالدولار لدى المصارف. فخلال الـ 12 شهراً الماضية، انخفضت الودائع بالدولار في المصارف من 119 ملياراً إلى 110 مليارات، وللاحتياطي الإلزامي 15 في المئة من هذا المبلغ.

لكن عند أي حدود يجب على المركزي التوقّف عن استخدام احتياطه الإلزامي؟

بحسب راشد، اليوم هناك مخالفة للقوانين على جميع الاتجاهات، فعلى المصرف المركزي قانوناً، الحفاظ على احتياطه الإلزامي”، لكن ليس هناك حدود أو رقم معين يتوقّف عنده مصرف لبنان عن تسديد موجباته، فالأمر يعود إلى المركزي بذاته. ويمكنه أن ينفق كلّ الاحتياطي الذي بحوزته دون الإفلاس، فهناك دول وصل احتياطها إلى 200 مليون دولار، فمثلاً لدى تونس مليار دولار من الاحتياطي فقط.

هل يفلس لبنان؟
بعد التحسّن الكبير في عجز الحساب الجاري خلال 2020-2021، تشير التقديرات إلى أنّ عام 2022 شهد اتساعاً كبيراً في العجز متجاوزاً 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي، وهو ما يُعزى إلى ارتفاع أسعار النفط والغذاء وتسارع وتيرة الاستيراد التي سبقت عملية تصحيح متوقَّعة لأسعار الصرف للأغراض الضريبية، بحسب أرقام صندوق النقد الدولي.

في هذا السياق، يقول راشد إنّ “الدولة لا تفلس” فأغلب السلع المستورَدة لا يموّلها مصرف لبنان. وأغلب المستورَدات التي تُقدَّر بـ 10 مليارات وليس 19 مليار دولار كما يشاع، تؤمّن أموال استيرادها من السوق أي أنّ هذه الأموال تبقى موجودة داخل الاقتصاد. فلبنان يصدّر بما قيمته 4 مليارات دولار ويستقبل تحويلات بحوالي 8 مليارات دولار، أي ما مجموعه 12 مليار دولار، كما أنّه يورّد خدمات. ويستقبل لبنان مداخيل من تحويلات القطاع الخاص وهي مبالغ كبيرة نسبةً لحجمه، وهذه الأموال كلّها هي التي تموّل الاقتصاد في لبنان، لذا فإنّ أمر الإفلاس غير وارد طالما أنّ هذه الأموال لا تزال قائمة. ومع ارتفاع سعر الذهب، أصبح لدى لبنان 20 مليار دولار من احتياطه من الذهب. وفي الأشهر المقبلة، ستستوفي شركه كهرباء لبنان الفواتير بقيمة أعلى، وبالتالي ستستطيع تمويل نفسها وتأمين استقلاليتها دون اللجوء إلى مصرف لبنان.

تقدّم النائبان غادة أيوب ورازي الحاج بسؤال للحكومة حول تجاوز مصرف لبنان الاحتياطي الإلزامي، كون المسؤولية النقدية تقع على الحكومة الممثَّلة بوزير المال، لعدم اعتراضه على تجاوز المركزي لعتبة الاحتياطي الإلزامي.

النائب رازي الحاج، عضو لجنة المال والموازنة يوضح أنّ من واجبات السلطة التشريعية مراقبة عمل السلطة التنفيذية. من هذا المنطلق، تقدّمنا بهذا السؤال للحكومة، بسبب تصريحات ممثلي مصرف لبنان، تناولت هذا الموضوع خلال مشاركتهم في جلسات اللجان النيابية المشتركة. فلدى استيضاحنا إيّاهم عن أرقام الودائع بالعملة الصعبة لدى البنوك، قالوا إنّها تُقدّر بحوالي 94 مليار دولار. وعن الاحتياطي المتبقّي، قالوا إنّه حوالي 10 مليارات دولار.

لكن المعادلة البسيطة التي يسأل عنها الحاج هي التالية: نحن نعلم أنّ نسبة الاحتياطي الإلزامي يجب أن تكون 14 في المئة، فإذا كانت الودائع الموجودة 94 ملياراً، وبحسابات بسيطة، يجب أن يكون الاحتياطي الإلزامي 13 ملياراً و160 مليون دولار، لكن المعنيين في مصرف لبنان صرّحوا أنّ الاحتياطي الحالي هو حوالي 10 مليارات دولار. بالتالي، يكون مصرف لبنان قد خالف القانون عبر تجاوزه العتبة التي يمكنه الانفاق منها بحوالي 3 مليارات دولار.

وبرأي الحاج، إذا كان الاحتياطي الموجود حوالي 13 مليار دولار، فقد كسبنا 3 مليارات دولار إضافية، وإذا كان الاحتياطي 10 مليارات دولار، أي أن الودائع انخفضت إلى حوالي 72 مليار دولار، وبذلك تكون الفجوة المالية قد انخفضت.

وبحسب الحاج، المسؤولية الأولى لتجاوز إنفاق الحد الأدنى من الاحتياطي الإلزامي، تقع على مصرف لبنان كحاكم والمجلس المركزي، ومن ثم على الحكومة بشخص وزير المالية، إلى جانب مفوض الحكومة لدى مصرف لبنان الذي يفترَض فيه تبليغ الحكومة بهذه الأرقام.

ولا تزال الدولة تستخدم مصرف لبنان لتمويل المالية العامة وطبع مزيد من الليرة لتمويل القطاع العام، وفق ما يرى الحاج، و”من غير المسموح للمركزي قانوناً تجاوز الاحتياطي الإلزامي، فهذا الاحتياطي وُجد لتأمين سيولة في حال تعثّرٍ ما لدى بعض المصارف، فكيف إذا كنّا أمام تعثّر كامل للقطاع المصرفي فيما نحن بحاجة لإعادة هيكلته؟”.

المصدر
النهار

قسم التحرير

التحرير في موقع قلم سياسي

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى