مقالات

ونحن نودّع شهر رمضان

بالأمس القريب كنا نستقبل شهر رمضان ونحن الآن نودعه، أيام مرت سريعة، ومن انتفع بها عاش سعيدا، ومن لم يغتنمها فهو الشقي قال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان شهر بركة فيه خير يغشاكم الله فيه فتتنزل الرحمة وتحط الخطايا ويستجاب فيه الدعاء، فينظر الله إلى تنافسكم ويباهي بكم ملائكته فأروا الله من أنفسكم خيرا فإن الشقي من حرم فيه رحمة الله عز وجل».

ونحن في وداع رمضان يحدثنا الشيخ يحيى العقيلي فيقول: سعادة غامرة تملأ قلوبنا أن بلغنا الله تعالى بفضله ختام الشهر المبارك، فالقلوب يتجاذبها خوف ورجاء، والألسن تلهج بالاستغفار والدعاء، أن يتقبل الله تعالى منا الصيام والقيام ولجميع المسلمين، فطوبى لمن غفرت زلته، وقبلت توبته، ويا سعادة من أقيلت عثرته وأعتقت رقبته، ويا هناءة من شكر سعيه ورفعت درجته. في نهاية شهرنا هذا – عباد الله – نشكره سبحانه شكر من أنعم على عباده، بهدايته وتوفيقه، وتيسيره وإعانته، فالهدي هديه والخير خيره ولا إله غيره: (ولتكملوا العدة ولتكبروا الله على ما هداكم ولعلكم تشكرون – البقرة: 185).

إذا كنا نودع رمضان – عباد الله – فإن المؤمن لن يودع الطاعة والعبادة، ولن يهجر التقوى والاستقامة، بل سيوثق العهد مع ربه، ويقوي الصلة مع خالقه، ليبقى نبع الخير متدفقا، وسبيل الاستقامة متبعا، أما أولئك الذين ينقضون عهد الله، ويهجرون المساجد والمصاحف، ويتركون الطاعات والقربات، ويدعون الاحسان والصلات بعد وداع رمضان فلم يعرفوا لربهم قدره ولا للشهر غايته ولا للايمان حقيقته، إن استدامة أمر الطاعة وامتداد زمانها زاد الصالحين وأمل المحسنين، وسبيل المتقين، فليس للطاعة زمن محدود، ولا للعبادة أجل معدود، بل هي حق لله على العباد، يعمرون بها الأكوان على مر الأزمان، وشهر رمضان ميدان تدريب وتعويد للعباد لاكتساب الفضائل، وترك الرذائل، لتسير النفوس على نهج الهدى والرشاد بعد رمضان، وليس للعبد منتهى من العبادة دون الموت، كما قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم «واعبد ربك حتى يأتيك اليقين».

وبين الشيخ العقيلي أن للقبول والربح في هذا الشهر علامات، وللخسارة والرد أمارات، وإن من علامة قبول الحسنة فعل الحسنة بعدها، ومن علامة السيئة السيئة بعدها، فأتبعوا الحسنات بالحسنات تكن علامة على قبولها، وأتبعوا السيئات بالحسنات تكن كفارة لها ووقاية من خطرها، (إن الحسنات يذهبن السيئات ذلك ذكرى للذكرين – هود: 114).

دروس نافعة

وأضاف: لقد تعلمنا في مدرسة رمضان أنفع الدروس وأبلغ المواعظ، تعلمنا كيف نقاوم نزغات الشيطان، وأهواء النفس الأمارة بالسوء، تعلمنا كيف ننبذ القطيعة والخصام ونرسخ الحب والوئام، كيف نحفظ ألسنتا ونغض أبصارنا ونقوم سلوكنا، لقد سكبت العيون الدموع في رمضان، فلنحذر أن يصيبها القحط والجفاف بعده، لقد أنيرت المساجد بالقربات والطاعات وعمرت بمجالس الذكر والتلاوات، لقد لهجت الألسن والقلوب بالذكر والتلاوة والدعاء، فليدم هذا الجلال والجمال والرجاء، لقد علا محياك – ياعبدالله – في رمضان سمت الصالحين، ذل وخضوع، إخبات وخشوع، فلا تبدلها بعده بأخلاق الكبر والغفلة، واللهو والسهوة، لقد امتدت يداك في رمضان بالعطاء، وأنفقت بسخاء، فلا تقبضها بعده.

لقد غرس رمضان في نفوسنا خيرا عظيما، صقل القلوب وأيقظ الضمائر، وطهر النفوس وأكسب الفضائل فاجعل – أخي الصائم – من نسمات رمضان المشرقة مفتاح خير سائر العام، ومنهج حياة لكل الشهور والايام، احرص على بر الوالدين وأصلح ذات البين وصل الأرحام، وواصل الاحسان للجيران وزيارة الإخوان، انصر المظلومين وواس المكروبين، أطعم المحرومين وأغث الملهوفين، واحفظ ذخيرة الفضائل وجميل السجيات، وتجمل بحسن الاخلاق وطيب العادات، كن نبعا متدفقا بالخير كما كنت في رمضان.

عباد الله، للصائم فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه، فرحة في الدنيا العاجلة، وفرحة في الآخرة الباقية، لمن داوم على العبادة، واستقام على الطاعة، حيث ينال النعمة الكبرى والجائزة العظمى، جنة الله، التي فيها ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، جعلنا الله وإياكم ممن ينادون: (كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية – الحاقة: 24)، وممن يبشرون: (وتلك الجنة التي أورثتموها بما كنتم تعملون – الزخرف: 72)، واعلموا – أثابكم الله – أن الثبات في الدنيا على الصالحات بشارة للثبات عند الممات (يثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويضل الله الظالمين ويفعل الله ما يشاء – إبراهيم: 27)، وإن الاستقامة بريد البشارة: (إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون – فصلت: 30).

المصدر
الأنباء

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى